يعتبر الخامس عشر من أبريل أهم أيام السنة في التقويم الكوري الشمالي حيث يصادف عيد ميلاد المؤسس "كيم ايل سونغ" وعلى الرغم من تهديد "بيونغ يانغ" بأنها قد تطلق صواريخ باليستية أو صواريخ ذات رؤوس نووية في هذه المناسبة اكتفى "كيم جونغ أون" باستعراض عسكري ضخم وسط العاصمة "بيونغيانغ" عرض من خلاله أحدث أنواع السلاح والصواريخ الكورية الشمالية المزودة بتقنيات تكنولوجية حديثة. وكانت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية قد وصفت النظامين في كل من "سورية" و"كوريا الشمالية" بأنهما أكثر نظامين محاصرين في العالم في الوقت الحالي، ولا يخفي النظامان الصداقة القديمة بينهما فحتى الأسبوع الماضي تبادل النظامان رسائل التهنئة حيث هنأ الأسد "بيونغيانغ" بعيد ميلاد الأب المؤسس كما رد "كيم جونغ أون" بتهنئة الأسد بالذكرى السبعين لتأسيس حزب البعث وتوصف العلاقة بين الطرفين بالعميقة والغنية بالأحداث، فلطالما قدم الخبراء العسكريون الكوريون الشماليون المعونة والدعم لجيش الأسد منذ تأسيسه كما يعتقد أن "بيونغ يانغ" من قام ببناء المفاعل النووي للأسد في منطقة الخبر في ديرالزور السورية الذي تم تدميره لاحقاً بفعل الطيران الاسرائيلي عام 2007. في عهد الرئيس ترامب يواجه النظامان خطر المواجهة العسكرية مع الولاياتالمتحدة، إلا أنه من غير المرجح أن تشعل الولاياتالمتحدة حربين في منطقتين إقليميتين متباعدتين، وكان الإعلام الأميركي قد سرّب آخر كلمات الرئيس أوباما لترامب قبل تنصيبه بأن "كوريا الشمالية هي الخطر الأكبر الذي يواجه الولاياتالمتحدة" وعلى الرغم من خطورة تهديدات "بيونغيانغ" للولايات المتحدة إلا أن مسألة فتح مواجهة عسكرية مع كوريا الشمالية لا تتوقف تبعاتها على مخاطر شبيهة بمخاطر تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، والدليل على ذلك أن ترامب اختار إجراء استعراض القوة الأول له على ترسانة بشار العسكرية لإرسال رسائل لكل من إيرانوكوريا الشمالية وموسكو ولم يختر البدء بضرب "بيونغيانغ" على الرغم من أن استفزازاتها مباشرة وواضحة لواشنطن، بعكس بشار الذي حاول استرضاء الرئيس ترامب حتى قبل وصوله للبيت الأبيض، وقال انه سيكون حليفا في محاربة الإرهاب ما يدل على أن تكلفة اسقاط بشار وتوجيه ضربات له أقل من كلفة معاقبة "كيم جونغ أون". ولعلّ أول وأهم الأسباب التي تجعل واشنطن تترد في ضرب "بيونغيانغ" هي أن حلفاء الولاياتالمتحدة في شرق آسيا يعارضون التحرك العسكري ضد "بيونغيانغ" وفي مقدمة المعترضين كوريا الجنوبية، وتبعد سيئول أربعين كيلومتراً فقط عن الحدود مع كوريا الشمالية، حيث تهدد صواريخ كورية شمالية كوريا الجنوبية في أي لحظة، كما تفضّل اليابان حل المشكلات مع "بيونغيانغ" بالطرق الدبلوماسية خوفاً من ترسانتها الصاروخية التي قد تصل للأراضي اليابانية. أما الصين فهي المعترض الأكبر في شرق آسيا على ضرب "بيونغيانغ" خوفاً من تدفق اللاجئين إلى أراضيها إذا ما انهار النظام الكوري الشمالي، واستراتيجياً تعتبر الصين وجود النظام الكوري الشمالي في المنطقة فائدة استراتيجية لها في مواجهة أي مخاطر محتملة من الولاياتالمتحدة وحلفائها اليابانيين والكوريين الجنوبيين عدا عن أن الصين حليفة لكوريا الشمالية بحسب معاهدة الدفاع المشترك 1961 بين الطرفين. على الطرف الآخر رحّب كل حلفاء أميركا في منطقة الشرق الأوسط بالإجماع بخطوة الرئيس ترامب لضرب بشار الأسد، الأمر الذي عزز موقف الرئيس في واشنطن ضد نظام قتل مئات الالاف، كما تعد خطوة استراتيجية لاسترجاع العلاقات مع الحلفاء في الشرق الأوسط بعد أن كانت هذه العلاقة تحتضر في عصر أوباما. وأخيراً تبقى معضلة امتلاك النظام الكوري الشمالي لسلاح نووي مشكلة حقيقية، فعلى الرغم من أن "بيونغيانغ" معروفة بتصريحاتها الكاذبة والمبالغ بها إلا أنه لا يمكن للولايات المتحدة تجاهل إعلان كوريا الشمالية عن نجاح تجربتها النووية الأولى وإعلانها عن امتلاك صواريخ بعيدة المدى برؤوس نووية قادرة على الوصول للولايات المتحدة خلال سنتين.. كل هذا يجعل من القضية الكورية الشمالية خطرا حقيقيا يهدّد الولاياتالمتحدة، غير أن كلفة التعامل معها عسكرياً عالية، لذلك فإن إدارة ترامب ماضية بالبحث عن كافة الحلول لهذه المشكلة، وقد بدأت مواجهة المشكلة بجولة لنائب الرئيس "مايك بينس" في آسيا حيث سيزور كلا من اليابانوكوريا الجنوبية وأندونيسيا ليتجه بعدها لأستراليا للبحث في مسألة تطوير "بيونغيانغ" لسلاح نووي وصواريخ بعيدة المدى، وعلى الرغم من ارتفاع حدة التوتر بين الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية، فانه لا يزال هناك عوائق عديدة تقف في وجه أي تحرك عسكري ضد "بيونغيانغ" إلا أن كل الحلول مطروحة على الطاولة بحسب إدارة الرئيس ترامب بما فيها تدخّل الصين للضغط على "بيونغيانغ" سياسياً أو التحرك بشكل منفرد إذا رفضت الصين المساعدة.