في الأممالمتحدة ضحكت مع المندوبين وهوغو شافيز يقول إن جورج بوش هو الشيطان ويشم رائحة كبريت على المنصة، وأعجبت بجرأة محمود احمدي نجاد وهو يهاجم الإدارة الأميركية وإسرائيل في عقر دارهما، غير ان بين افضل ما سمعت كان خطابي الأمين العام كوفي أنان في الجمعية العامة ثم في مجلس الأمن، فقد تحدث أخيراً بشجاعة رجل ليس عنده ما يخسره طالما ان ولايته الثانية والأخيرة تنتهي مع نهاية السنة. هناك من يدافع عن أنان وأدائه بقوة، وهناك من يهاجمه، ولعل أفضل دليل على حنكة الأمين العام وديبلوماسيته ان بعض المهاجمين يتهمه بالخضوع لإرادة الولاياتالمتحدة، في حين ان بعضاً آخر، خصوصاً من المحافظين الجدد المتطرفين في الإدارة وحولها يهاجمه كخصم للإدارة لأنه يحاول ان يحافظ على استقلال المنظمة العالمية في وجه محاولات الهيمنة الأميركية. لم أفاجأ كثيراً بالدفاع عن أنان والهجوم عليه، كما ان خطابيه لم يكونا مفاجأة كاملة، فهو صرح بشيء مشابه لدى عودته من الشرق الأوسط اخيراً، وكأنه يمهد لخطابه في الجمعية العامة. الأمين العام قال"بصراحة، معظم القادة الذي حدثتهم شعروا بأن غزو العراق وذيوله كانت كارثة حقيقية أضرت باستقرار المنطقة... وقالوا إنه يجب ان تبقى الولاياتالمتحدة في العراق فهي خلقت المشكلة ولا يجوز ان تنسحب وتتنصل منها". ورد عليه الناطق الرئاسي جون سنو بقوله:"إذا نظرتم الى ما يحدث في المنطقة. هناك محاولات لإقامة ديموقراطية في لبنان. محاولة لإنشاء ديموقراطية في الأراضي الفلسطينية، هناك ديموقراطيتان تثبتان اقدامهما في افغانستانوالعراق، هذه تطورات ايجابية". لو كان جون سنو أقسم يميناً قانونية قبل ان يقول الكلام السابق لوجب سجنه بتهمة الإدلاء بيمين كاذبة، فهناك ديموقراطية في لبنان ترك الأميركيون اسرائيل تحاول تدميرها. والفلسطينيون انتخبوا بديموقرطية، وتواطأت اميركا مع اسرائيل لتدمير خيارهم الديموقراطي. اما افغانستان فهي مسرح حرب جديدة مع طالبان، ورئيسها حميد كارزاي لا يكاد يسيطر على نصف عاصمته. اما الوضع في العراق فهو أسوأ كثيراً مع المجازر اليومية التي لم تكن معروفة قبل ان يغزو الأميركيون العراق لأسباب ثبت كذبها بالكامل. كوفي أنان استفاد من درس سلفه الدكتور بطرس بطرس غالي، فهذا قاوم المحاولات الأميركية للسيطرة على الأممالمتحدة وجعلها أداة لخدمة أغراض السياسة الأميركية، ودفع الثمن بعدم التجديد له اميناً عاماً. وقد ساير انان الأميركيين ما استطاع، إلا انه حاول في الوقت نفسه ان يحد من النفوذ الأميركي. غير ان هناك اموراً لم يستطع"الديبلوماسي العالمي الأول"ان يتجاهلها، أو لم يحاول، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي خلف لجنة حقوق الإنسان مثل جيد على الصعوبات. وكانت الولاياتالمتحدة عارضت اللجنة سنوات وقاطعتها، والسبب الأهم، وربما الحقيقي الوحيد، هو ان أعضاء اللجنة دانوا باستمرار جرائم اسرائيل. وخلف المجلس اللجنة في الربيع، وهو مؤلف من 47 دولة، ما كادت تجتمع في تموز وآب يوليو وأغسطس الماضيين حتى دانت جرائم اسرائيل ضد الفلسطينيين وفي لبنان، ووجد الأميركيون انهم امام الوضع السابق نفسه، فالعالم لا يسكت على جرائم اسرائيل ضد الإنسانية، والولاياتالمتحدة تحمّل الأمين العام المسؤولية. وهو تعرّض لانتقاد شديد مماثل الشهر الماضي بعد ان عاد البروفسور مانغريد نواك، المحقق الدولي في التعذيب الذي أرسلته الأممالمتحدة الى العراق، ليقول ان التعذيب هناك خرج عن نطاق السيطرة، وإن الوضع اصبح أسوأ مما كان في أحلك ايام صدام حسين. وردّت وزارة الخارجية الأميركية بالنفي، مع ان كلام المحقق صحيح كلياً. على رغم تحامل الإدارة وعصابة الاعتذاريين الإسرائيليين، فإن الأممالمتحدة ليست منزهة عن الخطأ او نزيهة، وكانت هناك فضيحة كبرى في موضوع النفط في مقابل الغذاء، وحصلت سرقات كانت معروفة قبل احتلال العراق سمعت ادق التفاصيل من مسعود بارزاني وجلال طالباني في حينها وسجلتها في هذه الزاوية، إلا ان عصابة الشر لم تستخدمها حتى احتل العراق وتحول الى ميدان سرقة وفساد مع وجود تقارير رسمية اميركية، من الحكومة والكونغرس، تسجل ضياع عشرات بلايين الدولارات من الأموال الأميركية المخصصة لإعادة التعمير، ومن اموال العراق نفسه. وعندما أزكمت فضائح الاحتلال الأنوف، رد أركان الإدارة والمحافظون الجدد بتحويل التهمة الى الأممالمتحدة، أو تركيز الأنظار عليها مع ان برنامج النفط في مقابل الغذاء لا يقاس شيئاً بالمقارنة مع فساد الاحتلال. ونحن بالتأكيد ندين الفسادَيْن. قرأت ان الأمين العام للأمم المتحدة"بابا علماني"، وأنان نجح في عشر سنوات من ولايتيه في جعل الأممالمتحدة محور النشاط السياسي العالمي في مواجهة المشاكل. غير انه يقاوم والإدارة الأميركية مصممة على جعل المنظمة العالمية اداة في يدها، الى درجة إرسال سفير لها هو جون بولتون الذي عارض باستمرار الالتزام بالمواثيق الدولية، وسعى الى تخريب الأممالمتحدة، فهو يمثل اسرائيل قبل الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة، وعلاقاته باليمين الإسرائيلي معلنة. سمعت في الأشهر الأخيرة ان بيل كلينتون، او توني بلير، مرشح لمنصب الأمين العام. غير ان هذا لن يكون من دولة دائمة العضوية، في مجلس الأمن الدولي. والآن تبين ان وزير خارجية كوريا الجنوبية بان كي - مون هو أفضل المرشحين حظاً في خلافة أنان، وبلده يكاد يقدم رُشىً على شكل مساعدات حول العالم، خصوصاً في افريقيا، حيث موّل عقد قمة الاتحاد الافريقي في غامبيا قبل شهرين. وكان هناك ايضاً سبعة مرشحين، بينهم الأمير زيد بن رعد، سفير الأردن لدى الأممالمتحدة، وهو صديق لعب دوراً في تأسيس محكمة جرائم الحرب الدولية، وشهرته انه خلوق بقدر ما هو قدير ومؤهل وكنت أرجو ان يكون"فلتة الشوط".