الطلقة الأخيرة في فيلم «عمر» لهاني أبو أسعد، كانت بمثابة رسالة في أكثر من الاتجاه، أولها أن كرامة الفلسطيني الحر في لحظات تكون أهم من حياته، وأن لا حياة طبيعية لنا في ظل الاحتلال، وأن الحل الأمثل في التخلص منه، وهو ما حصل حين أطلق عمر (آدم بكري)، النار على ضابط المخابرات الإسرائيلي الذي حاول تجنيده بعد اعتقاله، في المشهد الأخير للفيلم، الذي عرض للمرة الأولى في فلسطين، بعد أن حقق جائزة النقاد في مهرجان «كان» السينمائي، واحتضنه قصر رام الله الثقافي، أخيراً، وسط حضور جماهيري لافت، حيث «طفحت» قاعة القصر، بالجمهور الذي خرج مشدوهاً، بعد قرابة الساعتين من «شد الأعصاب»، حيث البكاء، والابتسام، والضحك حتى القهقهة، والصراخ، والتوتر، وغيرها من المشاعر التي تعكس التناقضات التي يعيشها شعب هو الوحيد في العالم المتبقى تحت الاحتلال. عنصرية العدو لقد استطاع الفيلم، والمبني مع معالجة درامية على قصة حقيقية، فضح عنصرية الاحتلال عبر الكثير من المشاهد، من بينها مشهد إجبار عمر على الوقوف فوق حجر صغير نسبياً لفترة طويلة، بقرار مزاجي من جنود دورية احتلالية، وحين احتج هشموه ضرباً، قبل أن يجبروه على الوقوف مرة أخرى على الحجر ذاته وبقدم واحدة، ومن ثم التعذيب في غرف التحقيق، على الصعيدين الجسدي والنفسي، وتصوير تفاصيل لا يعرفها إلا الفلسطينيون، ك «غرفة العصافير»، وإن كان تم توضيح الفكرة لمن هم خارج فلسطين، عبر الحوار بين ضابط المخابرات الإسرائيلي الذي انتحل شخصية قيادي مقاوم، وأوقع عمر في الفخ، إضافة إلى مشاهد اقتحامات المخيم المتكررة، ومشاهد جدار الفصل العنصري الذي لعب دوراً أساسياً في الفيلم، عكس علاقة الفلسطيني بالاحتلال، وتقلباته في ما قدرته على تجاوز محاولات التنكيل فيه. من الناحية الفنية، يبدو الفيلم «مشدوداً» إلى درجة لا يمكنك معها الشعور بالملل، ومحبوكاً بطريقة جيدة، إلا من بعض الهنيهات هنا وهناك، والتي تعكس حالة الفراغ التي تعيشها السينما الفلسطينية بسبب غياب كتاب سيناريو محترفين، لكنها لا تؤثر في القيمة الإجمالية للفيلم. كما أن أداء الممثلين جاء مدهشاً، وينبئ بولادة نجوم جدد على صعيد السينما الروائية، ناهيك بأن الرؤية الإخراجية وعين أبو أسعد بقتا متألقتين كالعادة، فبعد ثمانية أعوام على «الجنة الآن»، صام المخرج وصام، ليفطر على وجبة سينمائية «دسمة»، حققت وستحقق حضوراً عالمياً لافتاً... ويكفي أنها نجحت في الاختبار الأصعب في فلسطين، وهو ما كان يقلق أبو أسعد وجميع طاقم العمل، بخاصة أنه ليس من السهل تقديم عمل عن الفلسطينيين أمامهم... ففي ما يتعلق بالأفلام الفلسطينية هم الناقد الأشد قسوة، ولذا ظهرت بعض الآراء المنتقدة بدرجات متفاوتة للفيلم، على رغم أنه حاز إعجاب غالبية المشاهدين، وأسرهم إلى حين. وفاز الفيلم الفلسطيني «عمر» للمخرج هاني أبو أسعد، بجائزة لجنة التحكيم في تظاهرة «نظرة ما...» في مهرجان «كان» السينمائي بدورته الأخيرة ليؤكد أبو أسعد، - هو الذي سبق أن حاز جائزة «غولدن غلوب»، وترشح لأوسكار أفضل فيلم روائي أجنبي عن فيلمه «الجنة الآن» -، أنه واحد من أهم المخرجين على المستوى الدولي. الجانب الآخر من الجدار ويروي الفيلم قصة الخباز الشاب عمر، المتيّم بفتاة فلسطينية على الجانب الآخر من جدار الفصل العنصري، ويسعى في شكل منتظم لتفادي الرصاصات التي يطلقها جنود من أجل تسلق الجدار لرؤية الفتاة. ويتحدث الشاب والفتاة بحماسة عن الزواج. لكن خططهما تنحرف عن مسارها عقب اعتقاله بسبب تورطه في هجوم على الجيش الإسرائيلي قتل فيه جندياً. ويتعرض عمر للتعذيب في السجن من أجل الإدلاء بمعلومات لمصلحة الاحتلال، ليبدأ بممارسة لعبة القط والفأر مع الإسرائيلي الذي يحاول تجنيده... ففي الوقت الذي يحاول إثبات أنه ليس «خائناً» يشاع في الشارع أنه كذلك. ويبدأ فيلم «عمر» (98 دقيقة)، الذى كتبه مخرجه، بالشاب عمر (آدم بكري) يتسلق الجدار كي يلتقى مع صديقي عمره طارق (إياد حوراني) وأمجد (سمير بشارة)، ومع نادية (ليم لوباني) شقيقة طارق الطالبة التى يتبادل معها الحب. لكنه ما إن يصبح على قمة الجدار ويستعد للنزول من الناحية الأخرى حتى يطلق عليه جنود الاحتلال الرصاص على رغم أن الناحية الأخرى ليست إسرائيل، وإنما البلدة ذاتها التي قسمها الجدار. يصاب عمر إصابة طفيفة، ومع هذا يتمكن من اللقاء مع صديقيه ومع حبيبته. وتبدأ أحداث الفيلم مع مشهد يقوم فيه طارق بتدريب عمر وأمجد على إطلاق النار، ويقول لهما في نهاية المشهد «نحن جاهزون يا شباب». وفي مشهد آخر على الطريق الرئيس خارج البلدة تقوم دورية من جنود الاحتلال بإذلال عمر عندما يأمرونه تحت تهديد السلاح بالوقوف على صخرة صغيرة رافعاً يديه من دون أي مبرر سوى أنه فلسطينى. وفي الليل يقوم الأصدقاء الثلاثة برصد مجموعة من جنود الاحتلال عند حاجز عسكري، ويطلب طارق إطلاق الرصاص، فيتردد عمر ولا يتردد أمجد ويصوب نحو أحد الجنود ويقتله. ويبدأ الصراع بين أجهزة الأمن الإسرائيلية والشبان الثلاثة لمعرفة من الذي قتل الجندى، وإلى أي فصيل سياسي ينتمون، والعمليات الأخرى التي يخططون لها. تعرف سلطات الاحتلال من قاموا بالعملية، ويعرف الشباب الثلاثة بالطبع أن هناك من أبلغ عنهم من الفلسطينيين المتعاونين مع الاحتلال، ويتوصل طارق إلى الجاسوس ويعذبه ويقتله. وتتم مطاردة عمر والقبض عليه وتعذيبه داخل السجن. وهنا تبدأ دراما كتبها وأخرجها هاني أبو أسعد ببراعة واقتدار عن علاقة القط والفأر بين عمر ورامي (وليد زعيتر)، ضابط المخابرات الإسرائيلى الذي يتولى القضية، ويريد أن يعرف بالضبط من يكون قاتل الجندى. وكان أبو أسعد قال في تصريحات صحافية إنه استوحى فكرة الفيلم من واقعة رواها له أحد أصدقائه حين حاولت أجهزة الاستخبارات إجباره على التعاون معهم، لأنهم كانوا يعرفون سراً عنه، وهو الأمر الذي من شأنه أن يتسبب بفضيحة لعائلته... لم يعرف ماذا يفعل، بل أن يقرر «إنك تعرف ماذا أفعل، سوف أدمر عائلتي، ولكن لن أصبح متعاوناً مع العدو». وبعد أن وصف أبو أسعد العرض بأنه الأهم بالنسبة اليه، أشار في حديث الى «الحياة»، الى أن حكاية الفيلم مبنية على قصة حقيقية تمت معالجتها في شكل درامي، وتم «التخفيف» من قساوتها والمتأتية من «قساوة الواقع الذي نعيشه كفلسطينيين»، وعلى رغم ذلك بقي الفيلم «قاسياً» إلى حد ما، معرباً عن أمله في أن يكون نقل شيئاً من حقيقة ما يعيشه الفلسطينيون، مشدداً على فخره بأن «عمر»، وتكلف مليوني دولار، نفذ بأموال فلسطينية بالكامل، وهي أول تجربة قد تؤسس لصناعة سينما في فلسطين. وأشار الفنان الشاب آدم بكري، في تجربته السينمائية الروائية الأولى، إلى أن «عمر» لا يزال يسكنه، وأن التحضير للعمل، وتقمص الشخصية لم يكونا بالأمر السهل، لافتاً في حديث مع «الحياة» إلى أن الوقوف أمام جمهور فلسطيني عبّر عن إعجابه بالفيلم شعور في غاية الروعة، وهو تأشيرة دخول الفيلم إلى قلوب الناس، وهو ما نسعى إليه ... وقال: تم تصوير الفيلم في مخيم الفارعة للاجئين، وفي مدينتي نابلس والناصرة، وهو يحاكي واقعاً لربما عايشه الكثير من الفلسطينيين بتفاصيله الكثيرة، أو بجزئيات هنا وهناك.