سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السنة لن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا أُقيمت دويلة شيعية ... وإيران وسورية تنسقان دعمهما للتمرد . الباجه جي ل "الحياة" : العراق عاد عقوداً إلى الوراء والحل بقوات آسيوية عربية لا يشارك فيها الجوار
أكد وزير الخارجية العراقي السابق الدكتور عدنان الباجه جي في مقابلة مع"الحياة"في لندن أن رئيس الوزراء نوري المالكي الذي طالب بنزع سلاح الميليشيات"في واد"ووزراء حكومته، سواء الشيعة من التيار الصدري وجماعة الحكيم، أو آخرين من السنّة"في واد آخر"، لجهة ولائهم لأحزاب لديها ميليشيات مسلحة. وحل قضية الميليشيات الطائفية، بحسب الدكتور الباجه جي، يتمثل بتشكيل قوة من دول عربية وآسيوية وأوروبية تعمل تحت مظلة الأممالمتحدة، لأن القوات العراقية غير مهيأة والأميركية غير مستعدة لتولي هذه المهمة. كما تحدث السياسي العراقي المخضرم عن الفساد وتورط جهات أميركية فيه، علاوة على بروز ايران كقوة اقليمية تملك النفوذ الأبرز داخل العراق، وما يمثله ذلك من خطر على منطقة الخليج بأسرها. يربط وزير الباجه جي غزو العراق بعوامل عدة، على رأسها امكان تشكيل قوة رادعة لإسرائيل"يجعل لجوءها الى القوة بين وقت وآخر مكلفاً... وكان على الدولة العبرية بلا شك القضاء على هذه القوة الرادعة، وهذا ما حصل". وفي هذا السياق، لا يعتبر أن هناك مشروعاً أميركياً في العراق"فقبل أن يأتي الأميركيون كان هناك مشروع عراقي يرى أن الحل الوحيد لمشكلات العراق يكمن في الديموقراطية بعيداً عن المذهبية". لكن الأحداث السياسية التالية لقانون إدارة الدولة حملت معها"للأسف الشديد، استقطاباً طائفياً، والأميركيون بدلاً من أن يكافحوا هذا الاستقطاب، شجعوه بشكل غير مباشر. فعندما شكل مجلس الحكم، اختير أعضاؤه على أساس طائفي، والمبدأ ذاته طُبق على الوزراء وعلى المناصب العليا مثل وكلاء الوزارات والسفراء". كما"تلقت الأحزاب الطائفية مساعدات ضخمة من الخارج، من إيران وغيرها، واستطاعت أن تبني قوات خاصة تحت أعين الأميركيين الذين قالوا إنها يجب حلها إنما لم يفعلوا شيئاً، إمّا عن سوء نية أو عدم فهم واستيعاب للحقائق الموجودة في البلد". وعلى رغم أن الانتخابات الأولى مطلع 2005 نُظمت في هذه الظروف وفي ظل خروقات ودور العامل الديني، إضافة الى الإرهاب الذي مورس بحق الناس، إلا أن الباجه جي يشدد على"خطأ"مقاطعة"إخواننا السنّة والقوميين والعروبيين الذين نصحتهم مرات أن هذه الانتخابات هي للجمعية الوطنية التي كُلفت وضع دستور دائم، ولهذا يجب أن يكون هناك تمثيل جيد لهم، وإلا سيأتي الدستور في شكل مخالف لمصلحتكم. لم يسمعوا وندموا. ولهذا جاء الدستور في شكل يؤيد الطروحات الطائفية التي كانت تطالب بفيديرالية، والحقيقة، فإن ما يطالبون به ليس فيديرالية انما كونفيديرالية لأن الاقليم يكون له مطلق الصلاحيات في كل شيء". ويرى وزير الخارجية العراقي السابق أن"اليوم باتت أمامنا مشكلة كيف نعدل الدستور وكيف نوقف الفيديرالية على أساس طائفي، والتي تؤدي حتماً الى تقسيم البلد... مشروع القانون الحالي للأقاليم في الجمعية الوطنية ينص على عدم بدء العمل به قبل سنة ونصف سنة. المفروض أن تكون هناك تعديلات لكنني أشك في ذلك، على رغم أنه حتى داخل الكتلة الشيعية، هناك اختلاف على الفيديرالية. مثلاً،"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية"يؤيد بشدة الفيديرالية ونشرها في الجنوب، لكن التيار الصدري وحزب"الفضيلة"يعارضان هذا المشروع". و"الخطر الكامن وراء مشروع الكونفيديرالية يتعلق بإقامة دويلة في جنوب البلاد قد تكون خاضعة لنفوذ ايران، وهو تطور ستكون له انعكاسات على منطقة الخليج". إلا أن الباجة جي يؤكد أن"الجنوب عربي وليس شيعياً بكامله، وهناك عشائر شيعية بعض أفخاذها سني. مثلاً، شُمّر شيعة في الجنوب وسنة في الشمال. وبغداد خليط، فهي يضم شيعة وسنّة ومسيحيين وأكراداً وتركماناً وآخرين. والأمر ذاته ينسحب على البصرة. ولكن الخطر أن هذه الدويلة في جنوبالعراق ستخضع للنفوذ الايراني، الأمر الذي ستكون له انعكاسات خطيرة على المنطقة". ولا يشك باجه جي في أن هناك رغبة كردية في الانفصال،"ومن ناحية مبدئية، اذا أرادوا الانفصال، فلهم الحق في ذلك لأن جميع شعوب العالم أصبح لها دول. لكن مشكلة الأكراد ليست مع العراق، لأن الانفصال ستعترض عليه ثلاث دول هي تركياوايران وأميركا. أما الحكومة العراقية فهي ضعيفة الى درجة لا يمكنها أن تترجم اعتراضها. ستعترض أميركا لأنها تخشى من تفتيت العراق، خصوصاً اذا صار هناك كيان في الجنوب يعتمد على تأييد ايران ودعمها، فيما تركيا مستعدة أن تقاتل لتمنع قيام كيان كردي مستقل". وعن مشروع الحكومة الحالية، يعتبر وزير الخارجية العراقي السابق أن"الدكتور نوري المالكي أبدى اعتراضه على الميليشيات، مؤكداً ضرورة حلها ونزع سلاحها، ورغبته في المصالحة الوطنية والحفاظ على وحدة العراق، ولم يظهر منه أي ميل لنشر الفيديرالية في العراق. كل هذه الأمور جعلته مقبولاً، لكن في الحقيقة اذا أراد تطبيق ذلك فلن يستطيع لأن أعضاء حكومته غير منسجمين اذ أن عدداً كبيراً منهم ولاؤه للطائفة أو للحزب، ولهم علاقات وثيقة مع الميليشيات. كما أن ليس لديه امكانات مادية كقوة عسكرية أو أمنية يعتمد عليها، لأن مثل هذا البرنامج لا يمكن تطبيقه من دون قوة تدعمه وهي غير موجودة. القوات العراقية المسلحة تدريبها ناقص ومعداتها ناقصة وسلاحها ناقص وولاؤها غير مضمون للدولة العراقية. بالعكس، قسم كبير منهم شيعة وسنة ولاؤه طائفي أو حزبي، ولا يمكن الاعتماد عليه". "والقوة الوحيدة الموجودة في الحقيقة هي قوات الولاياتالمتحدة أو التي يسمونها القوة المتعددة الجنسية، وهذه طبعاً في استطاعتها أن تقضي على الميليشيات وتنزع سلاحها وتفعل أشياءً كثيرة بشرط أن يزيد عديدها وأن تكون هناك رغبة في تحمل خسائر وهو أمر مشكوك فيه بسبب الضغوط الداخلية التي ستستمر بعد الانتخابات النصفية في الكونغرس الأميركي، إذ يُتوقع أن يسيطر الديموقراطيون على أحد المجلسين على الأقل، ما سيضعف من قوة الحكومة. وأيضاً، أصبح الرأي العام الأميركي غير مقتنع بجدوى الحرب في العراق والاستمرار في تحمل الخسائر. عندئذ، ما هي القوة التي ستقدر على اعادة الأمن والاستقرار الى البلد وتنزع سلاح الميليشيات؟"يجيب الباجه جه بالاشارة الى ضرورة تشكيل"قوة أخرى لأن نزع السلاح لن يكون عن طريق القوة فقط، انما عبر التفاوض المدعوم بالقوة، لأن الميليشيات لن تنزع سلاحها... والحل الوحيد الممكن هو جلب قوات عربية وأوروبية وآسيوية بشرط ألا تكون من دول الجوار تعمل تحت اشراف الأممالمتحدة وتكون مؤهلة ولديها صلاحية وإمكان استخدام القوة اذا لزم الأمر، وتعتمد عليها الحكومة في معالجة مسألة الميليشيات. وفي الوقت ذاته، أعتقد بأن على المالكي الاعتماد على عناصر مستقلة وشخصيات معروفة بخبرتها وكفاءتها ونزاهتها ليسلمها الوزارات الأساسية المهمة مثل الأمن والصحة والتعليم. تُشكل وزارات جديدة فيها عناصر كفؤة وقوة تدعم الحكومة في مواجهتها مع الميليشيات. عندها، يُمكن أن يكون هناك أمل، وإلا فإن العراق كدولة، وهو الآن مدمر، سيُدمر كلياً، وسيكون هناك أمراء حرب سنة وشيعة يسيطرون على المناطق، كما حصل في أفغانستان وغيرها. لكن هذا يعني انهيار العراق كدولة، ما سيكون له ردود فعل ونتائج وخيمة بالنسبة الى المنطقة". والعراق"عاد أصلاً عقوداً الى الوراء، فبعدما كان، كما أتذكره، بلداً منفتحاً لا يوجد فيه تعصب فيما كانت الطائفية على وشك الزوال بسبب التعليم وانتشاره بين أبناء الطوائف والقوميات. كان دولة حديثة بكل معنى الكلمة. طبعاً مع الأسف الشديد، كانت هناك أنظمة حكم قمعية، لكن كان هناك دولة ويمكن تغيير الأنظمة. الآن، الدولة ومؤسساتها الأساسية انهارت، وإعادة بنائها تواجه حقيقة صعوبات كثيرة نعاني منها حالياً. انهيار الدولة أفسح في المجال أمام تعزيز الطائفية السياسية والنزعات الانفصالية وفرض ضغوطاً بسبب قوة الأحزاب الطائفية على المجتمع وتقاليده. مثلاً، لم يكن الحجاب موضوعاً جدياً في بغداد حيث أصبح رفع الحجاب مع الوقت أمراً اعتيادياً في النوادي والمدارس وبين الناس أنفسهم. اليوم، أصبح الحجاب عاماً. المرأة كان وضعها ممتازاً ومساوية للرجال لكن الآن وضعها مأسوي". ثقافة الفساد بدأت بهذا الحجم"في زمن صدام، خصوصاً بعد فرض العقوبات"، فلما جاء الأميركيون،"وبدلاً من أن يحاربوا الفساد، شارك جزء منهم فيه، مع العراقيين طبعاً"، وفقاً لهذا السياسي المخضرم. كما تلعب"المحاصصة الطائفية في الوظائف وفي الوزارات دوراً في الفساد. والأحزاب الدينية طبعاً متورطة فيه، فهي تستعمل الدين... في هذه الظروف لجمع المال، لأنه بات على كل فئة أن يكون لها قاعدة مالية قوية... والتيار الصدري مثلاً يستفيد كغيره". ويفرق الباجه جي بين دوري سورية وايران في العراق، على رغم تأكيده وجود"تنسيق بينهما وربما توزيع أدوار"في دعم التمرد، فدمشق ترغب فقط"في لعب الورقة العراقية"مع الغرب"كما تلعب الورقة اللبنانية". أما ايران فتريد أن يكون لديها نفوذ في العراق،"وهذا شيء ليس بجديد بل يعود الى أيام الشاهات عندما كان الايرانيون يعتبرون أنفسهم القاجاريون والصفويون والشاهيون حماة الشيعة في العالم الاسلامي... فتسمية الخليج الفارسي لديها مغزى سياسي، وهم يريدون السيطرة على العراق وإذا نجحوا في ذلك سيكون سهلاً عليهم السيطرة على الخليج أيضاً". كما تريد طهران استخدام العراق"ورقة في المفاوضات مع الأميركيين"، ولم يستبعد أن تكون ايران تدعم جهات سنية. وجميع الجهات التي يدعمونها، وإن كانت متناحرة، تخضع لنفوذهم وتعتمد على دعمهم"، واصفاً ايران، ومن دون أي تردد، بأنها"هي اللاعب الاقليمي الأقوى في العراق". وعن محاكمة الرئيس العراقي المخلوع، يعتبر الباجه جي أن"إعدام صدام سيزيد العنف في العراق لأن لديه بعض الأنصار".