ينتظر الناجحون في البكالوريا معدلات القبول في الجامعة برعب لا يقل عن رعب خوض الامتحانات، إذ تلعب"علامة واحدة"دوراً مصيرياً في تحقيق احلامهم. فهذه العلامة، هي التي ستقود صاحبها الى الهلاك في حال فقدها، سواء في مادة التربية القومية ام الفيزياء، وقد تكون نتيجة خطأ في معرفة معنى بيت لأحمد شوقي. وعلى رغم النداءات المتكررة في تصحيح وضع المنهاج المدرسي وطريقة الامتحان، الا ان الأمر لم يتغير. فعبور برزخ البكالوريا، يشبه حكاية التنين الذي يحجب الشمس في بعض الحكايات الأسطورية. وسيفاجأ كثيرون، تبعاً لعلاماتهم، انهم مقبولون في معهد الصناعات النسيجية او معهد تكرير النفط، وربما معهد البيطرة. وفي هذه الحال، ستنسحب الأحلام الى الوراء في دخول كلية جامعية مرموقة، تحقق رغبات هؤلاء الشباب الذين بسبب صداع مفاجئ - ربما - لحظة الامتحان، فاتهم ان يكتبوا اجابة دقيقة عن سؤال ما، ما اطاح بمستقبلهم. وتتفاوت رغبات الشباب السوري اليوم، بين دخول كليات الهندسة الإلكترونية والمعلوماتية، وبين دخول المعاهد الفنية، وكلية الفنون الجميلة، بعدما كانت الأجيال السابقة، تحت إلحاح الأهل، ترغب في دخول كلية الطب على نحو خاص، حتى صار عدد الأطباء، اكثر من عدد المرضى، والبعض لم يتمكن من تجهيز عيادة لائقة، على رغم تخرجه منذ سنوات، واكتفى بفتح"دكان"في احدى القرى الريفية النائية وأطلق عليه اسم"عيادة طبية". وكانت"الدول الاشتراكية الصديقة"، فتحت باباً لعدد كبير من المحظوظين للحصول على شهادة عليا في الطب او الهندسة، ما جعل"الدال"، يحصل عليها أي عابر سبيل، مثلما يحصل على"كاميرا فيديو ديجيتال"من"المول"، او من طريق المراسلة. اما اليوم فقد اصبح هذا الحلم بعيد المنال، خصوصاً ان وزارة التعليم العالي، وضعت شروطاً صارمة لقبول شهادات كهذه"مزورة"في الغالب. منذ سنوات اتصل احد النافذين بقريبه طالباً منه ان يحضر الى العاصمة على جناح السرعة، قبل ان تنفد"المنح"المقررة لوزارته. فجاء شقيقه حاملاً شهادة"الثانوية الصناعية". في اليوم التالي، وحين قابل ابن ضيعته, قال له: لدي منحتان، واحدة الى رومانيا لدراسة البيطرة، وأخرى الى تونس لدراسة المسرح، فاختر واحدة منهما. وبعد تفكير، قرر الشاب اختيار رومانيا بإغراء الدراسة في بلد اجنبي. لكنه بعد اشهر شعر بملل، اذ لم يجد نفسه في البيطرة، فاتصل بقريبه، وأخبره بالأمر. فما كان منه الا ان طلب منه العودة على اول طائرة، اذ ان منحة"المسرح"لا تزال في ادراجه، وهكذا وجد الشاب نفسه يدرس المسرح، من دون أي اهتمام سابق، حتى انه لم يشاهد مسرحية في حياته! آخر ذهب الى موسكو، وهو لا يعلم ما نوع المنحة التي اهداها إليه قريبه، وبعد خضوعه الى امتحان القبول وخروجه من قاعة اللجنة، سأله صديقه: ما هو الاختصاص الذي ستدرسه؟ فأجاب الشاب:"عم يقولوا سيناريو"، ولكن ماذا تعني كلمة سيناريو؟