أعرب الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، في التقرير الاخير عن فترة توليه الامانة العامة للامم المتحدة، عن اسفه وحزنه لعدم احراز تقدم فعلي في حل ازمة الشرق الاوسط المتمثلة في النزاع العربي الاسرائيلي والازمات المتفرعة عنه، ودعا المجتمع الدولي الى بذل مزيد من الجهود في هذا الاطار، معتبرا انه رغم كون المسار الفلسطيني الاسرائيلي لب المشكلة الا ان الترابط بين الازمات في المنطقة يتطلب النظر اليها والعمل لحلها بشكل شامل ومتواز. وقال انان ان الشرق الاوسط يواجه اليوم آفاقا ملبدة وهو اكثر تعقيدا وهشاشة وخطورة مما كان عليه قبل سنوات. موضحا ان النزاعات العالقة في المنطقة والتي يتزايد الترابط بينها تغذي شعورا مضطردا بالاقصاء لدى شعوبها. واعتبر ان الفشل في ايجاد حل شامل للنزاع العربي الاسرائيلي المزمن يبقى المصدر الرئيسي للاحباط وعدم الاستقرار في المنطقة، معربا عن قناعته بان تحقيق الاستقرار في العراقولبنان واي مكان آخر يمر عبر الجهود المنسقة لتلبية الطموحات المشروعة للاسرائيليين والفلسطينيين والسوريين واللبنانيين لاقامة دولتين، اسرائيل وفلسطين، مستقلتين وآمنتين، وانهاء احتلال الاراضي العربية في فلسطين والجولان واقامة سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الاوسط استنادا الى قرار مجلس الامن الرقم 1701 وباقي القرارات. واشار انان الى المسؤولية الضخمة الملقاة على عاتق الاممالمتحدة لحل الصراع العربي الاسرائيلي، وقال انه يدرك تماما الصعوبات التي ينطوي عليها تحقيق ذلك وبعضها ناجم عن الاستقطاب بين الدول الاعضاء بشأن الصراع وما ينجم عن ذلك من مواقف مختلفة، اذ يرى احد الطرفين انه مستهدف بانتقاد غير منصف فيما يعتبر الاخر المنظمة الدولية غير فاعلة في ضمان الامتثال لقراراتها. وتحدث عن اتهامات باعتماد معايير مزدوجة توجه بانتظام في الاتجاهين ولكل منها بعض التبرير. وابدى الامين العام قناعته بانه الى حين تقرن الدول الاعضاء اعرابها عن قلقها بجهد منسق لتمكين الاممالمتحدة من احداث فارق استراتيجي، فسيجري اللجوء الى محافل اخرى لضمان معالجة فاعلة متعددة الاطراف للصراع. واعتبر ان اللجنة الرباعية ومشاركته فيها تجسد هذه القناعة. واعرب عن قلقه وهو يغادر منصبه من ان الانقسامات التي كثيرا ما شلت الاممالمتحدة نفسها تحد الان ايضا من قدرة الرباعية وشركائها الاقليميين على القيام بدور مفيد تستطيعه لو تصرفت بتصميم وثبات على النهج. وقال"لذا نجد انفسنا عند مفترق طرق ونشعر باحباط متزايد في كل من المنطقة والمجتمع الدولي عموما ازاء فاعلية الرباعية المحدودة والمقترنة بعدم وجود آلية بديلة في الوقت الحاضر". وابدى قناعته بان الحل لا يمكن تحقيقه في نهاية الامر سوى بمفاوضات مباشرة بين الاطراف وبتسهيل ودعم عن طرق معالجة متعددة الاطراف. ورأى ان اهمية اللجنة الرباعية تكمن في جمعها بين الشرعية والقوة السياسية والنفوذ الاقتصادي، اما بالنسبة الى خريطة الطريق فانها لا تزال المرجعية التي يجب ان يركز عليها اي جهد لاعادة تنشيط العمل السياسي على المسار الاسرائيلي الفلسطيني، وهي تبقى الوثيقة الوحيدة الموجودة منذ سنوات والمقبولة مع تحفظات كبيرة من جانب اسرائيل من جانب القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية والدول العربية ومجلس الامن الدولي. واشار الى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت كرر اخيرا القول انه يرى في العودة الى خريطة الطريق سبيلا الى التقدم وان الرئيس الفلسطيني ملتزم بها، ومع ذلك فلا بد من معالجة ما فيها من نواقص على وجه السرعة. وقال التقرير ان استعادة الثقة بامكان التطبيق العملي لخريطة الطريق تتطلب عمل رعاتها، اعضاء الرباعية، معا لايجاد الظروف لتنشيط عملية السلام العربية الاسرائيلية، ووجوب ان تعثر الرباعية على طريقة ايضا لمأسسة مشاوراتها مع الشركاء الاقليميين ذوي العلاقة، بالبناء على مبادرة السلام العربية والروح البناءة التي عقد فيها الاجتماع الوزاري لمجلس الامن في 21 ايلول سبتمبر 2006. وقال انه يجب على الرباعية ايضا محاورة الاطراف مباشرة في مداولاتها وفقا لما اعلنت انها ستفعل. ودعا الى النظر مجددا الى خريطة الطريق بقصد تحديد الامور ذات الاولوية لتحقيقها في مجال الامن والمجالات الاقتصادية والانسانية وبناء المؤسسات ومعالجة القضايا السياسية والمفاوضات السياسية وتحديث جدولها الزمني. وشدد على وجوب ان تنظر اللجنة الرباعية منذ البداية بوضوح تام الى حدود صفقة نهائية، مؤكدا انه من الصعب رؤية ترسيخ للتقدم اثناء التحرك الى الامام من دون متابعة جدية منظمة ومستقلة على الارض. واكد ان هناك عددا من القضايا التي تتطلب معالجة من جانب اللجنة الرباعية والمجتمع الدولي، وقال ان هناك حاجة الى سياسة لمعالجة المشكلة التي تمثلها حركة"حماس"بصورة بناءة الى اكبر حد ممكن لوقف الميل نحو انقسام المجتمع الفلسطيني، بتجديد الدعم للمؤسسات الفلسطينية وتشجيع الجهود لتحقيق الوحدة بين الفصائل الفلسطينية بشأن المبادرات الاساسية لعملية السلام واقناع اسرائيل بعدم اتباع اي سياسة تضر بهذه المؤسسات او تحرم الفلسطينيين من زعماء منتخبين ديموقراطيا وبالتالي شرعيين. وقال انه يجب ان ندرك بان تأجيل التوصل الى تسوية قد الحق اضرارا اجتماعية وسياسية وان تيارات مضادة لفكرة الحل القائم على اساس الدولتين نمت واكتسبت مزيدا من الوضوح. واعتبر انه يجب النظر الى ايجاد تفاهم فلسطيني داخلي حول حل على اساس الدولتين كعملية يجب رعايتها وتشجيعها وان ذلك يتطلب بذل جهد ذي صدقية بين الاطراف ومن جانب المجتمع الدولي لتنشيط العملية السياسية. وحض الأمين العام مجلس الأمن واللجنة الرباعية على استكشاف إمكان الافادة من الوقف الحالي للنار في غزة في إطار دولي. وأوضح:"مثل لبنان مطلع هذه السنة، فإن أسس الاطار السياسي للحل الدائم واضحة، لكن الارادة السياسية للتقدم ليست كافية". واقترح أنان دوراً دولياً أقوى لوقف العنف الحالي والافساح في المجال أمام استئناف المفاوضات، على أن تكون عناصره: تثبيت الوقف الحالي للنار في غزة عبر العمل مع الأطراف المعنيين على وضع قواعده وأسسه، والعمل لتمديد وقف النار ليشمل الضفة الغربية، والترويج لمحادثات غير مشروطة وغير محددة الأمد بين رئيس الوزراء الاسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية، والعمل مع الأطراف المعنيين لضمان اتفاقها عبر نشر مراقبين دوليين لوقف النار، ووضع آلية لحماية المدنيين، ولمراقبة أعمال الأطراف باستمرار لتطبيق الالتزامات والانتفاقات الحالية، وضمان أن يكون الاطار السياسي للمفاوضات حديث ويمكن الاعتماد عليه. كما حض انان أعضاء مجلس الأمن والرباعية على درس خيارات ممكنة تكون مقبولة لدى الطرفين"لقناعتي بأن دوراً ناشطاً منتظماً لطرف ثالث لا يمكن التخلي عنه". ورأى أيضاً أن"تحدي"إيجاد مقاربة اقليمية شاملة للصراع يجب التعامل معه، لأننا في نهاية المطاف نتعامل مع الصراع العربي الاسرائيلي وليس مع صراع بين الاسرائيليين والفلسطينييين وحدهم. وقال:"أرغب في تذكير سورية بأن عليها انتهاج سياسات تظهر التزامها السلام والاستقرار في المنطقة، وخصوصاً مع جيرانها المباشرين. كما أذكر اسرائيل بأن سلاماً شاملاً اقليمياً لا يمكن التوصل اليه من دون عودة هضبة الجولان الى سورية". وشدد على أهمية العمل عقد مؤتمر دولي على أساس مؤتمر مدريد عام 1991، لمعالجة الأبعاد الاقليمية الكاملة للصراع. وأعرب اخيرا عن أسفه الشخصي لأن السلام في الشرق الأوسط لم يتحقق فيما يغادر منصبه، مشيراً في الوقت ذاته الى أن الحاجة الى عمل المجتمع الدولي مع الأطراف الرئيسية في هذا الصراع والتوصل الى تسوية للمشكلة الرئيسية في المنطقة"باتت ملحة أكثر اليوم مما كانت عليه قبل عشر سنوات". لبنان وفي ما يتعلق بالوضع في لبنان، اشار التقرير الى الدور المتزايد للامم المتحدة في هذا البلد خلال العامين الماضيين، ولا سيما في ترسيم وتحديد الخط الحدودي الازرق بين لبنان واسرائيل مع اشارته الى مشكلة مزارع شبعا التي قال ان حلها النهائي يتوقف على اتفاق معترف به دوليا لترسيم الحدود بين سورية ولبنان. واضاف ان الوضع على الحدود بعد الانسحاب الاسرائيلي في العام الفين شهد خروقات متعددة كان آخرها في تموز يوليو الماضي عندما خطف جنديان اسرائيليان لا يزالان في الاسر ويعتبر اطلاقهما اساسيا، وتسبب في اندلاع نزاع واسع وغزو بري اسرائيلي لجنوبلبنان وقصف على اجزاء واسعة من هذا البلد، وفي قصف صاروخي من جانب"حزب الله"على المراكز السكنية في شمال اسرائيل. وقال ان بين مصادر التوتر في لبنان التقارير عن امدادات الاسلحة الى"حزب الله"والانتهاكات الاسرائيلية المستمرة لاجواء لبنان في خرق للقرارين 1559 و 1701. واشار الى ان الكثيرين في لبنان رأوا في التمديد للرئيس اميل لحود بداية للانقسام السياسي بين معارضي الدور السوري في لبنان وبين الموالين لسورية. وتحدث عن القرار"التاريخي"لنشر الجيش اللبناني على الحدود الجنوبية مع اسرائيل الى جانب القوة الدولية المعززة لمساعدته في جعل جنوبلبنان منطقة خالية من المسلحين والاسلحة باستثناء تلك العائدة الى حكومة لبنان، لكنه اشار الى محدودية دور القوات الدولية وشدد على اهمية ايجاد المناخ السياسي الملائم الذي يجعل عمليها اكثر فاعلية. واعرب عن قلقه من الازمة السياسية الراهنة في لبنان، وقال انها تؤكد الحاجة الى استمرار جهود مساعدة هذا البلد الذي لا يزال رهينة تاريخه الصعب، وعدم اكتمال تحوله السياسي بعد انجاز اتفاق الطائف في 1989. وقال ان اللبنانيين انفسهم يتحملون الان اكثر من اي وقت مضى المسؤولية عن عدم انزلاق بلدهم الى توتر اعمق وان يجدوا الطريق الى توافق وطني على المسائل الرئيسية، واكد على الحاجة الى مواصلة الحوار الوطني في اطار المؤسسات القائمة من اجل ايجاد آلية لنزع سلاح"حزب الله". واكد التقرير مسؤولية الاطراف الخارجيين، وخصوصا في المنطقة، في لعب دور ايجابي لتأمين استقرار لبنان واستقلاله وسيادة ووحدة اراضيه، وخص بالذكر سورية وايران اللتين لهما تأثير واسع على اطراف لبنانيين. وقال ان لسورية دور في تمكين لبنان من ممارسة سيادة كاملة على اراضيه عبر موافقتها على ترسيم الحدود المشتركة وتنفيذ وعدها الشفهي باقامة علاقات ديبلوماسية معه، محذرا من ان عودة لبنان الى ايام الاقتتال السوداء في السبعينات والثمانينات ستؤدي الى زعزعة الاستقرار في المنطقة كلها. هضبة الجولان واعرب انان عن خيبة أمله من عدم حصول اي تقدم خلال ولايته بشان اعادة اسرائيل هضبة الجولان المحتلة في مقابل سلام مع سورية، لكنه قال ان هذا يجب ان لا يثني المجموعة الدولية عن السعي الى حل هذه المشكلة، ولان التقاعس عن ذلك بسبب هدوء الوضع على الارض يرسل اشارة خاطئة تماما. ودعا الى معاودة المفاوضات بين اسرائيل وسورية على اساس القرارين 242 و 338 ومبدأ الارض مقابل السلام معتبرا انه لن يكون هناك سلام شامل في المنطقة من دون ايجاد تسوية بين هذين البلدين.