قبل أيام كتبت مطالباً بمحاكمة أركان المحافظين الجدد الذين ورطوا الولاياتالمتحدة في حرب غير شرعية وغير مبررة على العراق بتهمة قتل نحو 1800 شاب أميركي وشابة الرقم اقترب الآن من 1900، ورأيي أنهم فعلوا ذلك عمداً وعن سابق تصور وتصميم خدمة لاسرائيل ولحماية أمنها كما يتصورونه، ولسرقة نفط العراق. قبل يومين كنتُ أتجوّل بين مواقع مختارة على الانترنت عندما قرأت الآتي: "بعض المحافظين الجدد له مستقبل... مستقبل في ثياب رياضية برتقالية اللون ليسعد به شقي اسمه بوتش امتلأ جسمه بالوشم. ليس قانونياً كشف أسماء عملاء وكالة الاستخبارات المركزية، او تقديم معلومات مزورة الى الاستخبارات الأميركية، او استخدام وسائل لو استخدمت في بلدان اخرى لاتهمت بارتكاب جرائم حرب". الكلام السابق كتبه جاستن رايموندو، وهو بين أبرز الخبراء في المحافظين الجدد وقضايا التجسس لاسرائيل، والكلام بحاجة الى بعض الشرح، فصاحبه يتهم عصابة اسرائيل بتهم عقوبتها السجن، وهو يقول ان المحافظ الجديد في السجن سيرتدي ثوب السجناء المعروف، وسيغتصبه أحد الأشقياء من النزلاء المدمنين، كالعادة في السجون الأميركية. رايموندو يقول ان جرائم الحرب قد تنتظر، ولكن المحافظين الجدد سيدفعون قبل ذلك الثمن القانوني لكشف اسم فاليري بلامي، عميلة ال "سي آي ايه"، وتزوير وثائق شراء العراق يورانيوم من النيجر ثم تقديمها كمعلومات استخبارات أكيدة. هناك الآن تحقيقان أميركيان كبيران في موضوعين لا صلة ظاهرة بينهما، الا انهما في النهاية تحقيق واحد: الأول عن تجسس لاري فرانكلن، مساعد دوغلاس فايث في وزارة الدفاع لاسرائيل، والثاني تسريب اسم بلامي من طريق كارل روف، كبير مستشاري جورج بوش، أو حليفه لويس ليبي، مدير مكتب نائبه ديك تشيني. المحقق بول ماكنلتي، من فرجينيا، أصدر قرار اتهام بحق فرانكلن، ثم قراراً آخر بحق ستيفن روزين، أحد كبار المسؤولين في اللوبي اليهودي ايباك، ومساعده كيث وايزمان، مدير السياسة الخارجية في ايباك. وروزين من اركان اللوبي، وقد جعله صناعة موازنتها السنوية 40 مليون دولار، ووضع المشترعين الأميركيين في جيب اسرائيل ليخدموا مصلحتها على حساب مصلحة بلادهم. واللوبي من القوة انه حتى بعد طرد روزين ووايزمان، وتهم التجسس، ظل قادراً على استضافة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في مؤتمره السنوي. ثم هناك المحقق الخاص باتريك فتزجيرالد الذي يحاول ان يعرف مَن وراء تسريب اسم بلامي انتقاماً من زوجها جوزف ولسون لأنه قال ان الوثائق عن النيجر واليورانيوم مزورة. ما هي العلاقة بين التحقيقين؟ العلاقة ان المتهمين، والذين حقق معهم ولم يتهموا بعد، من المحافظين الجدد، مما يعني ان التجسس كان لمصلحة اسرائيل، وهو في هذه المرة تحديداً لمساعدتها على توجيه ضربة عسكرية الى المنشآت النووية في ايران، بعد ان تعثرت جهود العصابة في جعل الولاياتالمتحدة تضرب ايران نيابة عن اسرائيل. شخصياً لا أستبعد نهائياً ان تضرب الولاياتالمتحدة المنشآت الايرانية، ومكتب نائب الرئيس طلب من البنتاغون وضع سيناريو مثل هذه الضربة. غير انني في غضون ذلك أصر على ان يدان كل من تثبت التهمة عليه بالخيانة العظمى، فهؤلاء قتلوا ألفين من الجنود الأميركيين والحلفاء وأكثر من مئة ألف عراقي حتى الآن، ثم يسعون الى مواجهة عسكرية لو حصلت فستدمر المصالح الأميركية في المنطقة كلها، لأنها ستجعل السنّة والشيعة في حلف لم يتحقق منذ أكثر من 14 قرناً ضد الغزو الخارجي. أرجو ان يصبر القارئ معي وأنا أعرض عليه التفاصيل محاولاً جهدي عدم الاكثار من الأسماء ليبقى العرض واضحاً. لاري فرانكلن ضبط صدفة في صيف 2004، فقد كان مكتب التحقيق الفيدرالي يحقق منذ 2001 في عمليات تجسس واسعة النطاق على الحكومة الأميركية لحساب اسرائيل، وهو استخدم التنصت والمراقبة بالفيديو في متابعة ديبلوماسيين اسرائيليين وخونة محليين. وكان رجال المكتب يصورون سراً ناعور جيلون، رئيس الشؤون السياسية في السفارة وهو على غداء مع اثنين من رجال اللوبي اليهودي عندما انضم اليهم لاري فرانكلين، مما شكل مفاجأة كبرى لرجال ال "اف بي آي". وفي حين بدأ التحقيق في نقل فرانكلن وثائق سرية الى رجال اللوبي والسفارة الاسرائيلية، فإنه سرعان ما اتّسع كثيراً مع خلفية الصراع داخل الادارة الأميركية على توجيه السياسة الخارجية ازاء ايران. فالمحافظون الجدد سعوا الى حرب عليها، ووزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية عارضتا. وتبين للمحققين ان فرانكلن وهارولد رود، وهذا خبير في الشرق الأوسط يتكلم لغات عدة ويعمل في مكتب دوغلاس فايث، أجريا اتصالات غير مصرّح بها مع منشقين ايرانيين، مثل تاجر السلاح منوشهر غوربانيفار، لتوفير معلومات عن ايرانوالعراق. التحقيق في تسريب اسم بلامي بدأ محدوداً، أو محدداً بالتسريب، الا انه سرعان ما اتسع ليشمل استجواب مسؤولين سابقين وحاليين في الخارجية والاستخبارات، فقد أصبح المحقق الخاص فتزجيرالد مهتماً بجريمة أكبر هي المسؤولية عن 16 كلمة بالانكليزية، في خطاب الرئيس بوش عن حال الاتحاد في كانون الثاني يناير 2003 عندما قال ما ترجمته: "علمت الحكومة البريطانية ان صدام حسين طلب أخيراً كميات كبيرة من اليورانيوم من افريقيا". الوثائق التي توكأ عليها كانت مزورة عمداً، وأدت الى حرب قُتل فيها عشرات الألوف، ولا بد من ان يحاكم القتلة. وأكمل غداً.