فسحةٌ واسعةٌ تغصّ بأشخاص بمختلف لهجاتهم وأشكالهم وطباعهم، لكن يجمعهم "البازار". عربات مختلفة الأحجام والأشكال والألوان، منظمة في أقسام محددة، تحمل كل ما تحتاجه الأسرة في حياتها اليومية. هنا قسم للألبسة الجديدة والمستعملة وأدوات التجميل والزينة، وهناك قسم آخر للمواد الغذائية، ومكان خاص لتجمع المواشي والأسماك والطيور على اختلافها، مروراً بحاجات المنزل ووصولاً إلى الدراجات وألعاب الأطفال. كأن المكان أشبه بلوحة شعبية تختلط فيها أصوات الباعة بأصوات عجلات العربات وصراخ الأولاد وضحكاتهم، لتأتي أصوات الموسيقى الشعبية الطالعة من الراديوات وتضيف عليها رونقاً خاصاً. عبارات تجمع بين الطرافة والفن، تلك التي يُطلقها المنادون على بضاعتهم، في محاولة لجذب أكبر عدد من الزبائن. فتسمع أحدهم يقول:"أفقعي يا عمة واشتري يا كنة"وآخر ينادي:"فرّح أولادك بعشرة ليرات". على هذا تقوم فكرة"البازار"في معظم البلدان التي تنتشر فيها هذه الظاهرة، ولكن لل"بازار"في محافظة"ادلب"السورية ما يميزه عن بقية"البازارات"، والسبب ان المدينة هي المنشأ الأصلي لهذا التجمع الاقتصادي العفوي. يقول المؤرخ فايز قوصرة:"كانت بداية"البازار"في القرن الرابع الميلادي في منطقة"باب صقيل"على جبل باريشا في آثار ايبلا شرق المحافظة، بفكرة تجانب"البسطات"لتشكل معاً سوقاً تجارية بسيطة متنقلة يقصدها الناس من مناطق بعيدة لاقتناء حاجاتهم". ومع تطور الحياة اليومية تطور"البازار"ليصبح سوقاً ضخمة تقام أسبوعياً في مكان وزمان معينين، وفي المواسم المهمة في السنة، كافتتاح المدارس أو الأعياد أو جني المحاصيل الزراعية. ولا يقتصر"البازار"فقط على البيع والشراء بل تمتد مهمته ليكون مكاناً تحل فيه الخلافات بين الأشخاص بحضور وجهاء القبيلة أو القرية. و"البازار"تقليد اجتماعي مهم للتعارف، ففيه يتم اللقاء بين الشخص وصديقه، وبين الحبيب وحبيبته، وبين الأقرباء جميعاً، فهو الأنسب لتقوية العلاقات العائلية، فترى كل شخص بحلة جديدة وأناقة كاملة، والفتاة متبرجة ومتزينة، كيف لا وهي في"البازار"حيث يراها مئات الشبان. أما الفائدة الاقتصادية لل"بازار"، فتتمثل في تسويق البضاعة التي لا تباع في المحال الضخمة بأسعار مخفضة. كما أن هذا المكان التجاري الرحب الصدر، لا تحتكره طبقة معينة، بل هو متاح للغني والفقير على حدّ سواء. والمعروف في إدلب أن رب العائلة الكبيرة يرى في"البازار"مخلّصه، إذ يمكنه شراء ما يريد بأسعار منخفضة ومن مكان واحد، من دون لفّ ولا دوران من سوق إلى سوق. ولأنه حدثٌ اقتصاديٌ واجتماعيٌ بارزٌ، فقد تقرر تحديد كل يوم من أيام الأسبوع لتنتقل هذه السوق بين كل مناطق محافظة إدلب، لتسهيل عمليات البيع والشراء والتبادلات التجارية. فيوم السبت إلى أريحا، والأحد إلى جسر الشغور، والإثنين إلى تفتناز، والأربعاء إلى ادلب، الى درجة ان اسمه اصبح"السوق الدوار".