يسلط فيلم "مفتوح... مغلق"، وهو الأحدث للمخرجة الفلسطينية ليانة بدر، الضوء على معاناة الفلسطينيين جراء جدار الفصل العنصري، والحواجز العسكرية، التي ضربت بقوة الحياة اليومية للمحاصرين، فحرمت بعضهم من ممارسة حقهم الطبيعي في الوصول إلى منازلهم، ومدارسهم، وحقولهم، علاوة على المستشفيات، والتنقل من بلدة لأخرى، أو إلى المدن. ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى، تعاني ليانة بدر، كغيرها من الفلسطينيين، من الحواجز العسكرية، تلك المعاناة التي تفاقمت بعد بناء جدار الفصل العنصري، وتقول:"جزء من عائلتي يعيش في القدس، وجزء آخر منها في الخليل، ونابلس، وكان التواصل بيننا بسبب هذه الحواجز أمراً في غاية الصعوبة، وفي غاية الخطورة أيضاً .. جدار الفصل العنصري كان تجسيداً لهذه السياسة القمعية التي يمارسها الاحتلال ضدنا، حيث بات معنى الإغلاق متغلغلاً في تفاصيل حياتنا، ومتحكماً فيها". وتنتقد بدر"التقصير الحاصل على المستوى الرسمي والأهلي في مقاومة هذا الجدار"، فالبعض"تعاطى مع الجدار كإجراء تكتيكي عابر يأتي من باب الرد والرد المقابل، من دون إدراك ما يفعله الجدار من طمس للهوية الفلسطينية، وتدمير للحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية للفلسطينيين"... هذا"السور"يكاد يكون"الأبشع في تاريخ البشرية، فهو لم يقم للفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما يجري الادعاء، بل يلتهم مساحات شاسعة من الأرض الفلسطينية.. كل هذا الدمار الحياتي اليومي كان ينعكس عليّ في شكل مباشر، أو عبر أصداء حكايات المحيطين بي"، فكان الفيلم، الذي صور أيضاً أشكال المقاومة غير الرسمية، الفردية والجماعية، للجدار، علاوة على تصويره لمعاناة الفلسطينيين، على بوابات الجدار، والحواجز العسكرية، والتي تخضع جميعاً لمزاجية جنود الاحتلال، في عبور المحاصرين. وتضيف بدر:"الفيلم غير موجه الى العالم فحسب، بقصد إظهار بشاعة الجدار، بل للفلسطينيين أيضاً، فالكثير ممن يعيشون في مدن بعيدة عن شبح"الفصل العنصري"، كرام الله، على سبيل المثال، لا يدركون تفاصيل المعاناة التي يعيشها غيرهم، جراء هذه البوابات... نحن بحاجة لسلسلة من الأفلام حول الجدار، لنكشف للعالم مدى بشاعة هذه السياسة الإسرائيلية العنصرية". تجربة تنعكس وترى بدر أن تركيز عدد من الأفلام على الجدار، يعطي الموضوع تنوعاً وغنى، وتقول:"في أفلامي الوثائقية تنعكس تجربتي كصحافية وروائية، فعادة ما يحتوي الفيلم على تلك اللمحات الصحافية السريعة، التي لا يمكن الوصول عبرها إلى قلوب الناس، إلا عبر تجربة صحافية طويلة... في هذا الفيلم، كما في سابقيه، أستعيد روح الصحافية داخلي، للنفاذ إلى قلب الحدث، وبالتالي التماس بشكل غير مصطنع مع الجمهور، كما أنني أنحى إلى نوع من الربط الروائي داخل أي فيلم أقدم، لأتلافى أن يتحول الفيلم إلى تقرير صحافي متناثر، لذا أسعى لتقديم نسيج من الحياة اليومية، يدفع المشاهد لاكتشاف طبقات أعمق من الواقع، وطبقات متعددة التفسيرات"، وتؤكد المخرجة - الكاتبة أنها دائماً ما تستفيد من التراكم السينمائي الفلسطيني والعالمي في صنع أفلامها، وهو ما حدث في"مفتوح .. مغلق"، والأفلام التي أعدتها من قبل، كپ"حصار"، وپ"الطير الأخضر"، وپ"زيتونات"، وپ"فدوى طوقان"، رافضة ما تسميه"الأفلام الساذجة"، التي تسرق وقت المشاهد، ولا تقدم له الوجبة السينمائية التي يتمنى. وتتحدث بدر عما واجهها من صعوبات، خلال تصوير الفيلم، فبعد أن قررت حمل كاميرتها الشخصية، والشروع في التصوير، لتعذر الحصول على التمويل المناسب لأكثر من عامين، واجهتها ملاحقات جنود الاحتلال، ومعاناة الحواجز أيضاً، وتقول: معظم المشاهد جرى تصويرها في ظروف صعبة، وفي مناطق مصادرة تعتبرها سلطات الاحتلال مناطق عسكرية مغلقة، ولا يجوز التصوير فيها... كثيراً ما لاحقتنا رصاصات جندي هنا، وتهديدات جندي هناك، ولولا إصراري وفريق العمل المكوّن من مصور، وفني صوت وإضاءة، ولولا تفاعل ووعي الناس الذين يعيشون هذه التجارب الصعبة، وتشجيعهم لنا، لما كان الفيلم".