تشكل التجربة النووية الكورية الشمالية حدثا كبيرا، ستكون له تداعياته على موازين القوى العالمية والأمن الدولي، خصوصا في منطقتي شمال آسيا والشرق الأوسط. ويتوقع مراقبون أن يحتدم سباق التسلح في آسيا، وتحديدا اليابان التي تقوم منذ عامين بإدخال تعديلات على دستورها تسمح لقواتها العسكرية بأن تلعب دورا أكبر على الساحة الدولية. وتقوم كل من اليابانوكوريا الجنوبية حاليا بتسريع نشر أنظمة صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية، بعدما أثبتت كوريا الشمالية خلال الشهور الماضية قدرتها على انتاج صواريخ باليستية بعيدة المدى تصل الى معظم الجزر اليابانية. ويعتقد مراقبون بأن اليابانوكوريا الجنوبية ستضاعفان استثماراتهما في الصناعات الحربية لتكوين قدرة رادعة بوجه جارتهما الشيوعية المنعزلة التي لم تستطع أجهزة الاستخبارات الدولية اختراقها بفعالية حتى الآن. وتعد كوريا الشمالية أكثر دول النادي النووي فقراً، ما يجعلها أكثر خطورة من غيرها. فهي كانت استخدمت برنامجها النووي لابتزاز الغرب ودول المنطقة من أجل دفع بلايين الدولارات لمساعدة اقتصادها، في مقابل عدم تصنيع أسلحة نووية. أما الآن وقد اجتازت"الخط الأحمر"وأجرت أولى تجاربها النووية التي ستمكنها من تصنيع رؤوس حربية لصواريخها، فهي تقف متحدية المجتمع الدولي، خصوصا واشنطن، مطالبة بمعاملتها كقوة اقليمية وبالأخذ في الاعتبار مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية. وأكثر ما يخشاه المحللون هو أن تدفع التجربة النووية الكورية الشمالية حكومتي كوريا الجنوبيةواليابان الى السير نحو تطوير قدرات نووية خاصة بهما. وتأتي التجربة النووية الكورية في وقت تدرس القوى الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، الى جانب ألمانيا، امكان فرض عقوبات اقتصادية على ايران لرفضها وقف تخصيب اليورانيوم. ويتوقع أن تستغل واشنطن وحلفاؤها التجربة الكورية لتصعيد الضغوط على روسيا والصين لأخذ خطوات متشددة ضد البرنامج النووي الايراني. وفي حال استمرار الرفض الروسي لفرض عقوبات دولية على طهران فإن أميركا قد تجد في التجربة الكورية فرصة لإنشاء تحالف من دول في الغرب وفي آسيا والشرق الأوسط لتنفيذ سلسلة من العقوبات ضد ايران قد تتطور الى عمل عسكري. فالمحافظون الجدد في الادارة الأميركية سيصورون التجربة الكورية على أنها مثال على فشل النهج الديبلوماسي في اقناع بيونغيانغ وقف برنامجها النووي، وسحب هذه التجربة على ملف ايران اذا لم تنفذ بحقها اجراءات عقابية. والسؤال هو كيفية السيطرة على"القمقم النووي الكوري"ومنع انتقاله لدول أخرى، خصوصا ايران؟ الأمر الأكيد هو أن الادارة المتشددة في واشنطن لن تقبل أن تستمر كوريا الشمالية بتطوير قدراتها النووية والصاروخية لتصبح تهديدا استراتيجيا كبيرا على جبهتها الغربية. كما أن واشنطن لا تستطيع التهاون برد فعلها تجاه التجربة الكورية حتى لا يساء فهمها في طهران على أنها عاجزة عن منعها من أن تصبح دولة نووية. ومما يزيد من تعقيد الوضع هو أن أميركا منهمكة في حرب دولية على الارهاب تستنفد جزءا كبيرا من قدراتها العسكرية والاقتصادية. وبحسب محلل أميركي، شغل سابقا موقعاً ديبلوماسياً أساسياً تعاطى شأن الملف الكوري، فإن الخيار العسكري ضد بيونغيانغ وارد،"لكنه، حتى تاريخ اجراء التجربة النووية"كان في أسفل قائمة الأولويات. ومرد ذلك، بحسب المحلل الذي طلب عدم كشف اسمه، يعود الى ثلاثة أسباب أساسية. الأول، معارضة الدول الحليفة لأميركا والمحيطة بكوريا الشمالية لأي عمل عسكري. ثانيا، عدم ادراك الاستخبارات الأميركية لحجم البرنامج النووي الكوري وتشكيكها بقدرة بيونغيانغ على انتاج أسلحة نووية أو الإقدام على مثل هذه الخطوة في ظل تدهور وضعها الاقتصادي وحاجتها للمساعدات الخارجية. ثالثا، وهو الأكثر أهمية، هو الثقافة العقائدية للمجتمع العسكري الحاكم في كوريا الشمالية والذي يؤمن بفكرة الانتحار فداء لقضية سامية ودفاعا عن الشرف. أي، أن العقلية الحاكمة في كوريا الشمالية انتحارية ولن ترتدع بامتلاك أميركا لقدرات نووية تستطيع ازالتها من الوجود. وقد تلجأ، في حال شعرت بخطر محدق، الى استخدام الأسلحة النووية كسلاح أول للدفاع عن نفسها. اذن، فالخيار العسكري ضد كوريا الشمالية، من وجهة نظر هذا المحلل والعديد غيره، يعني شيئا واحدا وهو حرب نووية. وهكذا تقف ادارة الرئيس جورج بوش الابن اليوم أمام تحد كبير يتمثل بقوتين اقليميتين. الأولى باتت نووية، والثانية تسير في الاتجاه ذاته، وهما على قائمة"دول محور الشر"التي تم ازالة العراق منها حتى الآن. وتعتقد غالبية المحللين والمسؤولين في الغرب بأن الجمهورية الاسلامية الايرانية تملك عقيدة جهادية تمتدح الشهادة في الدفاع عن الوطن، وعليه فإن قوة أميركا النووية لن تشكل رادعا لطموحات ايران الاستراتيجية التي تتعارض مع مصالح واشنطن والغرب. ولذلك، يغلب الاعتقاد بأن طهران ستسخدم السلاح النووي عند امتلاكها له للدفاع عن نفسها ومصالحها. ومع تصاعد حدة التوتر ولهجة الخطابات المشحونة بين الأطراف المتناحرة، والتي تأخذا منحى دينيا وايديولوجياً وعلى مستوى عالمي، فإن امكان نشوب حروب اقليمية بين محاور وتحالفات دولية تتحول بسرعة الى حرب كونية نووية تزداد يوما بعد يوم. * باحث في الشؤون الاستراتيجية