اذا كان "الاسلاموفاشزم" ليس تهمة كافية، فهناك النازيون العرب. كنت اقترحت رداً على ترويج عصابة المحافظين الجدد عبارة الاسلاميين الفاشست أن نقول"الصهيونيون النازيون"، ونحتّ منها كلمة"صهيونازي"، وعندي عن الموضوع عشرات الرسائل من القراء، ولا بد من أن أعود الى بعضها في المستقبل القريب. تهمة النازية بعد الفاشية جاءت من طرق أخرى، فالجدل ثار بعدما قارن وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بين الذين يعارضون الحرب على الارهاب الآن بالذين قللوا من خطر النازية والفاشية سنة 1939. ورامسفيلد حتماً ليس مؤرخاً أو طالب تاريخ، وقد سخر منه معلقون كثيرون قالوا انه يساوي بين آلة الحرب الالمانية الهائلة وعصابات ارهابية متفرقة من نوع القاعدة التي يعيش قادتها في الكهوف. عصابة اسرائيل تكمل من حيث توقف الوزير الأميركي ومعارضوه. ففي اسرائيل حكومة نازية تقتل النساء والأطفال وتحوّل قطاع غزة الى معسكر اعتقال نازي، وتمارس عقوبات نازية جماعية، لذلك يرد أنصار اسرائيل، أي الشركاء في الجريمة اليومية، بنقل التهمة الى ضحاياها، وبنبش تاريخ قديم، كما فعل رامسفيلد، وهو تاريخ مزوّر كالتاريخ الذي توكأ عليه الوزير الأميركي. في الصيف تلقيت رداً على اتهامي اسرائيل بارتكاب جرائم نازية رسالة من القارئ ستيفن بوتمبا، كانت في صفحتين طويلتين كاملتين، وبالانكليزية. وفي آخرها أن الكاتبين هما بول لونغرير وريموند ماكنيمار. ووجدت من الانترنت انهما متخصصان في الموضوع، وموقع غوغل يضم 867 خبراً عن الأول و18 ألفاً عن الثاني، أكثرها مقالات عن"النازيين"العرب. طبعاً هناك ألف موضوع مقابل عن تعاون الصهيونيين مع النازيين، مثل مناحيم بيغن وحركة بيتار، ومثل التضحية الصهيونية بيهود هنغاريا، الا أن المجال هنا يضيق عنها. الكاتبان يتحدثان عن الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس الراحل، وذهابه الى المانيا وعلاقاته مع هتلر. القارئ والكاتبان لا يعرفون الحاج أمين، ولم يحدّثوه أو يروه، إلا أنني فعلت، فقد رأيته في المنتزه قرب بيروت، ومع ابنه صلاح الدين، مرات عدة في السبعينات، وأجريت له مقابلة نشرتها"الديلي ستار"عندما كنت رئيساً لتحريرها. وما لا يمكن انكاره هو أن الحاج أمين ذهب الى المانيا، وشارك في تأسيس جمعية الصداقة الألمانية - العربية حكى لي قصة افتتاح هتلر الجمعية، إلا أن المجال يضيق عنها اليوم، إلا أن هذا كله كان قبل أن يطلع هتلر بخطة"الحل الأخير"لليهود، فأكثر القتل كان بين 1943 و 1945. لكن يجب الاعتراف بأن الحاج أمين ذهب الى المانيا، واللاسامية فيها على أشدها، كما كانت في كل بلد أوروبي، وهو قال لي مرة بعد مرة ان كل ما رأى في هتلر هو أن"عدو عدوي صديقي"، خصوصاً بعدما اصبحت السلطات البريطانية تطلب رأسه بسبب قيادته الثورة العربية في فلسطين بين 1936 و 1939. الرسالة، أو المقال، تتحدث بعد ذلك عن الحزب القومي السوري وتزعم أنه استعمل الصليب المعقوف النازي شعاراً، مع أنه استعمل الزوبعة، وتقول ان الحزب قتل الرئيس بيار الجميل، والمقصود ابنه بشير. ثم تعطف على حزب"مصر الفتاة"، وتزعم أن جنرالاً في الصاعقة لا تسميه، قتل يهود أوكرانيا أصبح الحارس الشخصي للرئيس جمال عبدالناصر وصديقه المقرب. جنرال ألماني يحرس عبدالناصر؟ كم كان عمره؟ كيف لم يسمع به سوى الذين ينكرون نازية اسرائيل؟ في غرابة ذلك أن الرسالة تقول ان الشرطة الفلسطينية استقبلت أبو عمار عندما عاد الى الأراضي الفلسطينية بالتحية النازية، وأن ياسر عرفات هو الاسم الحركي الذي سجل به كطالب في مصر سنة 1951 مع أن اسمه رحمن عبدالرؤوف القدوة وهو قريب الحاج أمين. لا يوجد"رحمن"كإسم عندنا، والمقصود عبدالرحمن، وأبو عمار لم يكن قريب الحاج أمين، فأمه كانت من القدس، أما أبوه الذي كان يملك دكاناً قرب الأزهر في القاهرة فمن غزة، ويقال رفح، وكان أبو عمار يجعل نسبه عرفات القدوة الحسيني، إلا أن هذا انتسابٌ الى تلك العائلة الكريمة وغير صحيح. تهمة النازية اسخف من تهمة الاسلاموفاشزم، فالحاج أمين الحسيني والحزب القومي السوري ومصر الفتاة، وكل حزب مماثل لم يقتلوا اليهود، وإنما قتلهم الأوروبيون. واليهود قتلوا لأن الغربيين اساؤوا تقدير خطر النازية والفاشية، وقاوموا التدخل قبل 1939، يستوي في ذلك رئيس وزراء بريطانيا نيفل شامبرلين، والرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت الذي أصر حتى بعدما غزا هتلر بولندا على أن تبقى أميركا خارج الحرب. وكان هناك حزب فاشي بريطاني كبير برئاسة السير اوزوالد موزلي والنروجي فيدكون كويزلنغ اصبح اسمه بمعنى المتعاون، أو الخائن، فعمل بصفة الرئيس الوزير للنازيين، وأعدم بعد الحرب. وكان في فرنسا متعاونون مع النازيين يزيدون كثيراً على المقاومة التي لم نعد نسمع إلا عنها بعد التحرير. أقول ان النازيين والفاشست الأوروبيين كانوا أكثر ألف مرة من المقلّدين العرب، وانهم مع المتعاونين الأوروبيين قتلوا اليهود. ثم أذكّر الاعتذاريين لاسرائيل بأن جميع المجازر بين العرب واليهود منذ تأسيس اسرائيل عنوة في الأراضي الفلسطينية لا تزيد على بعد ظهر يوم واحد في اوشفيتز أو تريبلنكا. بما أن اسرائيل ترتكب الجرائم كل يوم، فأنصارها، أو شركاؤها يحاولون نقل التهمة الى الضحية، والعرب والمسلمون يوماً فاشست ويوماً نازيون. إذا كان بين العرب ارهابيون أو متطرفون فهم تعلموا من اليهود الذين نزحوا الى فلسطين، وأرجو من كل قارئ قادر أو راغب أن يقرأ كتاب"من هم الارهابيون؟ مشاهد من الارهاب الصهيوني والاسرائيلي"الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وهو سيجد أن الصهيونيين كانوا أول من نفذ نسف مقهى أو باص أو سوق أو فندق أو سفارة أجنبية أو أرسل رسائل متفجرة. هو تاريخ مسجل باليوم والساعة وبالشهود عليه.