أدرجت اثنتان من دول اتحاد المغرب العربي الخمس، وتحديداً تونس والمغرب، بند جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة في صلب خطتيهما الخمسية الأخيرة، بحيث بات هذا العنصر الى جانب تنمية الصادرات وتنويع اتجاهاتها بعدما كانت شبه محصورة بالاتحاد الأوروبي، الذي وقعتا معه في السنوات الماضية اتفاقات شراكة ضمن اطار اليورو ? متوسطية، ضرورة فيما لو أرادتا تقليص العجز المالي لموازناتها، وكذلك تمويل المشاريع الحيوية التي اضطلعتا بها، والهادفة الى محاربة الفقر وخفض معدلات البطالة ومواكبة شروط العولمة بأقل خسارة ممكنة. فإذا كان المغرب لم يتمكن، خلافاً لتوقعات مسؤوليه الماليين، من جذب الاستثمارات التي كان ينشدها في العام 2005 على رغم تخصيص جزء اضافي من شركة"اتصالات المغرب"، والتدفق التدريجي الذي بدأ في اطار"طنجة ? ميد"، بدخول رساميل خليجية من الامارات العربية المتحدة، وأخيراً من قطر، الا ان تونس نجحت بالاقتراب من الهدف المحدد بهذا الشأن ضمن استراتيجيتها. ويعود ذلك بحسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين التي اعتُمدت في تحديد سقف هذه الاستثمارات الخارجية المباشرة، آخذة في الاعتبار النمو البطيء الحاصل في منطقة اليورو. ناهيك عن قوة سعر صرف هذه العملة الموحدة، ما أحدث ارباكات في اقتصادات بلدان المجموعة وشركائها المغاربين، عدا ليبيا التي تتردد حتى الساعة بالانضمام لمسار برشلونة، مُفضلة كما سبق وذكر وزير ماليتها محمد لحويج انتظار ما ستؤول اليه عملية انضمام الدول العشر لشرق ووسط أوروبا. واذا كانت هذه الاستثمارات لا تمثل سوى 8/1 من مجموع الاستثمارات في تونس، أي ما يوازي 3 في المئة من ناتج الدخل القومي، الا انها اقتربت من عتبة تغطية العجز الجاري. لكن الأهم هو أن هذه الأداة التمويلية تضاعفت أكثر بقليل من عشر مرات في خمس سنوات، من 1995 الى 2004، وذلك على صعيد الصناعات المختلفة. ومن العوامل الأخرى التي ساعدت تونس - هذا البلد الصغير عدد سكانه لا يتجاوز العشرة ملايين نسمة، والذي يملك على غرار جارتيه الجزائر وليبيا، ثروات طبيعية من الطاقة تمكنه من مواجهة الصعوبات الاقتصادية مثل ارتفاع أسعار النقد أو التذبذبات الحادة لسعر صرف العملات الأجنبية الرئيسة - قدرتها وحظها، في آن معاً، على جذب الشركات المتعددة الجنسيات، حتى ولو كانت الاستراتيجيات العامة لهذه الأخيرة تتجه نحو الأسواق الكبرى. في هذا السياق، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يرى الخبراء أن قيام مجموعات أوروبية مثل"ساجيم"الفرنسية أو مرسيدس الألمانية، بالتركيز على تصنيع المعدات الالكترونية المتقدمة والمُكمِلة التي تصدر لاحقاً للأسواق العالمية، هو دليل على ملاءمة مناخ الاستثمار في تونس لمقاييسها. ولا ينطبق هذا الوضع، في الوقت الحاضر على الأقل، وفي المدى القصير أيضاً على بلدان المنطقة الأخرى، ما عدا المغرب. ويدرك المشرفون على السياسة الاستثمارية في تونس الحقائق على رغم مراراتها - بمعنى ان الاستثمار في منطقة شمال أفريقيا مقارنة بحجم الاستثمار الخارجي في أنحاء العالم، لا يزال متواضعاً جداً. ويقرون بأنه خارج اطار قطاع الهيدروكربورات، ليس هنالك حالياً سوق محلية متطورة. كما ان القوة الشرائية الضعيفة لا تشجع بما فيه الكفاية على الاستثمار في منطقة المغرب العربي. لذلك، تحاول تونس تحسين مناخ الاستثمار فيها على أمل جذب الاستثمارات"الموضوعية"، غير المبالغ فيها بصورة منتظمة، مراهنة كالمغرب - حتى لو بدأت هذه الدولة التوجه بشيء من التأخير نحو دول الخليج العربي - على القارة الأوروبية. لكن شعور هؤلاء المشرفين على السياسة الاستثمارية في تونس يشير الى ان الأوضاع لا تتحرك بما فيه الكفاية. لذا كان"ملتقى قرطاج حول الاستثمارات الخارجية، الذي عقد في شهر حزيران يونيو الماضي، مركزاً على مستثمرين كبار جدد من خارج منطقة الاتحاد الأوروبي، على وجه التحديد من الدول الآسيوية مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان. وكذلك من الولاياتالمتحدة. لكن، طالما ان 80 في المئة من المبادلات التجارية هي مع أوروبا، فإن من الطبيعي أن تأتي غالبية هذه الاستثمارات الخارجية، والحالة هذه، من هذه المنطقة. وتراهن تونس حالياً على عقد"القمة العالمية حول مجتمع المعلومات"على ارضها في شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل، والذي سيحضره اضافة الى نحو 50 رئيس دولة ورئيس وزراء من جميع أنحاء العالم بحسب التوقعات، العشرات من رؤساء مجالس ادارة ومديرين عامين لكبريات الشركات المُصنعة للتكنولوجيات الحديثة مثل مايكروسوفت وآي بي ام ونوكيا وغيرها. فرصة نادرة لتونس كي"تسوّق"كفاياتها كمركز جذب اقليمي للاستثمارات الخارجية المباشرة. خصوصاً انها تمكنت في السنوات الأخيرة من انشاء عدد من"قرى"استوعبت العشرات من مؤسسات تكنولوجيا المعلومات، سواء في ضاحية"آريانه"أو غيرها. وتراهن تونس في نهاية هذا العام على زيادة بنحو 8 في المئة لهذه الاستثمارات الخارجية حتى تتمكن من تحقيق زيادة بنقطة واحدة في معدل النمو. ما سيسمح بتراجع معدل البطالة الى ما يقارب الپ11 في المئة. وكما المغرب، تلعب تونس ورقة التخصيص بهدف جذب الاستثمارات مع فتح رأسمال"اتصالات تونس"في بداية العام كحد أقصى. ويرى الاقتصاديون التونسيون أن لو تمكن البلد من الحفاظ على وتيرة الاستثمارات الخارجية المباشرة بالزيادة نفسها، فإنها ستنمو بمعدل 50 في المئة من الآن وحتى 2009. وعلى رغم هذه المؤشرات الايجابية لنجاح تونس في الامتحان الأول لجذب الاستثمارات المعنية، ودائماً وفق قاعدة اعتماد الموضوعية والواقعية في التقديرات وفي تحديد السقف، يطرح السؤال التالي:"هل ان التخصيص سيبقى حجر الزاوية في حساب حجم هذه الاستثمارات، أم أن تونس ستخفض مستوى تبعيتها لها من خلال التوظيف الصحيح للقمة العالمية حول مجتمع المعلومات"؟ الجواب بعد عقد هذه الأخيرة بعد أقل من شهرين. * باحث اقتصادي.