اصيبت كشمير بزلزال كارثي في شهر رمضان الكريم. هذا الاقليم منكوب بالتشطير وبالنزاع الهندي ? الباكستاني منذ سبعة عقود. الزلزال أدى الى موت 2200 في كشمير الهنديه ذات الغالبية المسلمة والاقلية الهندوسية والبوذية والى موت اكثر من 55000 الفاً في كشمير الباكستانية - أي ان المسلمين في شطري كشمير كانوا هم الضحايا الامر الذي كان يتطلب استجابة عربية اسلامية فورية وقوية على المستويات الرسمية والاهلية. لكن ما حدث هو ما اعتدنا عليه. اذ يظل الدعم الحكومي الذي يتفاوت من بلد الى آخر هو الابرز، اما الجهد الاهلي فإنه غائب غياباً شبه تام، باستثناء معونات محدودة تقدمها جمعيات الهلال الاحمر وبعض نقابات الاطباء والصيادلة في عدد من الدول العربية وليس كلها. وليت الامر يقف عند هذا القصور الفاضح ازاء اخوة لنا في الدين ويعوض بجهد من قبل من يرفعون لواء الاممية الاسلامية الذين فضلوا على هذا الجهد اصدار فتاوى تثبط العزائم وتعزو ما حدث الى انتقام وغضب إلهيين بدلاً من حث الناس على تقديم المساعده لانقاذ اخوانهم المسلمين وتقديم جميع انواع الاغاثة لهم. مثل هذه الفتاوى السريعة والمدمرة، الى جانب ما دمرته الطبيعة، بعيدة عن الدين وعن العلم ولا تؤدي إلا الى مضاعفة آثار الكارثة لأن احداً لن يتشجع على معارضة الارادة الالهية ويمد يد العون. هذه الفتاوى الجاهزة سمعناها في كارثة تسونامي في كانون الاول ديسمبر 2004 التي كان معظم ضحاياها من المسلمين في سريلانكا واندونيسيا وحتى في تايلاند واثناء إعصاري"كاترينا"و"ريتا"في الاسابيع القليلة الماضية في الولاياتالمتحده الاميركية. هذا التفسير الجاهز غير المكلف الذي يفتقد الى التروي والأناة قيل في زلزال اليمن في 13 كانون الأول 1981 الذي كان من ضحاياه طلاب مدرسة ومصلون في جامع في قرية نائية بعيده عن مظاهر الحياة العصرية الموسومة بالفساد والانحلال من جانب اصحاب هذه الفتاوى الذين لا يرفضون ترف هذه الحياة ووقتها قيل ان سبب ذلك الزلزال هو تعاظم المنكرات وكثرة الذنوب مع ان منطقة الزلزال منطقة ريفية فقيرة تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة لا تمكنها من التمتع بترف المنكرات التي تحيط باصحاب الفتاوى من كل الجهات. بعد زلزال كشمير مباشرة توقعت ان يتطرق خطيب الجمعة في خطبته الى هذا الزلزال وان يدعو المصلين الى التبرع لضحاياه من اخوانهم المسلمين لكنه لم يفعل، وما قاله لم يكن سوى تكرار لمقولات مثل اننا امة لا تنفع، وغثاء كغثاء السيل اضافة الى تضرعه الى الله ان ينصر هذه الامة المهزومهة. ما يحدث في المساجد وفي الفضائيات من فتاوى سريعة جاهزة تصلح لكل زمان ومكان ومدفوعة الأجر هو نتيجة لغياب المنظمات الاغاثية التي باعمالها تنشر وعياً اغاثياً لا يستجيب لهذه الفتاوى ويقلل من آثارها الفاجعة ويخلق وعياً بأن اي كارثة في اي جزء من العالم ومهما كان دين ضحاياها كارثة انسانية تستحق التبرع لضحاياها عينياً ومادياً. هذه المنظمات غير موجودة حتى لاغاثه منكوبي أي كارثة وطنية. ولذلك نشهد ان جل الدعم للمصابين بالكوارث يأتي من العالم الذي نعتبره غير انساني ومنحلاً ومنحط القيم ومنزوع العواطف. في بريطانيا على سبيل المثال عندما تحدث كارثة في اي مكان في العالم تسارع منظمات الاغاثة الى دعوة الناس للتبرع عبر الصحف والاذاعات والتلفزيون من اليوم الاول لحدوث الكارثة وتوضح لها كيفية التبرع بوسائل عديدة وتتبارى الصحف بدعوة الناس الى التبرع عن طريقها وتعلن من حين الى آخرالمبالغ المالية التي تمكنت من جمعها ولا تفرق بين ضحايا كارثة في بنغلادش المسلمة او ايران المستعصية على الغرب او جنوب شرق آسيا - تسونامي - او اميركا الحليفة. هذا الأمر يغيب عندنا اذ نشعر بأن الواجب قد ادّي بالكامل عندما نشاهد ان طائرة ذهبت تحمل مواد اغاثة و كأن ما تقوم به الحكومة من جهد محدود فيه البركة والكفاية. ولذلك لا غرابة ان تكون كفة الحسنات لصالح الدعم الذي يأتي من الغرب الكافر. لنتذكر اننا لم نقدم شيئاً الى ضحايا المجاعات في اثيوبيا جارتنا القريبة وجلهم كانوا لا يزالون من المسلمين، وذلك في السبعينات من القرن الماضي و ما تلاه من عقود. في الغرب يعيش الانسان مع الكوارث وتطوراتها نتيجة التغطية الاعلامية المتواصلة والرسائل التي تصل بالصوت والصورة من موقع الكوارث اولاً بأول والتي لم تتوقف من كشمير لمدة ثلاثة اسابيع متواصلة، اما نحن - خير امة اخرجت للناس التي لا يحرجها تقاعسها فإن خبر طائرة الاغاثة اليتيمة لا يأتي الا بعد الاخبار المملة المكررة. في ال"بي بي سي"ظل خبر كارثة كشمير يستأثر بالاسبقية حتى على خبر العملية الانتحارية الفلسطينية في الخضيرة في 28 اكتوبر. اي وعي يخلقه الاعلام العربي لانقاذ اي منكوب مسلم او غير مسلم؟ الجواب محبط. ونعجب عندما نسمع ونقرأ دوماً اننا امة مسلمة واحدة مثل الجسد الواحد الى آخر الحديث الشريف. ونعجب اكثرعندما يغلب البعض الرابطة الاسلامية على الرابطة القومية، باعتبار ان القومية عصبية وجهالة، لكن في اوقات الكوارث التي تصيب مسلمي بنغلادش في الفيضانات المتكررة، لا يجد هولاء يد اغاثة ممتدة الا من الآخر الذي نزرع بذور كراهيته في مساجدنا وتسجيلات الكاسيت الدينية التجارية وبعض كتبنا الصادرة عن اساتذة الكراهية والجهالة. اننا نعيش انفصاماً وحالاً من الانانية لا مثيل لهما. قد نجد بعض العذر للفقر المتفشي في بعض الدول العربية ولكن حتى هذه الدول فيها شريحة غنية كبيرة العدد وقادرة لكن الانسانية لديها فقيرة. ان الاغاثه ثقافة قبل ان ترتبط بمقدار الثروة. بصراحة هذه الثقافة غائبة عندنا برغم ما نقوله ونسمعه عن اننا أمة الرحمة واغاثة الملهوف والمظلوم والمنكوب وبرغم ان اي مساعدة لمنكوب في اي جزء من اجزاء الارض لن يذهب هدراً بل يحسب رصيداً لصاحبه يوم الحساب، وبصراحة أخرى فإن رجال الدين ووعاظ الفضائيات لا يهتمون بشؤون الدنيا قدر اهتمامهم بشؤون الآخرة ويحصرون رسالتهم في الوعد والوعيد وعذاب القبر. مع ان اغاثة الغير حسنة كبرى تساعد على النجاة من النار وتجنب هذا العذاب يا رجال العذاب. ان رجال الدين ليسوا فقط نتاج ثقافتهم وانما هم نتاج ثقافة مجتمعهم وقيمه وسلوكه وهم للأسف يسايرون بيئة تفتقر للعقلانية ويساعدون على بقاء هذه البيئة على ما هي عليه ويستسهلون الايغال في توكيد مقولاتهم بأن كل مصائبنا سببها بعدنا عن الدين، غير مدركين اننا اكثر تديناً من الاسرائيليين الذين يلحقون بنا الهزيمة تلو الاخرى في كل مجال ومع هذا فإن الدين لا يفعل فعله في سلوكنا اليومي، وابرز مثال تجاهل الكوارث التي تفت في عضد الجسد الاسلامي. في القرون الوسطى كانت الكنيسة تستخدم المنطق نفسه الذي لا نزال نستخدمه في القرن الواحد والعشرين وقد حدث في البرتغال زلزال مدمر وكان تفسير الكنيسة البرتغالية ان هذه رسالة الهية بسبب انتشار المعاصي والمفاسد وجاء الرد يومها من لندن يوضح بأن لندن تعيش مفاسد ومعاصي اكثر من لشبونة بكثير فلماذا اختار الله لشبونة ولم يختار لندن. التوظيف السلبي للدين أمر خطير وضار ويعد فساداً في حد ذاته. في الثمانينات من القرن الماضي حدثت فيضانات مدمرة في السودان وبسبب نفوذ تيار الاسلام السياسي في الجمهورية العربية اليمنية - اليمن الشمالي سابقاً - ووجود نفس التيار في الحكم في السودان حشد الخطباء جهودهم لدعم السودان وكانت النتيجة ان المتضررين من الفيضانات كانوا يأكلون وجبات طازجة تخرج يومياً من مطابخ الأسر اليمنية ولعب الاعلام اليمني دوراً ايجابياً حينذاك. ولكن بعد عام واحد فقط حدثت نفس الكارثة في جزء من اليمن واصاب الاهل في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية - اليمن الجنوبي سابقاً - لكن هؤلاء الخطباء انفسهم اصيبوا بالخرس. لماذا؟ لأن قيادات الاسلام السياسي كانت ترى في الجنوب خصماً كافراً، ولم تفرق بين النظام والشعب الذي كان يؤم المساجد ويصوم و يزكي الى آخره... و اقتصر الدعم على الحكومة وحدها. هذا مثل صارخ آخر على كيفية توظيف الدين لأغراض سياسية من جانب من يزعمون انهم يحملون رسالة دينية اممية سامية. ولذلك لا غرابة ان انجح هيئة اغاثة اسلامية نشأت في مدينة برمنغهام في بريطانيا، ومن المؤكد ان اختيار هذا المقر لم يكن عشوائياً وليس من المستبعد انه لو كان مقرها في اي عاصمة عربية او اسلامية لكان اداؤها كسيحاً ومشكوكاً في صدقيته. هذه الهيئة تقوم بأعمال انسانية جليلة في اي بلد يتعرض للكوارث، وهي لا تفرق بين الهندوسي والبوذي والمسلم والمسيحي. هل السبب لأنها تعمل في بيئة متسامحة وانسانية اكثر من بيئتنا التقسيمية المنغلقة. الجواب نعم كبيرة، وهذا سبب ان هذه الهيئة الفتية تتلقى معونات كبيرة حتى من غير المسلمين، لأن رسالتها انسانية غير عوراء. الانسانية بعد غائب عنا حقاً ومن سيس الاسلام لاغراضه الخاصة يكيل بمكيالين مثل الولاياتالمتحدة الاميركية سواء بسواء. كاتب يمني.