فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    «الصندوق العقاري»: مليار ريال إجمالي قيمة التمويل العقاري المقدم لمستفيدي «سكني»    إطلاق 3 مشاريع لوجستية نوعية في جدة والدمام والمدينة المنورة    لاكروا: الأمم المتحدة ستعزز يونيفيل بعد التوصل لهدنة في لبنان    كوريا الجنوبية تهزم الكويت بثلاثية    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    حسابات منتخب السعودية للوصول إلى كأس العالم 2026    رسميًا.. رانييري مدربًا لسعود عبد الحميد في روما    القبض على 3 إثيوبيين في نجران لتهريبهم 29,1 كجم "حشيش"    تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    انطلاق فعاليات المؤتمر السعودي 16 لطب التخدير    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    وزير الإعلام يلتقي في بكين مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    بإشراف من وزارة الطاقة الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    ا"هيئة الإحصاء": معدل التضخم في المملكة يصل إلى 1.9 % في أكتوبر 2024    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    رقمنة الثقافة    الوطن    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    عصابات النسَّابة    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    الذاكرة.. وحاسة الشم    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"اقتصاد الخوف" يسيطر على دول المغرب العربي
نشر في الحياة يوم 15 - 11 - 2001

عندما دخل العالم هاجس حرب يجهل كل شيء عن أبعادها ونتائجها، خصوصاً المدة التي ستستغرقها ومخرجها، بدأ الخبراء الاقتصاديون في منطقة المغرب العربي إعداد التقارير والدراسات المتعلقة بانعكاسات هذه الدوامة على الحياة اليومية داخل مجتمعاتها، وتأثير ذلك على مشاريع التنمية التي تم التخطيط لها والبدء بتنفيذها منذ اعوام.
وفي ظل "اقتصاد الخوف" المسيطر اليوم على أفكار وعقول المسؤولين وحيث بات لفت النظر للمخاطر المقبلة مسألة اساسية، أشار احد استطلاعات الرأي التي قامت بها احدى المؤسسات الفرنسية لحساب حكومة مغاربية بعد شهر من عمليتي نيويورك وواشنطن، الى انخفاض النفقات التي تتم عادة عبر بطاقات الائتمان بنسبة 20 في المئة، في حين تدنى مستوى المشتريات عموماً بمعدل 15 في المئة، ما حدا بشركات الاعلان المحلية المروجة للمنتجات الأجنبية المشهورة إلى إلغاء عدد من حملاتها الترويجية التي تسبق عادة شهر رمضان وأعياد الفطر والميلاد ورأس السنة.
ويقول بعض الخبراء ان الاقتصاد الدولي دخل زمن عدم الاستقرار غير المحدد، الذي سيدفع بالأسواق المالية في منطقة شمال افريقيا وجنوب المتوسط لتوجيه استثماراتها وفق قاعدة "المخاطر المحسوبة"، الأمر الذي سيُحدث تباطؤاً سيؤثر من دون أدنى شك في آلية النمو الاقتصادي. ويذهب البعض الى أبعد من ذلك من خلال التأكيد على أن التأثيرات السلبية المحتملة ستؤدي الى تغيير في الأولويات، اذ سيكون من المتوقع بروز زيادات ملحوظة في بند النفقات العسكرية على حساب مصاريف التنمية.
الخسائر كبيرة
ومهما اختلفت التفسيرات حول حجم هذه الانعكاسات وقياس حدتها، الا انه من شبه المتفاهم عليه ان خسارات اقتصادات الدول العربية ستكون شديدة وكبيرة. وإذا كانت قيمة هذه الخسارات تقدر حتى الساعة بعشرات البلايين من الدولارات، إلا أن تداعياتها على الدول العربية الفقيرة، غير النفطية، لن تتأخر باصابتها بشبه شلل، إذ ان ملامح أزمة خطيرة وطويلة الأمد بدأت منذ الآن تلوح في الأفق وبدأت مجتمعات دول المغرب العربي تشعر بتباشيرها السيئة. والنقاش الدائر اليوم في دوائر القرار داخل هذه البلدان لا يتعلق باستشفاف الصدمة المقبلة فحسب بل العمل منذ الآن على تخفيف وطأتها. انطلاقاً من هنا، يُطرح السؤال الآتي: ما هي نتائج هذه التراجيديا الاميركية على مستقبل اقتصادات بلدان اتحاد دول المغرب العربي في المديين، القصير والمتوسط؟ تساؤل يحاول الاجابة عليه منذ الحادي عشر من ايلول سبتمبر الماضي عدد من الاقتصاديين والمحللين الماليين والمصرفيين العاملين في هذه المنطقة. وبالنسبة للذين يحاولون إظهار نوع من التفاؤل الحذر، الهادف لطمأنة النفوس والمستثمرين على السواء، من السابق لأوانه رسم حدود هذه الانعكاسات. في المقابل، ينظر الملتزمون بمبدأ "الواقعية الاقتصادية" الى ما وراء الحملة ضد "طالبان" وأسامة بن لادن، من خلال الجزم بأن العالم العربي بمشرقه ومغربه سيدفع ثمناً ما على الصعيدين الاقتصادي والتنموي. ويقول هؤلاء إن الحكومات داخل هذه الدول لا تبحث بجدية حتى الآن، لا عن تقويم حجم المخاطر المالية ولا حتى الاجتماعية بهدف توزيعها تمهيداً لتجزئة الصدمة واحتوائها لاحقاً. كما انها لم تبذل جهداً يذكر في ايجاد الخيارات البديلة للخروج من الأزمة المستقبلية. ومناخ الهلع المسيطر، الذي تضاف اليه سياسة انتظارية غير واضحة المعالم، تجعل هذه الحكومات عاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة حيال الطوفان الذي أعلن مع الأسف عن قدومه ولو على مراحل.
فرملة الانطلاقة
في هذا السياق، يمكن القول بأن الانعكاسات الاقتصادية على منطقة المغرب العربي تختلف من دولة الى أخرى طبقاً لهيكلة بنياتها. وبالتالي، فإن حجم تأثيراتها لن يكون هو نفسه كما كانت الحال في منطقة الخليج العربي أو حتى في الشرق الأدنى. فالذي ينطبق على مصر، على سبيل المثال، من الصعب افتراضه بالنسبة إلى الجزائر أو المغرب، علماً بأن المخاطر السياسية بالنسبة لدول شمال افريقيا، على رغم وجودها، تبقى من دون شك أقل منها في دول المشرق. وعلى رغم هذا التشخيص، الأقل سلبية من حيث المقارنة، إلا أن اقتصادات الدول المغاربية لن تكون بمنأى هي الأخرى عن العاصفة. فأقل ما يمكن أن يُشار اليه هو أن هذه الظاهرة ستربك عملية التنمية ومسيرة تحرير اقتصادات هذه الدول، معيدة بذلك عقارب الساعة الى وراء.
فالجزائر، الغنية جداً بالهيدروكربورات، راهنت في بداية هذه السنة على بقاء أسعار النفط في حدود 25 دولاراً للبرميل وبنت حساباتها على هذا الأساس على الأقل لسنة أو لسنتين مقبلتين، تمكنها من خفض العجز في موازنتها وخفض دينها الخارجي وخدمته، كذلك إحداث توازن في ميزان مدفوعاتها وميزانها التجاري: وأيضاً اخراج عدد من مؤشراتها الرئيسية من الدائرة الحمراء المتواجدة بداخلها منذ أكثر من عقد. لكن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، فتدني أسعار النفط تحت عتبة ال22 دولاراً كان أولى المفاجآت للقيمين على هذا القطاع، في حين لا تبشر أسعار الغاز والعروض المقدمة حتى الآن ولأجل بآفاق أفضل، مما سيعقد مهام حكومة علي بن فليس، ويعيد الأوضاع إلى المربع الأول مع بداية الفصل الثاني من سنة 2002. ففي حين يتجنب الوزراء الجزائريون المعنيون بالجوانب الاقتصادية والمالية مثل: مراد مدلسي وزير المال، ونور الدين بوكروح وزير التخصيص وحتى شكيب خليل وزير النفط رئيس مجلس ادارة شركة سوناطراك، الحديث عن الانعكاسات المباشرة لاحداث 11 أيلول الماضي على الانطلاقة الاقتصادية التي اعلنت الحكومة خطوطها العريضة في أيار مايو الماضي، ووضعت برامج تحرك في الخارج على أساسها بهدف استقطاب الاستثمارات الخارجية وترويج برنامج تخصيص أكثر من مئة شركة، بادر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بوضع اصبعه على الجرح عندما صرح بعد أيام من الضربة بأن "الدول الصغيرة مثل الجزائر هي التي ستدفع الثمن الأغلى لهذه الأعمال الارهابية". تصريح كلفه هجمة عدد كبير من رجال الطبقة السياسية وبعض وسائل الاعلام الجزائرية، التي اعتبرت هذا الكلام بمثابة دلالة ضعف وعدم ثقة بالنفس وتعمل "الحقرة" تحقير البلاد والانزال من مكانتها لدى الأجنبي.
وفي اطار محاولة استعادة زمام المبادرة والوقوف بوجه "المصطادين في الماء العكر"، نظمت الحكومة سلسلة من الزيارات لوزرائها وأرباب القطاع الخاص من صناعيين ومصرفيين الى بعض العواصم الأوروبية لتقديم الفرص المتاحة للاستثمار والحديث عن مكانة الاقتصاد الجزائري والتطور المنتظم والثابت الحاصل والانفتاح الجاري، الذي لا رجعة عنه، كذلك التخلص من رواسب الاقتصاد الموجه البغيض. بناء عليه، كانت باريس المحطة الأولى حيث عقد بالتنسيق مع "المركز الفرنسي للتجارة الخارجية" ندوة في احدى قاعات مجلس الشيوخ، في الوقت نفسه خصصت موازنة مهمة لصرفها على الاعلام في الخارج على شكل تحقيقات لتلميع صورة الاقتصاد الجزائري وترويج فرص الاستثمارات. لكن أياً من هذه الخطوات لم يتناول، باسم الموضوعية أو الواقعية الاقتصادية، انعكاسات الأعمال الارهابية على الأوضاع في البلاد أو على القطاعات التي يمكن أن تتأثر مباشرة والسياسات الآيلة للتخفيف من حدتها، إذا لم يكن في الممكن امتصاصها تدريجاً. هذه الفجوة الاعلامية دفعت أحد المستشارين الفرنسيين الذين يعملون منذ فترة على تحسين صورة السوق المالية الجزائرية في الخارج للتعليق بانزعاج: "ان ما ينتظره أرباب العمل والمستثمرون سواء في فرنسا أو في أوروبا من خلال حملة التعريف هذه، هو تحديد حجم المخاطر السياسية والاقتصادية بصراحة وليس اعطاء أرقام معروفة تشير الى تقدم بنسبة 1 أو 2 في المئة على الأكثر في مجال من المجالات".
من جهة أخرى، يكمن قلق المسؤولين الجزائريين بالدرجة الأولى من عدم القدرة على تحقيق غالبية الأهداف المحددة بفعل الانكماش العالمي الحاصل، وذلك سواء في الخطة الخمسية أو في الاستراتيجية الجديدة الهادفة إلى التحرير الكامل للنظام الاقتصادي والمالي في الوقت المحدد. لذا، أسرعت الحكومة بالاعلان خلال الاسبوع الماضي عن بناء 25 ألف وحدة سكنية بصيغة "تأجير يلحقه بيع" السنة المقبلة بمساعدة "البنك الاسلامي للتنمية" ودولة قطر. ويرى بعض المحللين في أحد مصارف الأعمال الأوروبية المتعاملة مع الجزائر بأن الانعكاسات ستكون مكلفة كماً ونوعاً لأنها ستعيق عملية فتح بعض القطاعات الرئيسية وفي طليعتها الهيدروكربورات كلية امام الاستثمار الأجنبي، وإرجاء تنفيذ بعض المشاريع التنموية الكبرى بنيات تحتية، زراعة، مناطق حرة، توسيع مرافئ ومطارات، كذلك مشاريع التخصيص بما فيها الماء والكهرباء التي تلقى معارضة شديدة من المركزية النقابية. ويعتبر هؤلاء ان فرملة هذه الانطلاقة ستبقي وضع بورصة الجزائر على حاله من المراوحة حيث لا يتم التداول الآن بأكثر من أسهم تعود لخمس شركات مساهمة. كما سينسحب الانكماش نفسه على عدد من المؤشرات في طليعتها صعوبة تقليص حجم الدين بوتيرة العام السابق والحالي، وتعزيز الاحتياطات النقدية من العملات الأجنبية وحل عدد كبير من المشاكل الاجتماعية التي يعتبرها المراقبون بمثابة القنابل الموقوتة بالنسبة للنظام. ومن سلبيات التأثيرات المتوقعة أيضاً، مضاعفة حجم الموازنة الأمنية والدفاعية التي ستكون حتماً على حساب تنمية عدد من القطاعات الحيوية.
محاولة استيعاب الصدمة
وعن تونس، هذا البلد الصغير الذي لا يملك ثروات نفطية أو غازية وبالتالي فإن تبعية اقتصاده لهذا القطاع تبقى ضعيفة، يرى الخبراء أنه لن يواجه الصعوبات التي ستواجهها الجزائر والمغرب. فبالاضافة لهذا العامل، فلا العقبات البنيوية ولا الظرفية هي نفسها، لذا فإن من المتوقع أن يجتاز المرحلة المعقدة بشكل أفضل. ومن المأمول أن يساهم النمو الاقتصادي المنتظم منذ أكثر من عشر سنوات في حدود ال 5 في المئة باستيعاب جزء من الصدمات الاقتصادية والاجتماعية المعلنة. فالاقتصاد المرتكز بجانب كبير منه على الاهتمام بالجانب الاجتماعي وتخصيص الجزء الأكبر من نفقات الموازنة له والمدعوم بطبقة وسطى فاعلة من شأنه أن يقلل من خطورة الهزات المرتقبة والأخطاء التي يمكن أن تنجم عنها نتيجة حالات الارتباك التي ستحصل لا محالة. مع ذلك، فإن قطاع السياحة الذي يُدر عائدات مهمة للبلد من العملات الاجنبية لا بد أن يتأثر. ولا يتهرب المسؤولون في تونس من الاشارة الى هذا الواقع المر الذي وصف المعنيون تدنيه بهذا القطاع بنسبة تراوح بين 15 و20 في المئة.
لكن، وعلى أية حال، يرى المراقبون بأن الاستقرار السياسي والاجتماعي سيكون عنصراً مساعداً في تجاوز الأزمة. وتراهن السلطات على الدور الذي يمكن أن يطلع به القطاع الخاص في هذه المرحلة. ففي الخطاب الذي ألقاه رئيس الدولة، زين العابدين بن علي، في مؤتمر "أرباب العمل" الذي عُقد في الثالث والعشرين من تشرين الأول اكتوبر، دعا هؤلاء لتشكيل وفود تجوب العالم للترويج للمنتجات التونسية وجذب الاستثمارات الخارجية. فهذان المصدران للعائدات، في حال النجاح بانجازهما يمكن أن يشكلا عنصر استيعاب الصعوبات المحيطة دولياً واقليمياً.
السير بين النقاط
وكما يقول احد وزراء حكومة عبدالرحمن اليوسفي: "جاءت هذه العملية في ظل بدايات انكماش اقتصادي عالمي لتزيد من التعقيدات التي تواجهنا". لقد جاءت هذه الأحداث في غير وقتها كون المغرب كان قد بدأ نهاية السنة تحسين مداخيله من الاستثمار الأجنبي المباشر ورفع معدل نموه الاقتصادي من 0.8 في المئة في العام 2000 الى 6.5 في المئة. كذلك في الوقت الذي حقق فيه قطاع السياحة أرقاماً قياسية في الشهور التسعة الأولى من السنة 2.5 مليون سائح.
وعلى رغم القلق الكبير الذي يسود جميع أوساط المجتمع المغربي من جراء الانعكاسات المحتملة لتداعيات عمليتي الحادي عشر من أيلول، يحاول المسؤولون التقليل من المخاطر على اقتصاد المملكة. في هذا السياق، يؤكد وزير الاقتصاد والمال والسياحة، فتح الله ولعلو، بأن التأثيرات ستكون محدودة لأن الاقتصاد المغربي هو ببساطة قليل الاندماج بالاقتصاد العالمي. فالطلب العالمي على السياحة في المغرب سيصل الى 4.6 في المئة سنة 2002، مقابل 3.7 في المئة سنة 2001 و6.4 في المئة عام 2000. استناداً لهذه المعطيات، فإن وضع الاقتصاد المغربي طبقاً لمشروع الموازنة الجديدة لن يتأثر كثيراً بما يجري. لكن، بالتأكيد، فإن تطور ناتج الدخل القومي سيتراجع السنة المقبلة من 6.5 في المئة الى 4.4 في المئة في حال لم يصب البلد بجفاف كما في السنوات الماضية. ويعود السبب في ذلك الى تراجع عائدات السياحة والنقل. وفي حين تشير تقديرات الاختصاصيين بهذا القطاع الى تراجع بنسبة 20 في المئة، تصر الحكومة على التأكيد بأنه لن يتجاوز 10 في المئة. من جهة أخرى، من المتوقع أن تتقلص العائدات من الاستثمارات الخارجية المباشرة التي وصلت الى 30 بليون درهم من أصلها 23.35 بليون درهم من فتح رأس مال شركة "اتصالات المغرب". وتتوقع الحكومة الحصول على 12.5 بليون درهم من تخصيص شركات التبغ، و"البنك الشعبي" و"سونير". لكن ووفق المثل الفرنسي: "عندما نبيع مجوهرات العائلة لا يمكننا القول بأننا اغتنينا".
وما عدا القطاعات الثلاثة التي تحدثنا عنها، فإن باقي النشاط الاقتصادي لن يتأثر كثيراً. فقطاع النسيج والملابس، كذلك المنتجات الزراعية والغذائية - الصناعية، ستتأثر بفعل المنافسة العادية، لكن بعض المحللين لا يعتقد بأن انخفاض الاستهلاك في أوروبا حيث لا تشكل الصادرات المغربية من منتجات النسيج أكثر من 1 في المئة من حجم السوق يمكن أن يكون فاعلاً سلباً. حتى "المكتب الشريفي للفوسفات"، الذي ترتبط مبيعاته بالنمو الدولي، لا يبدو بأنه سيواجه وضعاً صعباً جداً. فانخفاض المبيعات التي يسجلها المكتب يمكن مقايضته بهبوط أسعار الأسيد الذي يشتريه من الخارج.
وعلى رغم هذه الصورة غير التشاؤمية مئة في المئة، فإن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب يبقى ضاغطاً خصوصاً أن البلاد لا تزال تعيش مرحلة انتقالية كما انها تستعد للانتخابات التشريعية في أيلول المقبل. وأي تراجع في حجم الاستثمارات الخارجية وعائدات السياحة لا بد وأن يزيد من مشكلة البطالة، خصوصاً لدى أوساط الجامعيين. هذا ما يتخوف منه الجميع، القصر، والحكومة، والنقابات وهيئات المجتمع المدني عشية شهر رمضان، خصوصاً في الوقت الذي تدعو فيه الأحزاب والجمعيات الاسلامية إلى تظاهرات استنكاراً لضرب افغانستان والتي تأجلت مرتين في الأسابيع الأخيرة بضغط من الدولة و"تفهم" من منظميها.
الأقل تضرراً
في اطار هذا الفضاء المغاربي، وحدها الجماهيرية الليبية ستكون بمنأى تقريباً عن الانعكاسات السلبية المحتملة على مستوى منطقة المغرب العربي. فنظام العقيد القذافي لديه من الضمانات ما فيه الكفاية كي لا يتأثر بالعاتيات المقبلة، أبرزها: عائدات هائلة من النفط والغاز والبتروكيماويات يقابلها عدد ضئيل من السكان، موازنة يتمثل فيها فائض منذ ثلاث سنوات، تضاف اليها احتياطات من النقد الأجنبي ما عدا الذهب بحدود 35 بليون دينار، مع ديون لا تذكر. فصادرات ليبيا 73 في المئة من الهيدروكربورات مباعة سلفاً وليست لديها منتجات أخرى يخشى كسادها كالطماطم والنسيج والألبسة. كما ان النظام الليبي لن يتأثر مطلقاً بتدني السياحة، غير الموجودة أصلاً، ولا بالنقل، لأن اسطوله الجوي لم يتجدد بانتظار المصالحة مع الولايات المتحدة لشراء طائرات بوينغ جديدة، علماً بأن طرابلس الغرب كانت قد دفعت قسماً لشراء عدد من هذه الطائرات قبل فرض الحصار عليها.
* اقتصادي لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.