أصبح واقع عاصمة ثقافية مثل بغداد قائماً على نوع شديد الخصوصية من المفارقات التي تفرزها الحياة اليومية فيها ليعيشها إنسانها على اكثر من صعيد. ففي الوقت الذي تعصف فيه دوامات الموت والعنف بكل شيء، نجد، في المقابل، روح العمل تتوزع على إطراف الحياة اليومية. وفي الوقت الذي لا يخلو يوم من حادث اغتيال لعقل مفكر، او روح مبدع، او عابر بسيط نجد هذه الحياة تزدحم بالمعطيات المعبرة عن حيوية هذا الإنسان من معرض للفنون التشكيلية الى عروض مسرحية الى كتابة وتأليف وطباعة وكأن هذه"الإطراف"مجتمعة تعلن، مرة واحدة، وقوفها بوجه الموت متحدية إياه بروح الحياة والحيوية الإنسانية المبدعة فيها. وفي الوقت الذي لا تجد صالات العرض السينمائي"الجمهور"الكافي الذي يشجعها على مواصلة عروضها، او تحديث هذه العروض... نجد بين الجهات الثقافية العاملة اليوم في بغداد من يقدم على تنظيم مهرجان السينما... كما فعل"ديوان الشرق ? الغرب"، الذي تقف وراء نشاطاته الشاعرة أمل الجبوري، وذلك باقامة"مهرجان الأفلام الألمانية الأول في العراق"الذي لم يكتف بتقديم العروض السينمائية وحدها، وانما انتدب لكل فيلم ناقد من نقاد السينما العراقية، محيطا ًكل فيلم منها برؤية نقدية تحليلية، بعضها ركز على العمل بذاته، وبعضها الآخر وضع الفيلم الذي تناوله بالنقد والتعليق في سياق حركة السينما الألمانية، او الأعمال الأخرى للمخرج. وهذا ما جعل من المهرجان مهرجاناً فنياً بامتياز، اذ وضع عروضه في أبعادها الفنية الحقيقية، وفي سياقات ما للسينما الألمانية من تاريخ - وكان هذا بذاته هو ما جعل جمهور المهرجان "جمهوراً نخبوياً"، شاهد العروض واستمع الى الآراء المقدمة حولها وشارك في حوار حول السينما امتد أربعة أيام. الأفلام التي قدمت على مدى هذه الأيام كانت ثمانية بمعدل فيلمين في كل يوم، وكان اختيارها من بين نحو أربعين فيلماً ستقدم في عروض أسبوعية في قاعة"الديوان" تراوح طول الفيلم منها بين 100 دقيقة و12 دقيقة. وهي: *"الراكب من دون تذكرة": إخراج: بيبي دانكفارت ويتناول التفرقة العنصرية بأسلوب كوميدي، حيث تبدي سيدة عجوز ألمانية تبرمها من المهاجرين السود والأتراك الى ألمانيا على مسمع شاب اسود يجاورها في المقعد داخل الترام، إزاء لا مبالاة الركاب، فيقتص منها الشاب الزنجي بمفارقة ودودة، وقد سبق ان حصل هذا الفيلم الألماني على جائزة اوسكار اميركية. *"يمكننا ان نكون صارمين": إخراج: د. ف. بوك وهو كوميديا سياسية عن أميين ألمانيين يصطحبان روسياً فينعدم التفاهم بينهم من جهة والعالم من جهة أخرى. قصة الفيلم ينتظمها خيط الايمان بالحرية. *"ليا": اخراج ايفان فيلا بالألوان، يعكس نظرة خرساء للعالم من خلال فتاة تعاني من قسوة ذويها حد بيعها رقيقاً، الا انها تديم مراسلة أمها الميتة. *"زائد ناقص صفر"إخراج يوري مور صور الفيلم كريبورتاج على أسس جمالية من دون سيناريو خلال 11 يوماً. يدور حول مهاجرة غير قانونية الى ألمانيا وعامل فاشل مطلق معزول اجتماعياً. *"القمر البرتقالي": اخراج يواكيم ماسانيك ويتابع مراحل حياة فتاة يتنقل والدها بين المدن نتيجة عمله مهندساً مما يقلق انتماءها الاجتماعي، وهو ثاني انتاج تجريدي لهذا المخرج، صوره في مدرسة السينما والتلفزيون / ميونيخ. *"البلد الساكن": اخراج اندرياس داريزن، وهو يعكس حماسة مخرج فرقة مسرحية، تتفاوت مع كسل أعضائها، الفرقة تتناظر مع الوضع السياسي السائد، وجمع بين الكوميديا والتراجيديا. *"فتاة الغابة السوداء": اخراج هاني دبية، وهو كوميديا اجتماعية حديثة، ادار المخرج شخصياته بحذر وهي تتنقل بين مزارع الريف وملاهي المدينة. *"قوانين كرة القدم": إخراج تومي ويكاند ويدور حول مراهنات المقامرين بكرة القدم، يوم كان نادي شالكه الألماني نادياً لعمال المناجم. الفيلم يستعرض انهيارات الرياضيين. وقد استذكر المهرجان في حفل اختتامه اثنين من رواد السينما الراحلين في العراق هما: الناقد والسيناريست سامي محمد، والمخرج كامل العزاوي، مكرماًً ذكراهما ومشيداً بجهودهما في خدمة السينما.