أصبح القوقاز جزءاً من مناطق المصالح المباشرة الاوروبية. فالدول الاوروبية عجزت عن انتهاج سياسة خارجية موحدة. ومن شأن إقرار الدستور الاوروبي الموازنة بين مصالح"اوروبا الجديدة"ودول أوروبا القديمة، وتعريض القارة الاوروبية، تالياً، الى التأثير الاميركي القوي. وهذا ما تعارضه ألمانياوفرنساوايطاليا. وجليّ أن هذا الثلاثي يسعى الى المحافظة على مصالح أوروبا التقليدية، وتجنب نزاع مسلح على حدود اوروبا، وتأمين موارد الطاقة من طرق آمنة. ولا ريب في أن المنطقتين المعرضتين القابلتين للانفجار بجوار القارة الاوروبية هما الشرق الاوسط والقوقاز. ووزعت الادوار بين الدول الاوروبية الاساسية. وألقي على عاتق ايطاليا المحافظة على السلام بالشرق الاوسط، في حين تولت فرنساوالمانيا المحافظة على السلام بمنطقة القوقاز وضمان ممر قوقازي آمن ومستقر للطاقة الى اوروبا. والحق ان سبب اهتمام القوى الاوروبية بالقوقاز هو المواجهة المفتوحة بين روسيا والولايات المتحدة بهذه المنطقة. ولا يسع اوروبا التنحي، والوقوف موقف المتفرج. فمصالحها وأمنها على المحك. وفي حال انتصرت اميركا في المواجهة القائمة، سيطرت، وحليفتها التركية، على امدادات الغاز والنفط. وفي حال انتصرت روسيا سيطرت موسكو على موارد الطاقة الى اوروبا. وتقلق السياسة الاميركية بالقوقاز أوروبا اكثر من السياسة الروسية. فبين أوروبا وموسكو خطط عمل مشتركة بهذه المنطقة. والدليل على التوزيع الاوروبي للأدوار بين ألمانياوفرنساوايطاليا، وعلى أهمية المشكلة القوقازية، هو مشروع قانون يجرم نفي إبادة الارمن في الهيئة الاشتراعية الفرنسية. وتحول العلاقات التاريخية بين ألمانياوتركيا دون سنّها قانوناً مماثلاً. ويعرقل هذا القانون انضمام الاتراك الى الاتحاد الاوروبي، ويعزز موقف ارمينيا القوقازية بأوروبا، وهذه تربطها بروسيا علاقات تاريخية وثيقة. وتشير العلاقات الفرنسية - الايرانية الجيدة الى ان باريس تسعى الى إنشاء محور ايراني - أرمني يضعف دور تركيا بالقوقاز، في حين تؤدي المانيا دوراً مهماً بجورجيا وأذربيجان. وكانت موسكو قد رفضت الوساطة الاميركية بينها وبين تبيليسي، وقبلت الوساطة الألمانية. فما يجمع بين الثلاثي الاوروبي وروسيا مسألتان حيويتان بالقوقاز: استقرار جورجيا وارتباطه بأمن أوروبا القومي، وتأمين خطوط امدادات الطاقة من منطقة قزوين عبر القوقاز. وعليه، ليس في مستطاع روسيا الموافقة على انضمام جورجيا الى حلف شمال الاطلسي. فهذا الانضمام يهدد روسيا استراتيجياً، ويقوض فرص السيطرة الروسية على خطوط النفط والغاز. ولا شك في أن حياد جورجيا يؤاتي الروس والاوروبيين، ويضمن سيطرتهما المشتركة على خطوط الامدادات، ويستبعد اميركا. فانضمام جورجيا الى حلف عسكري، وإن كان هذا الحلف مقرباً من الاوروبيين، يهدد بإشعال المنطقة، وتحويلها الى ساحة ساخنة على الحدود الاوروبية. ويرتبط استقرار القوقاز بتقليص النفوذ الاميركي فيه. وهذا التقليص يناسب الاطراف كلها، على رغم اعتراض الحكومة الجورجية الحالية عليه. عن ليفان بيرفيلي، "جورجيان تايمز" الجورجية، 2/11/2006