لا يتفاعل أولادي مع أفلام الكرتون المدبلجة الى العربية الفصحى بقدر ما يتفاعلون مع الأفلام المدبلجة في اللهجة المصرية على رغم قلة معرفتهم بمفرداتها وعباراتها الشعبية وتورياتها ومجازاتها. ولعل ما يجذبهم اليها حلاوة التمثيل الصوتي المصري وتلويناته، على عكس الدبلجات العربية الفصيحة مثلاً لأفلام"استريكس"وپ"لاكي لوك"الكرتونية التي لا تصل الى مستوى دبلجات"سندريلا"وپ"حياة حشرة"وپ"الامبراطور"وپ"شركة الوحوش"المدبلجة باللهجة المصرية الظريفة والحافلة بالحيوية والنشاط. وإن كانت الأفلام المدبلجة في الفصحى تساعد الطفل على تداول الفصحى والإلمام بها، وهي ميزة لا بد من الاعتراف بها، هذا إذا سلمنا بصحة الأداء اللغوي المشوب غالباً بأخطاء الحركات والإعراب كما في معظم الأفلام العربية التاريخية، فإن صرامة اللغة وخلوها من حيوية الحوارات وبهجتها وعصريتها تنفّر الأطفال. وهنا نسأل: هل كان يمكن دبلجة أفلام سندريلا أو الامبراطور، إنتاج شركة والت ديزني في الفصحى أو حتى في لهجات أخرى كالسورية أو اللبنانية؟ نعم، ولكن حتماً كانت ستغيب سياقات كثيرة من الحكاية وفضاءاتها وروحها. فماذا ستفعل الفصحى المبسطة أو اللغة الثالثة المسكينة أمام الثورة العلمية والتكنولوجية إزاء المشاعر الجديدة والتعبيرات الشعبية المعاصرة؟ كيف يمكن أداء لغة قاموس السيرك في"حياة حشرة"أو تقديم المتسابقات للرقص مع الأمير في الحفلة في"سندريلا"والعرب ليس لهم - في بلدانهم - تراث سيركي أو تقاليد حياة ارستقراطية كما في مصر؟ كيف يمكن التعامل مع مصطلحات الشجار في الحانات والسوق والمقاهي؟ وأية جمل وتعبيرات يمكن أن تحل محل الحوارات الأجنبية، لهجة وتعبيراً؟ أية اسماء فصيحة كان يمكن أن تحل محل اسم قائد فرقة السيرك"بتافلي"واسمي حشرتي القرنبى الثنائي"طق ورول"والدودة التي تحكي بالصعيدية الظريفة"هملج"والجراد"هبّار"زعيم العصابة وحشرة فرس النبي"ماني"والعنكبوت"روزي"وبطل الحكاية"فليك"، و"قرني"، و"شوكي"... كيف يمكن التعامل مع مفردات سيرك مثل: نِمرة، وآبلة الأخت الكبيرة، ضربة معلم؟ كيف يمكن التعامل مع عبارات مثل:"ابقى اعمل مساج بعدين يا قرني"، وپ"أدي لو سدد له ودوسوا بنزين، أمر هبار لعصابته بالإقلاع"؟ من هنا ما يميز اللهجة المصرية هو وساعتها ومرونتها وكثرة عدد الناطقين بها وهذا لا بد من أن يكون من أسباب ابتكاراتها ورواجها السريع بفضل انتشار السينما المصرية، أعرق السينمات العربية وأغزرها وأكثرها تقاليد، من دون أن ننسى التجربة التاريخية والإرث الاستعماري الكبير فرنسي وانكليزي وعثماني. أما سهولة الغناء المصري ورشاقته كترجمات لأغان اميركية، فذلك شأن آخر يصعب للهجة أخرى ان تتنكب له. باختصار الدبلجة المصرية لأفلام الكرتون الأجنبية حوارات بالألوان، بينما الدبلجة العربية الفصيحة أسود وأبيض.