في أقل من 24 ساعة، عاد الهدوء والسكينة إلى حي البحر، الواقع بين شارعي قباء وقربان الرئيسيين في المدينةالمنورة. ولا يشكل انتشار عدد من سيارات ورجال الأمن عند مداخل الحي ومخارجه، أمراً مقلقاً للسكان، فرعب"الخميس"انتهى، كما يقول عدنان داود أحد أعيان الحي. وعدنان وكثيرون من أهل الحي اضطروا أول من أمس لأداء صلاة الظهر في منازلهم، فمسجد الحي توقف عن الأذان للمرة الأولى منذ نحو 20 عاماً. ويقول عدنان:"كيف يمكن لهم أن يبرروا أفعالهم من الإرهاب وترويع الناس وقتلهم، وهو يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه". قالها بحرارة وألم شديدين. "المداينة"أو"المجتمع المديني"، كما يحب أهالي وسكان طيبة الطيبة تسمية انفسهم"مسالمون جداًَ، لم يألفوا يوماً أصوات طلقات الرشاش والمدافع، عاشوا تجربة قاسية جداً على الصعيد الإنساني"، كما يقول حسين صنفيري المدرس في المرحلة المتوسطة. ويضيف:"على رغم أن المدينةالمنورة كانت خلال العامين الماضيين مسرحاً لعمليات قبض على بعض المطلوبين، لكن أن تحدث المواجهة علناً في حي سكني، فذلك أمر غير عادي". وخلال أكثر من عامين منذ اندلاع موجة الإرهاب في المملكة العربية السعودية، شهدت المدينةالمنورة حملات أمنية متعددة، كان آخرها القبض على أحد المطلوبين الخطرين في القائمة الجديدة المعروفة بقائمة ال 36، وفي الشهر الماضي قبضت سلطات الأمن على المطلوب محمد بن سعيد آل صيام العمري، بعد تجريده من قنبلة أنبوبية كانت بحوزته، إضافة إلى إلقاء القبض على شخصين كانا على صلة به. وقبل ذلك بشهر واحد أيضاً، كانت المدينة مقراً غادر منه أربعة مسلحين خطرين، واشتبه رجال الأمن في نقطة تفتيش في طريق الحرمين الذي يربط مكةالمكرمةبالمدينةالمنورة في سيارتهم ولاحقتهم، وتبينت خطورة الأربعة حينما فجر اثنان منهم أكثر من 15 سيارة في محيط منزل تحصنوا به في مكةالمكرمة. وعلى رغم ذلك كله، فإن الأمر في"حي البحر"يبدو مختلفاً كثيراً، فهذا الحي عبارة عن أرض مرتفعة، ويقول كبار السن عنه، انه كان في يوم من الأيام عبارة عن بساتين ومزارع، وتحول بسبب الامتداد العمراني إلى حي سكني راق في المرحلة الأولى، لكنه ما لبث أن صار"حياً شعبياً"وانتشرت فيه المحال والأسواق بسرعة كبيرة. وللمرة الأولى، اضطر بعض سكان الحي، وبأمر من قوات الأمن، إلى إخلاء منازلهم بسرعة كبيرة، إذ ان خطة المواجهة الميدانية مع الإرهابيين قضت بتطويق الحي السكني ومداخله ومخارجه، وتأمين السلامة لسكانه من خلال إخلاء عشرات المنازل القريبة من المواقع التي تسلل إليها صالح العوفي وأعوانه. وعلى رغم حال الذعر التي أصابت بعض السكان إلا أن وجود رجال الأمن بقربهم أشعرهم بالأمن، كما يؤكد عبد الرحمن سليمان، مندوب مبيعات في"شركة باسمح"، الذي عاد إلى منزله بعد انتهاء المواجهات. ويقول:"تجولت في الحي واقتربت من منطقة المواجهة مع الإرهابيين، وفوجئت بحجم الدمار الكبير". شهود العيان في حادثة"حي البحر"أثناء الاستجوابات التي خضعوا لها من رجال الأمن من شعبة التحري، أكدوا أن المواجهة بدأت بمقتل أحد الإرهابيين أثناء هروبه من مبنى إلى آخر، لكن أحداً لم يشهد كيف فجر صالح العوفي نفسه أو انتحر بحزام ناسف، بحسب الروايات التي تتردد. ويحكي صالح أحمد الذي يملك متجراً صغيراً خارج الحي، أنه شاهد سيارة تقل ثمانية أشخاص وسط حراسة مشددة، وقال:"هم المقبوض عليهم من الفئة الضالة". ويضيف:"شاهدت أيضاً سيارات الهلال الأحمر تنقل مصابين وقتلى، لكن لا أعرف من هم تحديدا". مشاعر الخوف والهلع التي أصابت السكان، خصوصاً مع أصوات الرصاص والانفجارات، لم تنته إلا حين علموا بأن صالح العوفي أحد زعماء القاعدة فجر نفسه، فهللوا فرحاً وتبادلوا العناق، حتى أن كثيراً منهم عانقوا رجال الأمن.