رجال وذكورة يعود مارتن اميس في روايته الأخيرة"بيت اللقاءات"الصادرة عن دار فنتيج الى روسيا التي وقعت فيها احداث"كوبا الرهيب". يتناول شقيقين يقعان في حب يهودية جميلة ويحكم عليهما بالسجن مع الأشغال الشاقة. يروي أحدهما الأحداث التي تغطي أربعة عقود بعد الحرب العالمية الثانية وسط التغير الثقافي من الاستبداد الشيوعي الى حضارة التسامح الراهنة. تناول الكاتب الإنكليزي المأساة الجماعية، المحرقة، في"سهم الزمن"التي رشحت وحدها من اعماله لجائزة بوكر في 1991. تحدث فيها بصوت الجلاد، لكن كان عليه تبني صوت الضحية في"بيت اللقاءات"حيث يلتقي السجناء بزوجاتهم. وجد صعوبة في التماهي مع الضحية ونقل ألم السجين وهو يعيش في الأوروغواي حالاً بلا ضغوط مع ابنتيه وزوجته"الجميلات". أدرك انه كان عليه ان يعاني حقاً ككاتب وفكّر في الانتحار والتوقف عن الكتابة لشدة يأسه. على ان الرواية باردة عاطفياً كسائر روايات اميس، وفي الوقت الذي تنجح لغته في الإدهاش تبقى رواياته بعيدة من توريط القارئ عاطفياً. يفضل كثيرون مقالاته التي يسائل فيها مواضيع وحضارات معينة كپ"الجحيم الأبله"عن اميركا، وعندما ذكر ناقد انه كان عليه ان يقرأ"بيت اللقاءات"ثلاث مرات اعتبر اميس ذلك مديحاً. الفراغ الانفعالي في أدبه يقابله فوران شرس في مقالاته. زوجته الثانية ايزابيل فونسيكا ابنة نحات من الأوروغواي وسيدة مجتمع اميركية يهودية. يهمه جداً ان تكون طفلتاه منها"يهوديتين تماماً"وهو يحس بتضامن كبير معهما وسط"انفجار اللاسامية الكبير اليوم". يحمّل بريطانيا مسؤولية"محنة اسرائيل":"إنها لعبة سلطة لنصر الله ومسألة بقاء لإسرائيل ... انها غلطتنا لأننا وضعناهم هناك، وما كان يمكن ان يكونوا في مكان أسوأ. كان يجب ان يكونوا في بافاريا حيث كان يمكن ان يقذفوا بكوكتيل مولوتوف من حين الى آخر، ولكنهم ما كانوا ليحاطوا على الأقل بملايين الناس العطاش الى موتهم ... لا يستطيعون امتلاك بلد آخر، وطن آخر اليوم. وهذه الفكرة تثير القشعريرة لأن الشيء الوحيد الذي يُعجب الإسلاميين في الحداثة هو الأسلحة الحديثة. سيتحسن استخدامهم لها باطراد وهم يفوقوننا ديموغرافياً بمعدل هائل. هم ربع البشرية اليوم وفي 2025 سيصبحون ثلثها ... العامل الأساسي الوحيد الذي يعمل في مصلحتنا الى درجة سيقضي معها على نفسه بنفسه. نجحوا في تغيير النموذج، فالناس كانوا يموتون في السابق من اجل قضايا وأسباب دينية تافهة، اما ان يحولوها الى هذه الجنة الحسية المغرية التي يذهبون فوراً إليها بينما يتعفن الآخرون قروناً على الأرض الى ان توقظهم الملائكة الغاضبة بركلة وتستنطقهم حول خطاياهم! لا يفعل الانتحاري اياً من ذلك بل يذهب فوراً الى الخمر والنساء الناضجات". راجع اميس فيلم"يونايتد 93"عن الطائرة التي أُسقطت في هجمات 11 ايلول سبتمبر 2001 في مقال طويل عاطفي، وكتب في"ذا نيويوركر"قصة"آخر أيام محمد عطا"الذي يرى عينيه"مليئتين بالقتل... كأنه لم يعد يستطيع احتواءه ثانية واحدة أطول"."ما الذي نستطيع فعله لنرفع الثمن في وجههم؟". يقترح منع المسلمين من السفر وترحيلهم وتقليص حرياتهم وتفتيش من يبدون شرق أوسطيين وباكستانيين بالطلب منهم نزع ملابسهم."يجب التمييز ضدهم حتى تعاني جماعاتهم كلها وتتصرف بقسوة مع أطفالها. يكرهوننا لأننا نترك أولادنا يمارسون الجنس ويتعاطون المخدرات. حسناً. عليهم ان يمنعوا أولادهم من قتل الناس". في السابعة والخمسين اليوم ويعيش في الأوروغواي في فيلا على ارض لأهل زوجته الأثرياء الذين خصصوا لكل من أولادهم مسكناً مستقلاً عليها. لم يحقق إنجاز والده كنزلي الذي رشح لبوكر ثلاث مرات ونالها في 1986 عن"الشياطين العجائز". بعد وفاة الوالد خسر شقيقته، صغرى الأسرة، ثم روب أقدم اصدقائه فالكاتب الأميركي سول بيلو الذي كان رمزاً للأب لديه. بعد الاختفاء الطويل الغامض لقريبته لوسي اكتشفت الشرطة في التسعينات انها كانت احدى ضحايا قاتل متسلسل. وبعد نحو عقدين على علاقته بامرأة متزوجة اكتشف دليلة، ابنته منها، التي اعتنى بها الزوج حتى بعد كشفه أباها الحقيقي. يرى الكاتب القصير القامة الذكورة محور أدبه، ويقول انه تعرض لهجوم النسويات في إنكلترا دون غيرها. إعجابه القديم بالأدب الأميركي تداخل مع هويته الأوروبية الأكثر ميلاً الى الاعتدال. يبدو اليوم محافظاً جديداً اصيلاً يرفض معالجة اسباب التطرف ويرد بآخر مماثل. وربما نبع موقفه ايضاً من هاجس الذكورة القاسي الذي يلح ويمنح الطمأنينة في الوقت نفسه. عمر متقدم كان غريم غيبسون يكتب"خلل اخلاقي"في 1996 عندما قرر ان يتوقف عن كتابة الرواية. أخذت شريكته مارغريت أتوود العنوان وتبنته لمجموعتها الأخيرة الصادرة عن دار بلومزبري. الكاتبة الكندية تتجنب العاطفة كعادتها لكن لغتها تبقى متزنة مرحة وندية. تستعيد في القصص الإحدى عشرة زوايا الماضي الدافئة الرطبة وتبدأ بالثلاثينات التي ولدت فيها. تصور من دون ترتيب زمني نمو بطلتها وتقدمها في العمر وسط التغير الثقافي من أربعينات الكدح الى خمسينات البحبوحة التكنولوجية الى ستينات التساهل التربوي والجنسي الى الحاضر بهمومه الجامعة. النَفَس الذاتي واضح في متابعتها حياة طفلة في الحادية عشرة تحوك ملابس شقيقتها المرتقبة، وتستاء من كسل والدتها الوافرة النشاط عادة. تهجس الفتاة بفن الطبخ والتقديم الذي يرتبط بمنازل المدينة المرتبة وضيوفها وخدمها لا بالبيوت المتقشفة كبيتها في غابات كندا. في مراهقتها تدهن وجهها بمستحضر قبل الدراسة لاعتقادها بأنه ينشط سريان الدم الى دماغها. تلح عليها قصيدة تقول ان البقع تظهر دائماً في مؤخرات المثقفات فترصد التغيرات في جلدها كأنه شاشة حياتها. تقع في شرك الصورة الجاهزة عندما تتوقع الأسرة تكيفها مع ضربات الحياة بما فيها مرض شقيقتها النفسي. تضيء اتوود خوف المرأة ووحدتها وشوقها الى اطفال ستنجبهم متأخرة، واقترابها من العتمة مع دخول والدها خرف الشيخوخة ووالدتها ظلام البصر الذي تستعد له بتفحص الصور القديمة التي فقدت هي ايضاً الكثير من ملامحها. تبدأ اتوود بالنهايات ثم تتدحرج الذاكرة الى المساحة الأولى المفقودة. في اولى القصص يتحول ثنائي كندي عجوز الى آخر روماني في قرية تدعى غلانوم سبق ان زارها الكنديان في جولة سياحية."الأخبار سيئة"تدون خوف البشرية من الحرب والإرهاب من بدايتها حتى الآن، والعجز عن علاج العنف في لعبة يتداخل معها الواقع بالخيال. في قصة اخرى تسحر البطلة بجمال الشتاء لكنها ترفض ضمناً تصوير المشهد واعتماده بطاقة معايدة للميلاد. كان"جميلاً في الحقيقة ومشغولاً كثيراً في الفن". مشهد من وطن ملتبس مثلث الحب والحرب والسياسة يظهر مجدداً في رواية"ياسمينة خضرة"الأخيرة"الاعتداء"الصادرة بالإنكليزية عن دار وليم هاينمان، بريطانيا. تجنب محمد مولسهول، الضابط في الجيش الجزائري، استخدام اسمه الحقيقي على الكتب البوليسية التي ألفها لكي يلتف حول الرقابة العسكرية. استعار اسم زوجته واحتفظ به بعد تقاعده في العام 2000 واستقراره في فرنسا. روايته"سنونو كابول"رشحت لجائزة امباك وتناولت معاناة افغانستان من الجفاف والسوفيات وطالبان. وكانت السنونو لابسات البرقع"القطيع ... الذي أصدر انيناً عندما اقترب من الرجال". تبدأ"الهجوم"بالفوضى في قسم الإسعاف في مستشفى بعد هجوم انتحاري على مطعم للمأكولات السريعة في تل ابيب. يتولى الدكتور امين العناية بجرحى الانفجار الذي كان من ضحاياه اطفال يحتفلون بعيد ميلاد احدهم. يبصق احد مرضاه اليهود في وجهه وتفتشه الشرطة اربع مرات اثناء عودته الى البيت. لا اطفال له، وزوجته سهام ذهبت الى كفرقانا لزيارة جدتها. كيف قتلت إذاً في الانفجار وطابقت جروحها اصابات الانتحاريين لا الضحايا؟ كل ما بناه الطبيب المجتهد الناجح ينهار سريعاً. يحاول الغياب بالشرب لكنه يجد نفسه فجأة امام حياته التي ظنها مشت في خط تصاعدي مستقيم وهويته الملتبسة، يقتفي اثر سهام في رحلتها الأخيرة عله يجد مخرجاً من كابوسه، ويكتشف انه بات في لحظة واحدة عدواً لپ"أهله"اليهود الذين عاشت اسرته بينهم منذ 1948. وجه واحد يبلسم اصابته بين زملائه الأطباء ويحاول اخراجه من الهاوية. وحدها الدكتورة كيم يهودا تميز الفرد من النموذج في حين يجده الفريقان عدواً وخائناً. تضربه عناصر الاستخبارات وجيرانه والمقاتلون في الضفة الغربية، وتجلده المحاضرات في الوطنية من الأئمة ومشروع الانتحاريين. إذ يعود الى حياته لا يجد غير البطولة الصعبة امامه. دوره كإنسان وطبيب الحفاظ على"الحياة في مكان اختاره الموت مقراً لمناوراته".