في حمى حملات مقاومة التطبيع، التي انطلقت منذ مؤتمر مدريد للسلام بين اسرائيل والدول العربية، أطلق المبدع الراحل اميل حبيبي تحذيراً من أن يتحول عزل اسرائيل، الى عزل للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ناهيك بالطبع عن فلسطينيي الجليل والمثلث والنقب، الذين يحملون جوازات سفر اسرائيلية تدفع البعض لعزلهم، باعتبارهم جزءاً من كيان العدو، بحسب أفق هذا البعض ومدى رؤيته. نتذكر تحذير الراحل اميل حبيبي هذه الأيام، وقد صرنا نبحث بشق الأنفس عن مجموعة شعرية أو قصصية لهذا المبدع الفلسطيني أو ذاك، حتى باتت خريطة الابداع الأدبي الفلسطيني الجديد غائبة ومغيبة، لا نكاد نعرف عنها الا القليل القليل. والمفارقة المبكية - المضحكة أن هذا التعتيم يقع في ظل الانتفاضة الفلسطينية الباسلة، أي في ظل انخراط الكتّاب والمثقفين الفلسطينيين في أتون معركة الاستقلال الوطني، التي يخوضها شعبهم، ويواجهون خلالها كل يوم، بل كل ساعة أهوال الحصار الشرس، واعتداءات الدبابات وطائرات الأباتشي، وعمليات الاغتيال المنظم، فوق أهوال الجوع والبطالة، وعدم المقدرة على التنقل داخل مدنهم، أو بينها وبين المدن الأخرى. من يعزل من في حال كهذه؟ بل كيف يمكن للثقافة الوطنية الفلسطينية أن تكون سلاحاً لمواجهة العدوان، ولا تجد طريقها الى عواصم الثقافة العربية الأم، التي تنتمي اليها، وتشكل جزءاً لا ينفصل عنها؟ المطلوب فك الحصار عن الثقافة والمثقفين في فلسطين. هذه دعوة لا نريد ان تكون خيالية، تصطدم كالعادة بالحديث عن أزمة الكتاب العربي وحرية تنقله، وما الى ذلك من أزمات عربية باتت معروفة ونعيشها جميعاً، ولكننا على رغم ذلك نقول ان الحلول ممكنة - ولو جزئياً - إذا عملت وزارات الثقافة، واتحادات الكتاب العربية جهداً عملياً في هذا المجال.يمكن مثلاً أن تقوم هذه الوزارات والاتحادات بشراء كميات من الكتب الأدبية التي تصدر في فلسطين، وتوزيعها في أقطارها... كما يتوجب أيضاً أن تقوم هذه الوزارات والاتحادات بدعوة المبدعين الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة الى مهرجاناتها ومناسباتها الثقافية، وحتى أن تنظم لهم مهرجانات ثقافية خاصة من دون ان تحتاج الى مناسبة أو ذريعة. نقول ذلك، من دون ان ننسى بالتأكيد دور الإعلام التلفزيوني، الذي صار لمحطاته مراسلين في فلسطين، يلاحقون كل رجال السياسة والإعلام، ويصمتون عن الكتّاب والمبدعين، فلا يقدمون لقاءات معهم، ولا ينقلون شيئاً من عوالمهم الابداعية الى المشاهد العربي في أقطاره المختلفة. انهم يعيشون هناك هول الحصار الاسرائيلي، فلا تدعوهم يواجهونه منفردين، ولا تضيفوا الى حصارهم حصاراً آخر.