تواصل الجدل في اسرائيل في شأن الموقف الواجب اتخاذه من الدعوات السورية لاستئناف المفاوضات، وبدا أمس ان المعركة غدت بين أقطاب حزب "كديما" الحاكم الرافضين تجديد الحوار وبين الاعلام العبري، وهو ما حدا بوزارة الخارجية، كما يبدو، الى تسريب تقرير "سري" الى صحيفة "يديعوت أحرونوت" عما دار في لقاء بين الرئيس جاك شيراك وزعيم اوروبي شن فيه الأول هجوما كاسحا غير مسبوق بحدته على النظام السوري"الديكتاتوري والفاسد والقاتل". واختارت الصحيفة ان يتصدر هذا الهجوم عنوان صفحتها الأولى، وكأنها ترد على منافستها"معاريف"التي تواصل حشد عناوين ومقالات تؤيد التجاوب مع الدعوات السورية وتهاجم رئيس الحكومة ايهود اولمرت على"انسياقه الأعمى"وراء الرئيس جورج بوش. وجاء في الخبر الرئيس ل"يديعوت أحرونوت"ان شيراك قال في لقاء مع شخصية اوروبية رفيعة المستوى ان"سورية دولة خطيرة، قاتلة واستبدادية... انها سيئة مثل كوريا الشمالية، ويحظر اجراء أي حوار معها". وتابع ان"الرئيس الأسد يقود احدى اكثر الدول فسادا، دولة تستخدم القتل السياسي أداة شرعية بلا تردد". وغداة اعلان اولمرت رفضه استئناف المفاوضات مع سورية"لأن الأمر يتعارض وموقف الرئيس بوش"، قال رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية موساد مئير داغان امام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية امس:"لا اشارات الى تليين سورية مواقفها وسعيها للسلام". وأضاف ان سورية تحاول ان تحشر اسرائيل في الزاوية لتظهرها على انها رافضة للسلام، معتبرا ان دمشق تريد من دعواتها الى استئناف مفاوضات السلام تحقيق ثلاث غايات هي درء الضغوط الدولية عنها، واستعادة موقع تأثير مهيمن على لبنان، واستعادة الجولان. وزاد ان سورية تواصل التسلح وتسليح"حزب الله"بوتيرة عالية وتنشط من أجل اسقاط الحكومة اللبنانية وضعضعة الوجود الأميركي في العراق. وقال داغان ان القدرات الردعية لاسرائيل تضررت بعد الحرب على لبنان"ما زاد من ثقة الرئيس السوري بنفسه وبقدرات بلاده العسكرية. وأضاف ان تغييرا استراتيجيا حصل في دمشق"التي غدت تثق بقدراتها على الرد على على كل ما يمكن ان تعتبره استفزازا اسرائيليا وباتت جاهزة للمجازفة امام اسرائيل، أكثر من الماضي". في المقابل، حملت كبرى الصحف العبرية على قرار اولمرت رفض استئناف الحوار مع دمشق"تماشيا مع سياسة الرئيس بوش". وتحت عنوان"يحظر رفض الدعوات السورية"، كتبت صحيفة"هآرتس"في افتتاحيتها امس انه رغم تفهمها لوجوب تنسيق اسرائيل الموقف مع واشنطن، الا انه في حين يمكن لواشنطن ان تجازف بتوتير العلاقات مع دمشق، فإن معنى رفض اسرائيل الدعوات السورية هو المجازفة بحرب. وذكّرت الصحيفة برفض رئيسة الحكومة الاسرائيلية السابقة غولدا مئير دعوات الرئيس المصري الراحل انور السادات لإبرام سلام بعد ان اعتمدت في ذلك على موقف واشنطن،"الا ان الرفض كلف اسرائيل حربا فظيعة عام 1973 بنتائجها، بل كارثة قومية". ورأت ان هذه التجربة تحتم على اولمرت فحص جدية تصريحات الرئيس السوري بالتنسيق مع الادراة الأميركية. واكدت ان اسرائيل لن تستفيد قط من موقفها الرفضي"بل يجدر بها استنفاد العملية الديبلوماسية مع السوريين بدلا من انتظار اندلاع حرب يمكن منعها مسبقا". ووصفت الصحافية ياعيل غفيرتس يديعوت أحرونوت السياسة التي ينتهجها اولمرت بسياسة"الهروب الكبير"، وتساءلت عما يمكن أن تخسره اسرائيل من"التجاوب مع التوسلات السورية باختبار نياتها". وكتبت ان اولمرت يعتمد سياسة عدم فعل شيء ويرى في كل مبادرة سياسية"تهديدا"ينبغي الانتظار حتى يتبخر. وتابعت ان رئيس الحكومة الحالي يتفوق بذلك على كل سابقيه الذين رفضوا مبادرات سلمية واختاروا تفاديها بدلا من محاولة تفادي حروب،"اما الاسوأ الآن فهو انه يقف على رأس الحكومة قائد كانت له تجربة سيئة في جر اسرائيل الى الحرب، لكنه لم يتعظ ولا يفهم ان لا شرعية أخرى له لجرنا الى حرب أخرى". وزادت:"هذه هي أجندته... الهروب من الالتزامات، من الالتزام الأهم تجاه الامهات والآباء الاسرائيليين... فقط من أجل عدم اغاظة واشنطن". وحمل المعلق السياسي في"معاريف"بن كسبيت على موقف اولمرت الرافض"الذي يعني اننا دولة تحت الوصاية الاميركية"، ودعاه الى السفر فورا الى واشنطن ليقول للرئيس الأميركي ان من غير المعقول ان ترفض اسرائيل"بفظاظة وعجرفة وغباء"يدا ممدودة للسلام من دولة مجاورة.