تواجه الحكومة الكويتية الجديدة التي لم تؤد القسم الدستوري امام مجلس الأمة البرلمان بعد تحديات مهمة، لعل أهمها ان عمرها محدود ب18 شهراً، وانها ورثت من سابقتها تركة ثقيلة من الخلافات والملفات المعلقة، وضعف الثقة مع النواب ومع القوى السياسية. وقد تعرضت الحكومة الجديدة، منذ ولادتها، الى انتقادات قاسية من الليبراليين طالت حتى رئيسها الشيخ ناصر محمد الأحمد الذي وصف سياسي ليبرالي اختياره لهذا المنصب بأنه "كارثة". ولا يتوقع ان تحد هذه الانتقادات من عزم الشيخ ناصر 66 سنة وهو الديبلوماسي القديم الذي شغل منصب عميد السلك الديبلوماسي لدى بلاط شاه ايران في السبعينات، وحمل مرة عبء التعامل مع الصحافة والاعلام عند فرض الرقابة عليهما بعد حل البرلمان عام 1986، ونجح في تخفيف التوتر الكبير بين الصحافة والحكومة وقتها. ويقول منتقدو اختياره لرئاسة الحكومة انه كان بعيداً عن العمل التنفيذي منذ 16 سنة شغل خلالها منصب وزير شؤون الديوان الاميري وهو "ليس متصلاً بمستجدات العلاقة مع مجلس الامة خصوصاً". غير ان هناك من يرد بأن هذه ميزة وليست عيباً "اذ انه سيدخل البرلمان وليست لديه حسابات مسبقة او خلافات مع النواب وهذا سيساعد في تحريك ملفات كثيرة جامدة". واستبعد من التشكيلة التي اختارها الشيخ ناصر وزير التجارة السابق عبدالله الطويل وهو ليبرالي عريق ووزير الشؤون الاجتماعية فيصل الحجي وهو محسوب على الليبراليين ايضاً، لذا هاجم الليبراليون الكويتيون بقوة التشكيل الحكومي الاخير بعدما خلا من وزراء يمثلونهم، خصوصاً مع دخول ممثل عن تيار "الاخوان المسلمين" في الحكومة. ووصف ممثلون عن المجموعات الليبرالية في مهرجان خطابي في جمعية الخريجين ليل الاثنين الماضي التشكيل الحكومي بانه "انتصار لمؤسسة الفساد". وقال النائب السابق عبدالله النيباري في المهرجان: "ما ان بدت معالم الحكومة تتضح حتى وجدنا ان الاحلام ما هي الا اضغاث احلام ... والسبب ليس من خرج من الوزراء وليس من دخل، والبعض صورها بأنها من زعل الليبراليين، ونحن نقول بأنها معارضة الحكومة ليست لاشخاص بل لمبادئ. فاستبعاد اشخاص تميزوا بالوقوف امام الفساد هو الذي جاء بالصدمة". وأضاف ان وزراء "ظهرت في حقهم تقارير من ديوان المحاسبة وفي قضية هاليبرتون النفطية وهم امراء المخالفات وفرسانها يثبتون في حقائبهم والوزراء الذين حاولوا تطبيق القانون يخرجون". اما وزير التربية السابق احمد الربعي فقال: "اجتمعنا اليوم والفساد تحول الى مؤسسة، والتشكيل الحكومي يعني شيئاً واحداً وهو الاستسلام لمؤسسة الفساد، فوزير الاصلاح صار وزير تأزيم". وانتقد تشكيل الحكومة في اقل من 48 ساعة وقال: "من المحزن ان تشكل حكومة بهذه السرعة وكبار اهل الكويت لا يُشركون". وجاء اقسى الانتقادات من النائب السابق مشاري العصيمي الذي نقلت عنه صحف قوله ان "حل ازمة الحكم جاء في اطار الدستور فصرنا نفتخر به وتفاءلنا بنقلة نوعية واداء جديد وتشكيلة جديدة. ولكن أنزلت علينا الكارثة بتعيين رئيس الوزراء، ولا اتكلم عن اشخاص وعمن خرج ومن دخل. ولكن الحكومة الجديدة تبشر باستمرار آلية الفساد في البلد". وكان التشكيل الوزاري شهد خروج اربعة وزراء هم عبدالله الطويل وزير التجارة ورشيد الحمد وزير التربية وأحمد باقر وزير العدل وفيصل الحجي وزير الشؤون، وقال النائب عبدالله الرومي ان "خروج الاربعة الذين حاولوا تطبيق القانون هو استجابة لمؤسسة الفساد التي ضغطت وسمتهم وزراء تأزيم". وفي مقابل الهجوم الليبرالي على الحكومية كان هناك ترحيب متحفظ من الاسلاميين عليها ومشروط بنجاحها في الاداء. غير ان المرجح ان يعادي التيار السلفي التقليدي الحكومة بسبب خروج قطب هذا التيار احمد باقر من الوزارة. اما التكتل الشعبي في المجلس، وله 6 نواب بقيادة رئيس البرلمان السابق احمد السعدون، فلا يرى الحكومة الجديدة الا امتداداً للحكومة السابقة، وليس متوقعاً ان "يفتح صفحة جديدة" معها. وهناك نقطة اخرى ليست في مصلحة الحكومة الجديدة، اذ ان الطريقة التي حسمت بها ازمة الخلاف على الامارة الشهر الماضي، وان كانت ناجحة دستورياً ومقبولة الى حد ما شعبياً، الا انها تركت اطرافاً داخل الاسرة الحاكمة غير راضية تماماً عن الامور، خصوصاً ان الحكومة الجديدة كرست الحضور القوي لآل احمد في المناصب السياسية على حساب الفروع الاخرى في الاسرة الحاكمة، ونظراً الى أن اقطاباً في هذه الفروع لديهم نفوذهم لدى عدد من النواب ولدى قوى سياسية وصحف وهيئات شعبية، ولذا يتوقع ان تصطدم الحكومة بمعارضة كبيرة من هذه الاطراف. وتحسباً لهجوم برلماني على الحكومة الجديدة من نواب يطالبون بمشاريع تتضمن تساهلاً في مشاريع مالية لمصلحة المواطنين، مثل اسقاط القروض والديون الحكومية، عنهم سارع مجلس الوزراء في اول اجتماع له الاحد الماضي الى مطالبة النواب بالموضوعية في امنياتهم وطموحاتهم. غير ان من المستبعد ان يستجيب هؤلاء لذلك. ويضاف الى هذا ان بدء الحكومة الجديدة اعمالها سبق بشهور قليلة بدء النواب جهودهم الشعبية واتصالاتهم بالناخبين استعداداً لانتخابات تموز يوليو 2007، وهو ما يعني، بحسب الطقوس الكويتية، حاجة النائب الى تمرير آلاف المعاملات والوساطات. وما لم يكن الوزراء في الحكومة على استعداد للاستجابة لذلك، فان ردود النواب ستكون خشنة وسيلوح بعشرات الاستجوابات ضد بعضهم. اما القوى السياسية والهيئات الاصلاحية فتضع الحكومة امام اختبارين: تعديل الدوائر وتعديل قانون المطبوعات، فمن دون انجاز الول ستستمر مظاهر الرشوة الانتخابية والتحزب القبلي والطائفي، ومن دون الثاني ستبقى حرية التعبير والنشر الصحافي في اسر خمس صحف يومية تمثل عائلات تجارية واثرياء من غير أي فرصة لآخرين لاصدار صحفهم والتعبير عن انفسهم.