ثمة ثلاث روايات لكل خبر عن العراق: الرواية الأميركية، والرواية البريطانية، والحقيقة. وبعد سنة على الحرب الأميركية - البريطانية على العراق يمكن القول بثقة ان الحرب كانت غير شرعية، فكل سبب لخوضها ثبت الآن انه كاذب أو خاطئ. وفي حين أن أسلحة الدمار الشامل لم توجد، وتهديد العراق التالي لم يقم يوماً، فإن هانز بليكس، كبير مفتشي الأممالمتحدة عن الأسلحة الممنوعة في العراق، دمر مع ما سبق الحجج القانونية لشن الحرب في كتاب له بعنوان "تجريد العراق من السلاح" ومقابلات عدة. باختصار، يقول بليكس ان فتوى المدعي العام البريطاني اللورد غولدسميث قبل ثلاثة أيام من الحرب ان القرار 1441 يفوض شنها لأن العراق خالف قرارات سابقة للأمم المتحدة منذ سنة 1991 هي تبرير قانوني باطل لأن "ملكية" قرارات مجلس الأمن منذ 1991 تعود الى الدول الأعضاء الخمس عشرة في المجلس وليس الى الولاياتالمتحدة أو بريطانيا في شكل مفرد. وبالتالي فقد كانت هناك حاجة الى قرار جديد من مجلس الأمن يفوض لشن الحرب، وهو ما تجاوزه جورج بوش وتوني بلير لادراكهما ان المجلس سيحجب موافقته. أما ديفيد كاي، كبير المفتشين الأميركيين عن الأسلحة، فهو قال للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، وفي مقابلات صحافية عدة، انه لا توجد أسلحة دمار شامل، وان الاستخبارات الأميركية فقدت صدقيتها. وقد أرغم موقف كاي الحكومتين الأميركية والبريطانية على تشكيل لجنة في كل بلد للتحقيق في أخطاء الاستخبارات. الموضوع أبعد كثيراً من مجرد خطأ استخبارات، فالحكومتان الأميركية والبريطانية كانتا تريدان الحرب الى درجة ان تصدقا المؤتمر الوطني العراقي ورئيسه أحمد الجلبي، والعلماء الكاذبين الذين تحدثوا عن برامج أسلحة صدام حسين. ولعل عنوان مقال في "الغارديان" هذا الشهر يختزل الموضوع، وكان: هل تريد أن تبني حجة لحرب؟ تقدم الى الأمام يا مستر جلبي. لا أريد أن أعود الى أحمد الجلبي اليوم، فهو في العراق مع القوات الأميركية كما يريد، وقد أظهر استطلاع للرأي العام العراقي انه لا يحظى بأي تأييد بين أبناء الشعب. غير ان جهده باقٍ، وأمامي عنوان في "الغارديان" يقول "لقد خدعنا" يتهم فارين من العراق بإعطاء معلومات كاذبة، وبعض هؤلاء جاؤوا من طريق المؤتمر الوطني العراقي في قصة اصبحت معروفة. ما بني على الكذب لا يمكن أن ينتهي بخير، وإطاحة صدام انجاز هائل، ولكن العراق بعد صدام ليس تلك الديموقراطية التي وعدنا بها نموذجاً للشرق الأوسط كله. بل اننا حتى لو تجاوزنا الديموقراطية على الطريقة الأميركية، فإن الوضع الأمني في البلاد سيئ للغاية، وهناك كل يوم ضحايا من العراقيين وهجمات على الأميركيين وغيرهم. ونتجاوز الأمن كما تجاوزنا الديموقراطية ونجد أن الاقتصاد الذي انتعش بعد سقوط صدام مباشرة عاد فانتكس، وأنقل عن دراسات ميدانية وتحقيقات في الصحف الغربية تظهر زيادة الافلاسات وتراجع القوة الشرائية للمواطنين. ومع هذا كله أمامي تقرير عن أوضاع المستشفيات في العراق تقول كاتبته ان المستشفيات هناك بحاجة الى وضعها على آلة حفظ الحياة، والأطفال يموتون لنقص الأدوية والامدادات، وكان الأطفال يموتون في أيام صدام حسين، فما الحاجة الى حرب اذا كانوا سيظلون يموتون، وللأسباب نفسها؟ الأميركيون يدفعون الثمن مع العراقيين، وقد ضاق المجال فأختار ما يغني عن شرح: - القتلى من الجنود الأميركيين يزدادون في العراق مع استخدام تكتيك قنابل جديد. وقرأت ان هذا "التكتيك" يشمل وضع قنابل عدة الى جانب الطرق حيث تمر القوافل العسكرية الأميركية، مع قدرة على توقيت التفجيرات أو التفجير باللاسلكي. - خيم في الكويت تستخدم كمشرحة لجثث الجنود الأميركيين. والعنوان هذا لا يحتاج الى شرح. - زيادة اغتصاب المجندات الأميركيات في الخليج الفارسي وغيره. وأيضاً لا أحتاج أن أشرح. - انتحار في العراق. أسئلة في أميركا. وهذا الموضوع يتحدث عن انتحار 22 جندياً أميركياً في العراق السنة الماضية، وانتحار عدد آخر هذه السنة تحت ضغط الخدمة في بيئة معادية جداً. مثل هذا الوضع الكارثي في العراق للعراقيين وللمحتل لا يمكن أن يستمر من دون أن يدفع المسؤولون عنه الثمن. وقد دفع خوسيه ماريا اثنار رئاسة الوزارة ثمناً في اسبانيا مما زاد الضغط على جورج بوش وتوني بلير في بلديهما. أمامي عنوان يقول: "يجب على بوش وبلير الاعتراف بأنهما جعلانا أكثر عرضة للارهاب". وعنوان آخر يقول: "لا يمكن الاستمرار في تجاهل حماقة بلير في الحرب". وعنوان ثالث يصرّ على أن "المستر بلير مخطئ" بالنسبة الى قرار الحرب والثقة به. ولخصت اللفتنانت كولونيل كارين كوياتكوفسكي، وكانت مسؤولة استخبارات في سلاح الطيران الأميركي عشية الحرب، الموضوع بالقول: "لم تكن استخبارات وإنما بروباغاندا اختاروا بعض معلومات الاستخبارات التي تناسبهم وزينوها وجعلوها أكثر اثارة باخراجها من محتواها، وعادة ما وضعوا معلومتين جنباً الى جنب من دون أن تكونا من نوع واحد". ما بني على خطأ لا يمكن أن ينتهي بخير، وقد قامت الحرب على العراق على الكذب، إلا أن اسقاط صدام حسين انجاز كان يكفي لنسيان الأسباب الخاطئة. غير ان سنة مضت واستمر الكذب عن الحرب وكذلك الخطأ، والنتيجة ان الشعب العراقي يدفع الثمن كما يدفعه جنود الاحتلال. ويبقى ان يدفع الثمن جورج بوش وتوني بلير، كما دفعه خوسيه ماريا اثنار، وأهم من كل هؤلاء أن يدفع المحافظون الجدد الذين خططوا للحرب لأسباب اسرائيلية. وكنت بدأت أمس ببعض استطلاعات الرأي العام، وأنتهي اليوم باستطلاع لمركز بيو أظهر هبوط صدقية الولاياتالمتحدة حول العالم بسبب الحرب وذيولها، أي بسبب المحافظين الجدد إياهم.