ثمة لازمة للمفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية لا تكاد تتغير، فعندما تتعثر هذه المفاوضات، تتسرب الى الصحف انباء عن مفاوضات وشيكة بين سورية واسرائيل وتتهم مصر بتعطيل الاتفاق مع الفلسطينيين، كما حدث هذا الاسبوع لمجرد ان ابو عمار كان في القاهرة عندما رفض آخر عرض اسرائيلي. الواقع ان الحكومات الاسرائيلية كافة، منذ 1967 وحتى 1996، تصرفت على اساس ان الاحتفاظ بهضبة الجولان من دون السلام افضل من السلام من دون الجولان. والجدل حول ما تحقق في المفاوضات السورية - الاسرائيلية بين 1994 و1996 لا يزال قائماً، فالرئيس الاسد يعتقد انه كان بالامكان الوصول الى اتفاق مع حكومة شيمون بيريز، وان اتفاقاً مع حكومة قادمة للعمل يرأسها ايهود باراك ممكن ايضاً. ووراء هذا التفكير اعتقاد السوريين انهم توصلوا خلال المفاوضات الى اتفاق على انسحاب كامل من الجولان. غير ان هذه النقطة موضع تجاذب مستمر بين العمل وليكود، ويقول ايتمار رابينوفيتش، السفير الاسرائيلي السابق في واشنطن وكبير المفاوضين مع السوريين، ان موضوع الانسحاب الكامل "كان موضع بحث افتراضي، ولكن لم يقدم اي التزام من اسرائيل او اتفاق". مع ذلك يبدو ان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو يتفق مع الموقف السوري في مرة نادرة، فهو قال في لحظة غضب خلال مناقشة داخل الكنيست مخاطباً باراك وأعضاء العمل "انتم وعدتم الكنيست والشعب الا يكون هناك التزام لسورية بالانسحاب من الجولان. هذا كذب، فقد التزمتم سراً الى سورية بالانسحاب من الجولان". اليوم، الموقف السوري من استئناف المفاوضات معلن وواضح، وهو ان هذه المفاوضات يجب ان تستأنف من نقطة توقفها مع حزب العمل، لأنه اذا كان الوصول الى تلك النقطة مع العمل اقتضى جهد ثلاث سنوات، فانه مع ليكود سيحتاج الى 50 سنة. اما الموقف الاسرائيلي المقابل فهو استئناف المفاوضات من نقطة الصفر. وموقف ليكود المعلن هذا سيئ بذاته، الا ان الموقف الحقيقي اسوأ كثيراً، فحكومة نتانياهو لن تنسحب من الجولان، وهي تريد المفاوضات من اجل المفاوضات، لا من اجل السلام، اذ يكفيها ان تعطي انطباعاً بأنها سائرة في طريق حل، مع اصرار سري على عدم الوصول الى نهاية الطريق، وكل اجراء لها في الجولان يؤكد نية عدم الانسحاب اليوم او غداً. ومن الواضح ان لا سلام مع سورية يعني لا سلام في الشرق الأوسط، واسرائيل تعرف هذا وتريده، فأول نتائج السلام الشامل في المنطقة خفض الميزانية الدفاعية الى النصف في بلد كل مواطن ومواطنة فيه عسكري عامل او سابق. في الثمانينات، كانت ميزانية الدفاع تعادل 30 في المئة من الميزانية العامة في اسرائيل، وهذه عانت عجزاً مستمراً دفعه الاميركيون سنة بعد سنة لضمان التفوق العسكري الاسرائيلي في المنطقة. غير ان السلام مع سورية سيعني خفض حاجة اسرائيل الى هذا المعدل من الانفاق الدفاعي لأنه ستقوم في الجولان قوات عازلة بين الطرفين، وسيتراجع اي خطر عسكري فعلي على اسرائيل. غير ان نتانياهو يفضل، بعقلية الهيمنة والتوسع فيه، والعقلية العسكرية في المؤسسة السياسية الاسرائيلية، ان يحتفظ بالجولان من دون سلام على ان يحقق السلام من دون الجولان، وأي حديث غير هذا حديث خرافة. والنتيجة اننا سمعنا اخيراً وزير الدفاع اسحق موردخاي يقول: "ان عمق الانسحاب من الجولان سيوازي عمق الأمن الذي تحصل عليه اسرائيل". والأمن هذا اختراع سجله نتانياهو باسمه، فهو ليس كمية معروفة كالأرض المحتلة، وانما كمية مطاطة تزيد او تنقص حسب حاجات اسرائيل. والأمن المزعوم هو الذي يعطل المفاوضات مع الفلسطينيين، حسب الطلب، وهو ما سيعطل اي مفاوضات مع سورية، او يجهضها قبل بدئها. ان الحديث اليوم عن استئناف المفاوضات مع سورية ولبنان حديث مكرر مرتبط بتعثر المفاوضات مع الفلسطينيين، لا بأي رغبة اسرائيلية حقيقية في الوصول الى اتفاق مع سورية، هو الطريق الوحيد للحل الشامل. ولكن اذا لم يستطع الاسرائيليون الاتفاق مع السيد ياسر عرفات، فهل يمكن ان يتفقوا مع الرئيس الأسد؟ الجواب عن هذا السؤال يكشف مدى عبث الضجة الوهمية القائمة عن المفاوضات مع السوريين