قتل مسلحون فلسطينيون ثلاثة أطفال وسائق سيارة كانوا يستقلونها صباح امس في غزة في جريمة لاقت ادانة واسعة، اذ وصفها الرئيس محمود عباس بأنها "جريمة بشعة"، مطالباً وزير الداخلية سعيد صيام بالعمل على كشف الجناة وتقديمهم الى العدالة. كما دانها رئيس الحكومة اسماعيل هنية ورئيس المجلس التشريعي بالنيابة احمد بحر والحكومة الفلسطينية التي كلفت وزير الداخلية العمل بكل جهده لاعتقال الجناة. وقالت مصادر محلية وحقوقية ل"الحياة"ان مسلحين كانوا يستقلون سيارتين او ثلاث سيارات مدنية اعترضوا الطريق التي كان يسلكها السائق محمود الهبيل 25 عاما وبرفقته ثلاثة من أطفال المقدم في المخابرات العامة الفلسطينية بهاء بعلوشة، واطلقوا نحو 60 رصاصة اخترقت زجاج السيارة وجسمها فأودت بحياة الاربعة، علماً ان والدهم لم يكن في السيارة المغطى زجاجها الجانبي بورق معتم بيرسول. ويتضح من الجريمة التي لاقت استنكاراً شديداً من كل الفعاليات الفلسطينية ان الأب هو المستهدف لأسباب ما تزال مجهولة. وقال شهود ان بعلوشة كان ينظر من شرفة شقته عندما اطلق مسلحون النار على السيارة على بعد عشرات الامتار من منزله، مضيفين انه اطلق النار في اتجاه المهاجمين قبل أن يلوذوا بالفرار بسرعة من المكان من دون معرفة هويتهم. والاطفال الثلاثة الذين قتلوا هم: أسامة 10 أعوام، أحمد 6 أعوام، وسلام 3 أعوام، في حين اصيب خمسة اطفال من المارة بجروح مختلفة في وقت كانت تعج فيه شوارع المدينة بالاطفال والفتية المتوجهين الى مدارسهم باكراً. وشيع نحو عشرة آلاف مواطن الاطفال الثلاثة الى مثواهم الاخير في جنازة مهيبة، وغلب الغضب على المشاركين فيها، فأطلق عشرات منهم النار في اتجاه مقر المجلس التشريعي الذي مروا قربه. وجاءت هذه الجريمة لتصب الزيت على نار الفتنة الداخلية وتوتير الساحة الفلسطينية، وتزيد من الصعوبات التي تواجه الاطراف جميعاً. وبدا الجو مشحوناً ضد حركة"حماس"والحكومة والمجلس التشريعي، في حين رجح البعض أن يكون عملاء ومتعاونون مع اسرائيل وراء محاولة الاغتيال. وعزت مصادر هذا الترجيح الى كون بعلوشة احد ناشطي"صقور فتح"، الجناح العسكري لحركة"فتح"ابان الانتفاضة الاولى الكبرى 87-93. واضافت ان بعلوشة قتل عدداً من العملاء والمتعاونين مع اجهزة الامن الاسرائيلية في الانتفاضة الاولى اثناء مطاردته من هذه الاجهزة، وغادر القطاع هربا الى مصر، وعاد مع السلطة الفلسطينية بعد قيامها العام 1994. واشارت مصادر من العائلة انه تعرض الى محاولتي اغتيال سابقتين، مرة عندما اطلق مسلحون النار على سيارته، واخرى عندما اطلقوا النار على منزله، لكنه نجا في المرات الثلاث، وراح اطفاله الثلاثة ضحية المحاولة الاخيرة. ونددت الفعاليات والاطر الفلسطينية بالجريمة البشعة، وفي مقدمها الرئاسة والاحزاب والقوى السياسية. وقال الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة ان هذه الجريمة تهدف الى"توتير الاجواء في هذه المرحلة الحساسة"، مطالبا الجهات المختصة ب"كشفهم وتقديمهم للمحاكمة". بدوره، اعتبر رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الدكتور صائب عريقات ان ما حدث"تطور خطير"، وطالب"بالكف عن استخدام الرصاص في حل المشاكل الداخلية". اما النائب عن حركة"فتح"محمد دحلان فوصف الجريمة بأنها"مذبحة بشعة تشبه الى حد كبير ما يحدث في الجزائر، ولم ينفذها الاحتلال من قبل". وفي ما بدا اتهامات مبطنة ل"حماس"، قال دحلان ان"الذين قتلوا الشهيد جاد التايه الضابط في المخابرات العامة تم تهريبهم الى مصر، والذين قتلوا العقيد محمد الموسة من الاستخبارات العسكرية الفلسطينية هربوا الى المعبر، والذين حاولوا اغتيال ابو علي شاهين القيادي في فتح لم يتم التعرف عليهم". وتوعد بأن"الرد على تلك الجرائم سيكون غير مسبوق". وقال الناطق باسم وزارة الداخلية والامن الوطني خالد أبو هلال ان"وزير الداخلية اصدر تعليمات واضحة لكل الاجهزة الامنية، بما فيها القوة التنفيذية، للوصول الى نتائج سريعة تكشف هوية مرتكبي هذه الجريمة". واعتبرت"حماس"ان"مسلسل الجرائم الدامية يهدف الى ارباك الساحة الداخلية". وقال الناطق باسمها فوزي برهوم ان"من المحال ان يكون منفذو الجريمة من ابناء شعبنا". ورأت"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"ان"قتل الاطفال بدم بارد من مجموعة مارقة ومستهترة هو نتاج واضح لحال الفوضى"، داعية الى"التحرك الجدي والمسؤول لكشف المجرمين"، اضافة الى"عودة مؤسستي الرئاسة والحكومة الى طاولة الحوار الوطني الشامل... والبدء فوراً في تشكيل حكومة وحدة كمخرج من حال التجاذب والاستقطاب في الساحة الفلسطينية". وقال ناطق باسم"الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين"ان"هذه الجريمة الجبانة تخدم بالدرجة الاولى الاحتلال الاسرائيلي، وتصب في صالح حال الانفلات الامني". كما وصفت حركة"الجهاد الاسلامي"المنفذين بأنهم"عملاء متواطئون مع الاحتلال الاسرائيلي". وقال القيادي في الحركة خالد البطش ان"هذه الجرائم ينفذها اصحاب مصالح شخصية متواطئون مع الاحتلال، ويريدون ان يحولوا المعركة الى معركة داخلية"، مضيفاً ان"هذا السلاح المنفلت يساعد الاحتلال". إلى ذلك، طالب النائب من حركة"فتح"عبد الحميد العيلة زملاءه النواب بالاستقالة لفشلهم الذريع في حماية الشعب الفلسطيني من الانفلات الامني. كما طالب نائب آخر من"فتح"علاء ياغي بعقد"جلسة طارئة للمجلس التشريعي لمناقشة تداعيات الفوضى"، داعيا الى مساءلة وزير الداخلية.