قطع التدخل الأميركي الصارم حبل الشد والجذب بين المتفاوضين الرئيسيين حول مسودة الدستور العراقي بعد المساجلات الطويلة والمساومات المعقدة حول نقاط الخلاف التي تركزت على قضايا الفيديرالية والثروة واجتثاث البعث والديباجة وأوصلت مفاوضات الدستور غير مرة الى طريق مسدود. ولم تفلح هذه التدخلات فضلاً عن تقديم المفاوضين الشيعة"عرضاً نهائياً"تضمن بعض"التعديلات"لبنوده تغيير موقف السنّة وسحب اعتراضاتهم، إذ أكد أحد مفاوضيهم، صالح المطلك، رفضهم الفيديرالية لغير الأكراد، مطالباً بأن"يكون الإسلام دين الدولة والمصدر الأساسي في التشريع". وأعلن رئيس الجمعية الوطنية البرلمان حاجم الحسني ان الجمعية ستصوّت اليوم الاحد على مسودة الدستور حتى لو رفضها السنّة، مشيراً الى احتمال تأجيل مسألة الفيديرالية للبت بها في مجلس النواب المقبل. أكد صالح المطلك، الأمين العام ل"مجلس الحوار الوطني"رئيس الوفد السنّي في المفاوضات على الدستور رفض الصيغة الجديدة للدستور التي قدمها المفاوضون الشيعة والأكراد. وقال:"قدمنا اقتراحاً جديداً مقابل اقتراح الشيعة والاكراد رفضنا فيه الفيديرالية لغير الأكراد، وطالبنا بأن يكون الاسلام دين الدولة والمصدر الأساسي في التشريع". ولفت الى ان مسودة الدستور"مرفوضة لأنها ملغومة بما لا يترك المجال لعراقي يحمل الحد الأدنى من الوطنية بقبولها". وأوضح ان"الصيغة الجديدة رفعت منها عبارة ان العراق بلد غير قابل للتجزئة او تلك التي تشير الى محيط العراق العربي باعتباره جزءاً من العالم العربي"وتساءل:"كيف نوافق على دستور يبيح للآخرين الاستيلاء على ثروات العراق عبر السماح لثلاث جهات مختلفة بالاشراف عليها". وطالب المطلك باحالة موضوع الفيديرالية الى الجمعية الوطنية المقبلة. واضاف"بعض الاخوة في القوائم الاخرى يقولون اننا لا نضمن مستوى تمثيلنا في الجمعية المقبلة، ويريدون بالتالي ضمان كل اهدافهم عبر هذه الجمعية"وزاد"قلنا لهم: لماذا الاصرار على تأكيد موضوع الفيديرالية الآن ولماذا لا تتركون القضية الى الجمعية المقبلة التي نعتقد ان التمثيل فيها سيكون اكثر تعبيراً عن نبض الشارع العراقي من الجمعية الحالية التي ولدت في ظروف استثنائية ومعقدة؟". ورفض المطلك التصريحات التي سبق لرئيس الجمعية الوطنية حاجم الحسني أن أعلنها وتناول فيها موافقة السنّة على التعديلات التي قدمها الشيعة، مؤكداً ان"مجلس الحوار"هو الجهة المسؤولة عن القبول أو الرفض في قضية مصيرية كهذه. وكان حسيب العبيدي، عضو لجنة صوغ الدستور عن السنّة، قال أمس إن"التعديلات تضمنت نقاطاً ايجابية وأغفلت أخرى لا تقل اهمية لدى السنّة". وأوضح ان"التعديلات تتضمن تأجيل البت بموضوع فيديرالية الجنوب الى الجمعية الوطنية المقبلة التي تتولى سن قانون ينظم تشكيل فيديراليات حسب ضوابط تضعها مع بقاء الوضع على ما هو عليه في اقليم كردستان". واضاف:"ان اعتراض السنّة على الاشارة الى هيئة اجتثاث البعث في الدستور لا يعد دفاعاً عن حزب البعث، بل مطالبة واقعية بتحويل لجنة اجتثاث البعث من إطارها السياسي الحالي الى اطار قانوني يقدم فيه المذنبون الى العدالة ولا يستخدم أداة سياسية بيد هذه الفئة او تلك عبر النص عليها في الدستور". وأشار الى ان"الاقتراحات الجديدة ليست دقيقة ايضاً في توصيف مسألة وآليات توزيع الثروة النفط والغاز، فنحن نطالب بأن تكون الثروة ملكاً للشعب العراقي وان يتم التصرف بها عبر الحكومة المركزية ووزارة التخطيط بشكل عادل ومنصف وحسب حاجة المحافظات وايضا حسب نسبة مداخيل المحافظات من الموارد الاخرى". ووصف النص الدستوري المتعلق بالثروات الطبيعية الحالية بأنه"ملغوم"لأنه"يضمن تدخل ادارات المحافظات او الاقاليم في التعامل مع الثروات التي تكتشف مستقبلاً". في السياق ذاته، اتهم طارق الهاشمي، الأمين العام ل"الحزب الاسلامي العراقي"كتلة"الائتلاف العراقي الموحد"الشيعية ب"اضفاء مسحة طائفية وانتقامية على مسودة الدستور الحالية". وقال ل"لحياة"إن"الهم الاول للائتلاف الانتقام من اطراف معينة"، وحذر من انه"لا يمكن للائتلاف ان يتصرف خارج القانون كما تفعل هيئة اجتثاث البعث التي يجب اخضاعها لضوابط قانونية". وأشار الى ان الخلاف السنّي - الشيعي لا يقتصر على موضوعي الفيديرالية والبعث، موضحاً ان"الخلاف بين الطرفين يشمل مسائل تتعلق بالجنسية والشعائر والعتبات المقدسة وصلاحيات الاقاليم". وزاد ان"السنّة يعارضون الاشارة الى الشعائر الحسينية في المسودة، لأن في ذلك مسحة طائفية واضحة". ولفت الى ان"الائتلاف يطلب تدوين أمور لا ترقى الى ان تكون جزءاً من مسودة دستور لدولة وأجيال"، متهماً"الائتلاف"ب"التخلي عن عروبة العراق، عندما وافق الأكراد على حذف فقرة تنص على ان العراق جزء من العالمين العربي والاسلامي". الى ذلك، اعتبر نائب رئيس قائمة"العراقية"التي يرأسها اياد علاوي، ان رفض مناطق غرب العراق لمسودة الدستور"مثير للرعب". وقال راسم العوادي ل"الحياة"إن"مسودة الدستور الحالية ليست قرآناً وبالتالي، فإن باب التعديلات مفتوح على مصراعيه"، موضحاً أن"الانتخابات المقبلة قد تحقق توازناً في البرلمان بما يسمح بإجراء تعديلات على الامور التي نتحفظ نحن أو آخرون عنها". ضغوط أميركية وبريطانية في غضون ذلك، كشف عضو لجنة صوغ الدستور عباس البياتي شيعي وجود"ضغوط حقيقية مورست على القائمة الشيعية لتغيير مواقفها بشأن القضايا العالقة"وأوضح ان"السفيرين البريطاني والأميركي مارسا ضغوطاً على قائمة الائتلاف للاستجابة لمطالب السنّة"، مشيراً الى ان"التعديلات التي أجراها"الائتلاف"لم تأت انصياعاً لتلك الضغوط، وإنما رغبة بتحقيق التوافق المطلوب واخراج العملية السياسية من عنق الزجاجة". وكان رئيس الجمعية الوطنية البرلمان حاجم الحسني أعلن في مؤتمر صحافي أمس ان الجمعية ستصوّت الاحد على مسودة الدستور حتى لو رفضها السنّة، معلناً استمرار التفاوض على المسودة حتى ذلك الوقت وانتظار رد السنّة على اقتراح تقدم به الشيعة، مشيراً الى احتمال تأجيل مسألة الفيديرالية للبت بها في مجلس النواب المقبل. وقال الحسني:"وافق الاخوة من قائمة الائتلاف الموحد على مقترحات قدمها الاخوة المغيبون السنّة وما زالت هناك بعض المسائل العالقه والمحاولات مستمرة اليوم من اجل الوصول الى شيء يرضي الجميع". وشدد على ان جلسة الجمعية الاحد ستكون"فاصلة بالنسبة لمسودة الدستور". واضاف:"السنّة اذا لم يرضوا على المسودة فأمامهم خيار رفضها في الاستفتاء الذي سيجري في الخامس من تشرين الاول اكتوبر المقبل". ورأى ان الخلافات ما زالت جوهرية وتحتاج الى مزيد من المفاوضات، وهذا أمر مهم لتحقيق التوافق او الاجماع بين مختلف الاطراف التي شاركت في كتابة مسودة الدستور. واشار الى"خلاف سنّي - كردي على مسألة وحدة العراق"، وقال ان"الاكراد دونوا فقرة تسمح بوحدة اختيارية ويرون فيها انها اقوى من أي وحدة اخرى، وهي ضمانة لوحدة العراق، في حين يريد السنّة استعمال فقرة الزامية لوحدة العراق وهذا أمر لم يحصل". وفي ما يتعلق بالفيديرالية ومدى تطبيقها في العراق، قال:"هناك اقتراح بترحيل مسألة الفيديرالية الى مجلس النواب المقبل، ليعطي الحق في تشكيل هذه الفيديراليات وآلياتها". وأضاف"شخصياً لا أستطيع ان أعطي رأياً صريحاً في مسودة الدستور، والبعض تكلم عن رئيس الجمعية وكأنه وافق عليه، لكن شيئاً من هذا لم يحدث". وعن الصلاحيات التي سيمنحها الدستور المقبل لرئيس البلاد ورئيس الوزراء قال الحسني:"هناك تغييرات في هذه الصلاحيات بشكل يجعل السلطات متوازنة بين رئيسي الوزراء والجمهورية". ودعا الى"معالجة قضية اجتثاث البعث بحكمة بحيث تؤدي الى وحدة الصف بعيداً عن النفس الثأري"وناشد "زعماء العراق الجديد التفكير بطريقة مختلفة عما كان عليه الزعماء السابقون وأن لا يكونوا ثأريين كما يحصل الآن". وأضاف:"نريد الالتزام بالقانون، فالبعثيون الذين ارتكبوا جرائم يجب تقديمهم الى المحاكم لمحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها، وإتاحة الفرصة للآخرين للانصهار في المجتمع العراقي". وأضاف:"لا نريد ان نقول للبعثيين اذهبوا فأنتم الطلقاء، انما نقول يجب ان نحاسب المسيئين منهم ولا يمكن اعتبار كل من انتمى الى حزب البعث مجرماً". وكان السفير الأميركي في بغداد زلماي خليل زاد اجرى جولة مكوكية من المفاوضات خلال الأيام الخمسة الماضية اوصلت المفاوضين الشيعة والسنة والأكراد الى موقف مشترك بشأن طريقة التعامل مع المسائل الخلافية والتفاصيل التي تثير قلق السنة. واعتبر الناطق باسم رئيس الجمهورية كامران قره داغي ان"وصف المساهمة الأميركية في المساعدة على حل النقاط الخلافية بالضغوط ليس دقيقاً، لأن مسودة الدستور في النهاية كتبت بأيد عراقية قبل ان تصل الى نتيجتها الحالية". وصرح قره داغي بأن الرئيس جلال طالباني سيتوجه قريباً في زيارة رسمية إلى الولايات يلتقي خلالها الرئيس جورج بوش في واشنطن اضافة إلى عدد من المسؤولين الأميركيين. وأضاف ان طالباني سيشارك في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.