يجد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش نفسه، بعد هزيمته في الانتخابات النصفية، مضطراً الى تفحص العواقب الوخيمة للحرب العراقية على نحو جديد. فهو إذا عمد الى زيادة عدد القوات لمؤازرة جنوده ال 152 ألفاً في مكافحة العمليات وكبح الاقتتال الطائفي، استرخت الحكومة العراقية، واطمأنت الى مساندة الولاياتالمتحدة إياها في حربها على الجماعات المسلحة. وسبق أن طلب جمهوريون نافذون، منهم"الشيخ"جون مكاين ارسال 20 ألف جندي مؤازرة عسكرية اضافية. وقد تترتب على هذا الإجراء فائدة تكتيكية، ولكنه يؤدي الى عقد تفوق الحلول. فالعراقيون يحملون القوات الأميركية على قوة احتلال. ولن يحظى الإجراء بتأييد داخلي. فتكلفة الحرب البشرية المرتفعة - نحو 3000 قتيل - تبعث في أذهان الأميركيين صورة المستنقع الفيتنامي. ولا شك في أن ارسال جنود أميركيين الى العراق، الى الذين يقاتلون، غداة الانتخابات الأخيرة، قرار طائش. وقد يوافق بوش عليه. ولكن الأرجح أن يعارضه الديموقراطيون ومعهم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. والاسراع في ترك العراق، على غفلة من المجموعات المسلحة، مع التعديل على بقاء قوات الأمن العراقية في أمرة حكومة بغداد، قد يقلل الخسائر العسكرية، ويمنح الادارة الأميركية والحكومة البريطانية متنفساً قبل الانتخابات الآتية. وهذا الاحتمال قد يؤدي الى إضعاف صدقية الجماعات المسلحة التي تحظى حربها في سبيل اجلاء الجيش المحتل بشعبية واسعة. ولكن الجماعات نفسها قد يحملها زهوها بالنصر على مضاعفة هجماتها على الحكومة. وتؤدي هذه الهجمات، لا محالة، الى حرب أهلية، والى تقسيم العراق. ويخلف الانسحاب تحت هذه الظروف، شعوراً أميركياً بالخسارة، وأثراً سيئاً في الرأي العام الذي لن يعدم السؤال عما حدا التحالف، في قيادة الولاياتالمتحدة، الى ترك العراقيين الى مصير تاعس ومدمر. ويجمع السياسيون من مختلف المشارب على أن هذا الخيار ليس جدياً، على رغم حظوته بتأييد المقترعين. وقد تلجأ الإدارة الى خطة انسحاب متدرج ومنظم يطول 18 شهراً. فتخرج القوات حال انتهاء خدمتها، تباعاً. والجلاء المنظم هذا، يجيز لبوش وبلير القول ان قواتهما تنسحب"بعد إنجاز المهمة". ويبقى جنود تقتصر مهمتهم على حرب الجماعات المسلحة. وقد يرضي إجراء مثل هذا البلدان المجاورة مثل ايران وسورية. ولكن الجماعات المسلحة قد تزيد هجماتها اذا سبق الإعلان عن برنامج انسحاب. والمهمات التي ربط بوش وبلير عملية الانسحاب بانجازها، وأولها تدريب قوات الأمن العراقية، لا تزال بعيدة من المتناول. وقد يحظى الاحتمال هذا بقبول الأطراف كلها، ويقتصر الخلاف على الجدول الزمني. وقرار إبقاء قوات عسكرية بالعراق على نحو دائم، مهما بلغت الأكلاف البشرية والمالية، وندبها الى قتال جماعات مسلحة يتعاظم عددها، ولا تنفك فاعليتها تشتد، قد يحمل على تدبير استراتيجيي غايته لحماية آبار النفط. وهو يطمئن القلقين من تزايد نفوذ الحكومة الإيرانية المجاورة. وقد يخيف المجموعات المسلحة في العراق. ولكنه قرار بعيد الاحتمال. فالحكومة العراقية، إذ ذاك، لن تقنع أحداً بأنها ليست دمية بيدي بوش وبلير. وقد تنزلق القوات الأميركية والبريطانية الى مستنقع، الخروج منه غير مضمون، بينما الأحرى بالادارة الاستفادة منها في مناطق أخرى. وقد تعود الجماعات المسلحة الى استهداف القواعد الأميركية، وتقديمها على غيرها. فلا يسع بوش، ولا الديموقراطيين، قبول سياسة تأخذ الانتخابات الرئاسية الأميركية رهينة وأسيرة. عن آن بنكيه، "إنديبندنت" البريطانية ، 11 / 11 / 2006