انعكست الحروب التي شهدها العراق، في شكل مباشر، على حياة المرأة العراقية. وتعدّد العراقيات مراحل حياتهن، استناداً إلى الحروب التي مرّت بها بالبلاد وألقت بظلال نتائجها على حياتهن الاجتماعية والأسرية. ثلاث مراحل، تحدّدها ثلاثة حروب رئيسية مرّ بها العراق، من الحرب العراقية - الإيرانية عام 1980 والتي استمرّت 8 سنوات، مروراً بحرب الخليج عام 1991 والحصار الذي أفرزته وانعكاساته على مناحي الحياة كافة، وصولاً إلى الحرب وسقوط نظام صدام عام 2003 وما تلاه من فلتان أمني واقتتال طائفي وأعمال عنف لا تزال مستمرّة في تصاعد. أحداث أفضت إلى واقع اجتماعي مرير خيّم على حياة العراقيين عامة والعراقيات خصوصاً. أم ريم، والدة لأربع بنات، اثنتان منهن عازبتان، تقول:"في الحرب مع إيران سقط الشبان العراقيون بين قتلى وأسرى، وبقيت بناتنا بلا زواج". وتعقّب ابنتها 34 سنة:"لم يتقدم لخطبتي أحد. فجميع أبناء جيلي من الذكور ذهبوا ضحية الحرب، ومَن نجا منهم غادر البلد إلى غير رجعة". وتعتبر فترة الثمانينات، من الفترات الصعبة التي مرّت بها المرأة العراقية، ومع تفوّق نسبة الإناث على نسبة الذكور، ارتفعت نسبة العنوسة في البلاد، ما دفع الحكومة آنذاك، إلى تشجيع الإنجاب في محاولة لتحقيق التوازن في مواجهة المشكلة. وتضيف أم ريم:"لم نكد نلتقط أنفاسنا ونستبشر خيراً، حتى بدأت حرب الكويت، وانتهت بحصار قضى على أي أمل جميل في الحياة". وأفضى الحصار إلى زيادة معدلات التضخم والبطالة وتدني مستوى الرواتب الوظيفية وركود القطاع الخاص مع انعدام الاستثمار الأجنبي... عوامل ساهمت في تحوّل الشبان إلى الهجرة للخارج بحثاً عن فرص عمل، وأفاق جديدة لحياة أفضل. ويلفت المحامي نبيل العبيدي، إلى أن فترة التسعينات شهدت زيادة في معدلات الطلاق بسبب تردّي الوضع الاقتصادي، إلى جانب انخفاض في نسبة الإقبال على الزواج. وتشير منى مطلّقة وأم لشاب:"مني زوجي السابق بخسارة فادحة، أدت إلى تعطيله عن العمل في التجارة. وفقد أي دخل ثابت، وانعكس ذلك على حياتنا، التي تحوّلت إلى مشكلات يومية انتهت بانفصالنا". مرحلة جديدة، دخلتها المرأة العراقية، في 2003، وتحديداً بعد سقوط نظام صدّام، ودخول القوات الأميركية إلى البلاد، والاختلاف الحاصل على وصمها بالاحتلال أم لا. مرحلة تطبعها أعمال الإرهاب والعنف الطائفي والصراع العشائري، ما أدى إلى تفاقم نسبة القتلى من الذكور. وتشير وزارة الصحة العراقية إلى أن عدد القتلى وصل إلى اكثر من مئة قتيل في اليوم الواحد، أي حوالى ضعف عدد النساء القتلى، في موجة العنف المستمرة التي تطغى على شوارع العراق. وغالباً ما يترك موت المعيل للأسرة زوجة بلا عمل وأطفالاً. ما يزيد في حجم معاناة الأسرة العراقية، وتلفت أم يوسف إلى أن"الراتب الذي تقدمه وزارة العمل والشؤون الاجتماعية دائرة الرعاية لا يسد متطلبات أطفالي. وأنا عاطلة من العمل". وتضيف:"الحلّ الأمثل لمشكلتي، أن أتزوّج مرّة ثانية". حلّ لا تلبث أم يوسف أن تبعده عن تفكيرها، خوفاً من المحيطين بها:"سيعتبرون الأمر خيانة لزوجي المتوفي. لا أحد سيقدّر حاجتي لمثل هذه الخطوة التي يمكنها أن تساعدني برفع الكثير من أعباء الحياة عن كاهلي". من جهة ثانية، تفضي الأوضاع المتدهورة بالفتاة العراقية إلى الزواج من رجل يكبرها بسنوات، إذا كان غنياً أو يعيش خارج العراق. وغالباً ما تفضّل العراقية أن تتحوّل زوجة ثانية أو ثالثة على البقاء أرملة. وتقول نور:"فقدت زوجي، ولم يمضِ على زواجنا 5 أشهر". وتضيف:"على رغم أنه توفي منذ أسبوعين فقط، إلاّ أن أهلي بدأوا محاولات لإقناعي بالزواج من أحد أقاربي المتزوجين، وأنا لا أزال مترددة". ويمكن تصنيف واقع المرأة العراقية بالسيئ. وتؤكد الاختصاصية في علم النفس باسمة محمد، أن لا بدّ من إجراء مسح حقيقي ودراسة لواقع المرأة العراقية في شكل عام، والأرامل في شكل خاص. وتلفت الى ضرورة وضع حلّ، في الدرجة الأولى، للأزمة الأمنية التي يعيشها العراق. وتدقّ ناقوس الخطر قائلة:"إن ترك الأمر، على هذه الحال، سيحوّل العراق إلى بلد الأرامل والأيتام".