قبل دقائق من اغتياله يوم 14 شباط فبراير، توجه الرئيس الشهيد رفيق الحريري بصحبة النائب الشهيد باسل فليحان والوزير السابق سمير الجسر، من مقر البرلمان الى مقهى"الأتوال"في وسط بيروت. وكان في المقهى عدد من الصحافيين، بينهم الزميلان في"الحياة"وليد شقير ومحمد شقير، والزملاء علي حمادة وفيصل سلمان وعبدالهادي محفوظ والنائب أيمن شقير والناطق باسم الأممالمتحدة في لبنان نجيب فريجي. وكان ذلك عقب محاولة اغتيال الوزير السابق مروان حمادة. ولدى دخول الحريري المقهى للجلوس مع الصحافيين والأصدقاء، قال له أحدهم: إذا جلست الى طاولة فريجي فهذا يعني انك على طاولة القرار 1559، وإذا جلست الى الطاولة الأخرى فهي طاولة اتفاق الطائف. فرد الحريري داعياً فريجي للجلوس معه على طاولة ثالثة:"شايفلك ان لا طاولة 1559 ولا اتفاق الطائف، أخشى أن تكون طاولة القرار 1566"، مضيفاً لفريجي:"أنت الوحيد الذي فهمني". هذه"النبوءة"التي أطلقها الحريري قبل دقائق من اغتياله قد تصبح واقعاً بعد تقديم القاضي الألماني ديتليف ميليس تقريره النهائي عن اغتيال الرئيس الشهيد، وذلك نهاية تشرين الأول اكتوبر المقبل. فمن الواضح أن التقدم الذي أحرزه ميليس في تحقيقه وحصوله على أدلة واضحة حول عدد من منفذي الجريمة، سيتيح للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان أن يقدم لمجلس الأمن تقريراً مفصلاً عن جريمة اغتيال الحريري. والمرجح أن تطلب دول مجلس الأمن، بناء عليه، تطبيق القرار 1566، الذي ينص على أن الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره يمثل أكبر تهديد للسلام والأمن الدوليين، ويطالب كل الدول بمكافحة مثل هذه الأعمال بعقوبات توازي خطورتها. وبعدما أقر مجلس الأمن أن اغتيال الحريري كان عملاً إرهابياً، أصبح من المتوقع أن يطبق مجلس الأمن الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. لعل التوقيفات التي تمت في لبنان أمس، بطلب من ميليس، وبهدف الحصول على المزيد من التدقيق والتحقيق في اغتيال الحريري، تشير الى أن القاضي الالماني سيذهب الى النهاية في تحقيقه، وسيقول الحقيقة كاملة، ما سيغير الكثير من الأمور على الأرض في بيروت في الخريف المقبل. ولا شك أن أجواء التخويف التي اشيعت مع معلومات عن تهديدات للزملاء جبران تويني وهاني حمود وعلي حمادة ستزيد من عزم ميليس والمجتمع الدولي على اظهار الحقيقة والكشف عن المسؤوليات. كانت مذكرات جلب المسؤولين الأمنيين السابقين أمس بمثابة قنبلة، ولا بد أنها تؤكد أن ميليس عازم على قول كل الحقيقة، والكشف عمن اغتال عملاق العلاقات الدولية، الحريري ورفاقه ومن بعدهم الزميل سمير قصير وجورج حاوي. فهذه جرائم مترابطة وسيكشف عن مرتكبيها وستظهر الحقيقة. إن نشر أجواء الخوف والتهديد للزملاء الصحافيين وحملهم على مغادرة لبنان حفاظاً على حياتهم، سيعزز عزم المجتمع الدولي على الكشف عن المجرمين وملاحقتهم ومحاكمتهم أياً كانوا. والمعروف عن ميليس أنه قاضٍ لا يخشى أحداً، وهو من زملاء وأصدقاء القاضي الفرنسي جان لوي بروغيير المهتم بملف الإرهاب، ومن الطينة نفسها، أي أنه لن يتوقف أمام أي ضغط سياسي. ومن يشكك بأن ميليس سيكشف الحقيقة مخطئ، لأنه آت بمفاجآت أضخم.