حلقة مميزة عن الابداع الفلسطيني اعدتها وقدمتها جيفارا البديري مراسلة قناة"الجزيرة"في فلسطين. وكمنت اهمية هذه الحلقة في انها اضاءت جانباً حيوياً كان ظل بعيداً من متناول الاعلاميين ومراسلي الفضائيات الذين ينصب اهتمامهم كله على الاخبار الساخنة والتطورات السياسية والعسكرية العاصفة، وهو قصور يدفع باستمرار الى التساؤل عن الحياة الفلسطينية في وجوهها الاخرى وبالذات الوجه الابداعي الذي يعكس، وان على طريقته، أثر الاحداث السياسية والعسكرية في ارواح الناس، ويشكل بقدر كبير نظراتهم الى الحياة والعالم خصوصاً ان الابداع في احد جوانبه استجابة اللاوعي الفردي والجمعي لما يدور من وقائع، وخصوصاً اكثر ان صورة هذا الابداع تكاد تكون مجهولة من المشاهد العربي في ظل الحصار الاسرائيلي الخانق وفي ظل دعوات مقاومة التطبيع العربية التي كان من نتائجها المباشرة للأسف فرض العزلة على المبدعين الفلسطينيين وحجب نتاجاتهم عن وسائل الاعلام العربية، ناهيك بإهمال دعوتهم الى المؤتمرات والمهرجانات الادبية والفنية التي تعقد في الاقطار العربية. وفي تقرير البديري حوارات مهمة مع عدد من المثقفين تستحق المناقشة الجادة للوقوف على واقع الحياة الثقافية في فلسطين اليوم من أجل رؤية ما تعانيه الثقافة هناك وما تحتاجه كي تتمكن من اطلاق طاقاتها الابداعية في صورة اشمل وأكثر جمالية. ومن شاهد التقرير المذكور سيلمس حقيقة اولى وأساسية، هي ان اهم ما يتحقق من ابداعات ادبية وفية يتم في صورة فردية لدى هذا المبدع او ذلك. وهي مسألة مفهومة وطبيعية بالنسبة للابداعات ذات الصوت الواحد كالشعر والقصة والرواية ولكنه في الفنون متعددة الاصوات، كفن السينما مثلاً، غير ممكن بل غير مقبول اذ تحتاج هذه الفنون وجود مؤسسات ادارية تمتلك الامكانات ووسائل الدعم التي يمكن ان توفر للفنانين مناخات ابداعية مناسبة. وبدت هذه الفكرة بالذات في حديث الممثل والمخرج الفلسطيني المعروف محمد بكري صاحب الابداعات الفنية المتعددة والمتميزة وآخرها فيلمه عن جنين. واضح هنا ان الحياة الثقافية في فلسطين تحتاج اهتماماً اكبر من تلك الزيارات الخاطفة التي تقوم بها في فترات زمنية متباعدة هذه القناة الفضائية او تلك، لأن من المؤسف حقاً ان معظم الافلام السينمائية الفلسطينية يتحقق اليوم بفضل مساندات انتاجية تقدمها محطات تلفزيونية عالمية مما يدفع للسؤال عن دور المحطات العربية المفقود. في تقرير البديري تجول في مناخات ثقافية فلسطينية عكست مواقف ومشاعر الفنانين والادباء مثلما اضاءت جانباً من حياة الناس العاديين، فهل تتكرر التجرية؟