فيما تتجه الأنظار صباح اليوم الى فيينا، حيث تعقد منظمة أوبك، اجتماعا تاريخيا يحسم الجدل الاقتصادي حول خفض معدلات الانتاج ومتغيراته السعرية، قال وزير البترول والثروة المعدنية علي النعيمي للصحفيين أمس إنه يعتقد أن سوق النفط "ستستقر من تلقاء نفسها في نهاية المطاف". ويسعى بعض وزراء أوبك خلال الاجتماع لخفض الانتاج مليون برميل يوميا على الأقل لتعزيز الأسعار التي نزلت 30% منذ يونيو. وأكد خبراء نفطيون أن هناك متغيرات اقتصاديّة، وجيوسياسية (متحركة) قد تجعل من الصعوبة بمكان التكهن بمدى التوصل إلى اتفاقات حيال عدد من المحاور التي من أهمها خفض انتاج دول المنظمة. وأوضح الخبراء ل "اليوم" أن اجتماع الأوبك يسعى للحفاظ على التوازن بين عاملي العرض والطلب في قضية الأسعار المناسبة، كون السعر هو العامل الرئيس والمهيمن على نسبة الفائدة، التي تعود على الشركة وعلى الدولة. وأوضح الخبراء أن اجتماع وزراء أوبك سيتمحور حول بلورة موقف موحد إزاء خفض الانتاج وتوزيع الحصص الانتاجية للدول المنتجة للنفط. وأوضح الدكتور محمد الصبان المستشار الاقتصادي والنفطي، أن اجتماع أوبك، يأتي في غضون متغيرات جديدة شهدتها أسواق النفط العالمية أهمها زيادة إنتاج النفط الصخري الأمريكي، وارتفاع الإنتاج النفطي من خارج الأوبك، مع ما تزامن من ذلك من تراخٍ في الطلب العالمي على النفط وبالذات من مستهلكين كبار مثل الولاياتالمتحدة والصين، موضحاً أن ثمة فائضاً في المعروض النفطي في الأسواق، أدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى مستوياته الحالية. وأضاف الصبان: ربما يكون من الصعب في اجتماع الاوبك اليوم، اتخاذ القرار الملائم والمناسب لحل إشكالية التراجع في أسعار البترول، لرغبة بعض المنتجين الرئيسين في المنظمة في عدم خفض الإنتاج. من جهته، ذكر المهندس حسن ناجي كبير خبراء هندسة البترول، أن التوقعات المرجوة من اجتماع الأوبك القادم هو أن أسعار النفط لن ترتفع بل ستبقى على ما هي عليه، وطالما الزيت الصخري موجود فهذا يعني أن الهبوط مستمر رغم توقعات الكثيرين للعكس وأن الأسعار سترتفع مجددا وهذا مستحيل. ورغم قلق دول اوبك من استمرار تراجع أسعار النفط في السوق العالمية فإن مصادر في سكرتارية المنظمة أبدت ارتياحا لأساسيات السوق من العرض والطلب معتبرة أنها "معقولة" والمنظمة بصدد البحث في أسباب تراجع الأسعار. وقال مصدر مطلع في سكرتارية اوبك إن اجتماع وزراء نفط المنظمة سيتركز على كيفية اعادة الاستقرار في السوق العالمية للخام والحيلولة دون حدوث مزيد من تدهور الاسعار. وأضاف ان هناك مساعي لمواصلة مراقبة تطورات سوق النفط عن كثب حيث يجتمع وزراء نفط المنظمة بشكل استثنائي اذا استدعت الحاجة واستمر انخفاض الاسعار. غير ان خبراء معنيين بالشأن النفطي ربطوا تراجع الأسعار بجملة من العوامل منها ارتفاع سعر الدولار وزيادة انتاج الخام وزيادة الاعتماد على الغاز الصخري فضلا عن وفرة المعروض من النفط الخام في الاسواق العالمية وقلة الطلب العالمي وحالة من الركود الاقتصادي الذي تمر به بعض الدول الصناعية الكبرى ابرزها اليابان. وتوقعوا ان تتخذ منظمة (اوبك) قرارا بخفض الانتاج بهدف الحد من التراجع الحاصل في الأسعار على ان يكون خفض الانتاج هذا من 30 مليون برميل يوميا الى 29 مليونا او 29.5 مليون يوميا ما قد يجعل الاسعار تستأنف صعودها تجاه 100 دولار للبرميل. ورغم حالة التفاؤل السائدة بإمكانية ارتفاع الطلب العالمي على النفط خلال العام المقبل فإن حالة من التشاؤم الحذر تسود لجهة الطلب على الخامات من خارج دول اوبك. وكانت (اوبك) نفت في تقريرها خلال نوفمبر الحالي ما اوردته وسائل اعلام حول ارتفاع انتاج المنظمة اكثر من المستوى الرسمي المعلن في اكتوبر الماضي بحوالي 30 مليونا و250 الف برميل يوميا اي ما يمثل 32.7% من مجمل الانتاج العالمي. وقررت المنظمة الابقاء على سقف الانتاج البالغ 30 مليون برميل يوميا دون تعديل في حين يستمر تراجع اسعار النفط العالمي لأكثر من 30% وتصل الى 75 دولارا للبرميل. وتتكون مرجعية سلة خامات أوبك من 12 خاما تشمل: مزيج الصحراء (الجزائر)، جيراسول (أنجولا)، أورينت (الإكوادور)، وإيران الثقيل (إيران الإسلامية) والبصرة الخفيف (العراق)، الكويت تصدير (الكويت)، وفاق سدر (ليبيا)، خام بوني الخفيف (نيجيريا)، وقطر البحرية (قطر)، العربي الخفيف (السعودية)، مربان (الإمارات) وميري (فنزويلا). ووفقا ل"رويترز" فقد هوت أسعار النفط الخام أكثر من دولار مساء أمس الأول، مقتربة من أدنى مستوياتها في أربعة أعوام، إذ تضررت السوق من مؤشرات متناقضة بشأن ما إذا كانت منظمة أوبك ستتفق على خفض إنتاجها في اجتماعها اليوم. واستقر مزيج برنت قرب 78.40 دولار للبرميل أمس قبل اجتماع أوبك لكن الأسعار تراجعت في وقت سابق من الجلسة إذ أظهرت أكبر أربعة اقتصاديات في آسيا مؤشرات على الضعف. وسجل برنت 78.43 دولار للبرميل مبتعدا عن مستوى 78 دولارا الذي بلغه خلال أمس بينما سجل الخام الامريكي 74.13 دولار للبرميل مرتفعا من 73.64 دولار. وقال المتعاملون إن الحديث عن خفض محتمل في الإنتاج قبل اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول يدعم الأسعار لكنهم أضافوا أن تزايد المتاعب الاقتصادية في آسيا ضغط على السوق في التعاملات المبكرة. وقالت مجموعة بيرا للطاقة التي مقرها الولاياتالمتحدة في تقرير أسبوعي "الاقتصاد الأمريكي يبلي بلاء حسنا لكن كل الاقتصاديات الأخرى تقريبا تعاني مما يعزز احتمالات تراجع النمو لا ارتفاعه. مازالت أرصدة النفط العالمية تؤكد وجود فائض ضخم في 2014. ستجد أوبك صعوبة في معالجة الموقف". وكانت السعودية وفنزويلا عضوا أوبك، وروسيا والمكسيك المنتجان للنفط اختتمت محادثاتهم أمس الأول دون الاتفاق على معالجة تخمة المعروض المتزايدة ولم يتعهد أحد من المشاركين في الاجتماع بخفض الإنتاج رغم هبوط الأسعار. ونزلت أسعار النفط عقب الاجتماع إذ تراجع سعر خام برنت أكثر من دولار للبرميل ليقترب من 78 دولارا. وتركت السعودية السوق في حيرة بخصوص رد فعلها على هبوط أسعار الخام لكن اجتماع الثلاثاء أثار تكهنات وآمالا في بعض الأوساط بأن الرياض تدرس دعم خفض منسق للإنتاج. لكن هذه الآمال لم تدم طويلا. وقال وزير الخارجية الفنزويلي رفاييل راميريز للصحفيين بعد الاجتماع إن جميع الأطراف اتفقت على أن الأسعار الحالية "ليست جيدة" للدول المنتجة لكن لا يمكن تنسيق خفض الإنتاج أو ضمان الاتفاق عليه في اجتماع أوبك يوم الخميس. وقال راميريز الذي كان وزيرا للنفط ورئيسا لشركة بي.دي.في.إس.إيه النفطية الحكومية حتى وقت قريب "ناقشنا الوضع في السوق وتبادلنا وجهات النظر. ينبغي لنا أن نواصل المباحثات و(من ثم) اتفقنا على الاجتماع مجددا خلال ثلاثة أشهر." وينقسم مراقبو سوق النفط بشأن النتيجة المتوقعة لاجتماع أوبك إذ تتباين التوقعات بين خفض كبير يدعم الأسعار وخفض بسيط وصولا إلى الإبقاء على الإنتاج عند مستواه الحالي. وقال وزير الطاقة الجزائري يوسف اليوسفي إن المنظمة ستسعى لإيجاد "طريقة توافقية" لتحقيق الاستقرار في سوق النفط ولم يخض في مزيد من التفاصيل. ونقلت صحيفة كوميرسانت الروسية عن مصادر قولها إن روسيا قد تقترح خفض إنتاجها نحو 300 ألف برميل يوميا العام المقبل وان موسكو تتوقع أن تخفض أوبك انتاجها 1.4 مليون برميل يوميا. وموافقة روسيا على خفض الانتاج تعني مساندتها للصقور في أوبك مثل فنزويلا الذين يضغطون بشدة على السعودية لخفض الانتاج. وتوترت العلاقات بين موسكو وأوبك بعد أن تعهدت روسيا بخفض الإنتاج تمشيا مع قرار مماثل لأوبك في مستهل العقد الماضي ولكنها لم تف بتعدها بل وزادت صادراتها. ويتشكك بعض المحللين بالقطاع في أن تتخذ روسيا أي خطوة كبيرة هذه المرة.