كان قرار منظمة أقطار الدول المصدرة للنفط "أوبك"، بخفض سقف إنتاجها الحالي 500 ألف برميل يومياً، من 26.300 مليون برميل يومياً، ليصبح سقف الإنتاج الجديد ابتداء من شباط فبراير المقبل 25.800 مليون برميل، قراراً حسابياً ورقمياً بكل المعايير، حيث أخذت المنظمة في الاعتبار حساب كل برميل من النفط الخام، سواء المستهلك مباشرة، أو من المخزونات التجارية، أو المخزونات الإستراتيجية. وقدرت المنظمة وجود ما بين 500 ألف و 700 ألف برميل من النفط بكميات فائضة في الأسواق النفطية في الوقت الحالي. حيث ان جزءاً كبيراً من هذا الفائض سببه عدم التزام بعض أعضاء المنظمة بحصص إنتاجهم، وبحيث بلغت نسبة الالتزام بين 75 و80 في المئة، ما أدى إلى وجود فوائض في الأسواق النفطية. قرار المنظمة كان إذن، قراراً صائباً. وعلى رغم ما تعرضت له من ضغوط من الدول المستهلكة للنفط، ومن وكالة الطاقة الدولية، بعدم خفض الإنتاج، وتأجيله إلى فترة لاحقة تمتد إلى نهاية فترة الشتاء. لكنها قررت الخفض، وبنسبة مدروسة بحسب الكميات الزائدة والمتوافرة في الأسواق، مع إبقاء كميات كافية تفوق 55 يوماً من الاستهلاك اليومي من النفط في الدول الصناعية الكبرى، ما يعني وجود كميات كافية تحسباً لزيادات أو استهلاكات فجائية نتيجة لبرد قارس، وانخفاض في درجات الحرارة تحت المعدل الموسمي لهذه الفترة. وفي الوقت ذاته، تستطيع المنظمة أيضاً ضخ وانتاج كميات إضافية من النفط الخام، إذا دعت الحاجة، حيث تمتلك"أوبك"كميات تتراوح بين ثلاثة وخمسة ملايين برميل من الطاقة الإنتاجية الفائضة من النفط الخام، ما يعادل ضعف الكميات تقريباً مقارنة بالعام الماضي. واحتسبت المنظمة كذلك إمكان تراجع، وضعف أسعار النفط مع نهاية الربع الأول من العام الحالي، وذلك بسبب ضعف النمو والطلب العالمي للعام المقبل، خصوصاً مع الربع الثاني منه. وتخوفاً من انخفاضات حادة في أسعار النفط قد تلامس معدل ال50 دولاراً للبرميل، اتخذت المنظمة هذا الإجراء الاحترازي للحفاظ على معدلات مناسبة لسعر النفط للفترات المقبلة، والحفاظ على سعر النفط عند معدل60 دولاراً لبرميل الخام الأميركي، والذي يعادل تقريباً 55 دولاراً لبرميل سلة نفوط"أوبك". وهو المعدل الجديد أو السعر المناسب للمرحلة الراهنة، والتي تتوافر فيها العناصر للحفاظ على معدلات نمو مناسبة ومقبولة للنفط، وغير مضرة على نمو الاقتصاد العالمي ككل. وان المعدل السعري الجديد يكون مقبولاً من الدول المستهلكة للنفط للفترة الراهنة. ونكاد نجزم بأن منظمة"أوبك"استعملت المسطرة بكل دقة، وبقياس دقيق لتصل إلى قناعة تامة، منعاً لحدوث أية أضرار على الدول المستهلكة للنفط، ومنعا لأية انتقادات لاحقة، خصوصاً أنها اتخذت قراراً معاكساً لرغبات بعض الدول المستهلكة للنفط، لكنه قرار حسابي مناسب للجميع. ولو أنها لم تتخذ في الوقت ذاته قراراً بعدم خفض الإنتاج لانخفضت أسعار النفط بحدة، إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل، وأحدثت ضرراً بالغاً في اقتصادات الدول المنتجة للنفط، ولكان صعباً عليها وقف التراجع. ولهذا اختارت ورجحت خيار وقرار الخفض. ان قرار وزراء دول منظمة"أوبك"في نيجيريا، كان قراراً حاسماً ومحسوباً، واستعملت فيه كل الفرائض والأرقام الحسابية، وأهمها حالة العرض والطلب في الأسواق العالمية، وموازنتها لسحب الفوائض النفطية الزائدة منها، واعادة التوازن إلى الأسواق، بشرط التزام جميع أعضاء المنظمة بحصص إنتاجهم الجديدة. واختارت القرار الحسابي والرقمي الصحيح.