قبيل افتتاح قمة الثماني في غلين إيغلز الاسكتلندية مساء أمس الأربعاء، كان توني بلير رئيس الوزراء البريطاني على تفاؤله بتحقيق إجماع في الموضوعين الرئيسين للقمة التي يترأسها: مساعدة أفريقيا بشطب ديونها ومضاعفة الدعم لها من جهة، والتوافق على حماية البيئة وتبدل المناخ من جهة أخرى. وإذا كان الشأن الأفريقي حظي بما يكفي من الدعم بفضل التظاهرات الغنائية والشعبية، فإن الشأن الثاني يبدو الأكثر تعقيداً ويقتضي جهوداً كبيرة تبذل على مدى جلسات القمة التي تدور خلال يومين بدءاً من البارحة نظراً لتلازمه مع قضايا النمو الاقتصادي. فيما بقيت قضايا التجارة عقدة تنتظر اجتماعات وزراء التجارة في هونغ كونغ نهاية السنة. واشنطن مستمرة في معارضة اتفاق كيوتو في موضوع البيئة والاحتباس الحراري، لا تزال الولاياتالمتحدة ترفض المعالجة بموجب معاهدة كيوتو 1002 لأنها تنطوي على الحد من دخان المصانع وغازاتها، المظهر الرئيسي لدوران عجلة النمو. وإذا كانت بريطانيا حريصة على توحيد آراء الأوروبيين والأميركيين، فإنها لا تنسى في النهاية أن النمو وحده هو الذي يبقي الوظائف، وهذا هو الأهم بالنسبة للناخب في أوروبا وأميركا على حد سواء. وعليه كان لا بد أن تتركز جهود مساعدي الرؤساء الذين يحضّرون للقمة على الإطار العام الذي يحقق الإجماع. التجارة وليس المساعدات لأفريقيا بريطانيا بدت حريصة كل الحرص على نجاح القمة وتحاشي الصدام مع جاك شيراك، الرئيس الفرنسي القلق من التوجه البريطاني - الأميركي الرامي إلى النيل من نظام الدعم الزراعي الأوروبي الذي يحظى بشعبية كبيرة في فرنسا. فالاتفاق على شطب ديون أفريقيا الإجمالية التي تصل إلى ستين بليون دولار حقق الإجماع المطلوب. لكن مساعدة أفريقيا في المستقبل على اللحاق بركب التقدم يقتضي فتح باب التجارة أكثر من تقديم المساعدات. والتجارة تنمو بوضع حد للدعم الزراعي لكي تصبح المحاصيل الأفريقية وغير الأفريقية قادرة على دخول الأسواق الغربية عامة. ذلك أن المزارعين الأوروبيين يتلقون 34 في المئة من الموازنة الأوروبية، بينما لا تزيد نسبتهم على خمسة في المئة من السكان، ويقل انتاجهم عن 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي. فمزارع التبغ الفرنسي مثلاً، يتلقى سبعين في المئة دعماً من قيمة كل كيلوغرام من انتاجه. ثم ينفق الاتحاد الأوروبي 51 في المئة في الدعاية ضد التدخين. وإذا كانت منطقة غرب أفريقيا فقدت إلى حد بعيد دورها في انتاج القطن، فذلك يعود إلى الدعم الذي يناله المزارع الأميركي، والذي يصل إلى نحو أربعة بلايين دولار في السنة. فضلاً عن أن صادرات الرز الأميركي المدعوم أغرقت الأسواق الأفريقية ومنعت إنتاج الرز في القارة. فماذا تصدر أفريقيا التي تتباكى عليها قمة اسكوتلندا وهي التي شاهدت حصتها من التجارة العالمية تنخفض من 6 في المئة في0891 إلى اثنين في المئة في 2002؟ جولة الدوحة لذا كان من الطبيعي أن يشغل موضوع الدعم الزراعي القمة، على رغم المحاذير السياسية نظراً لأن جولة مفاوضات الدوحة لتحرير التجارة تدعو إلى خفض الدعم عن صادرات أوروبا والولاياتالمتحدة من المحاصيل قبل اجتماع هونغ كونغ لوزراء منظمة التجارة العالمية الذي يعقد في كانون الأول ديسمبر المقبل. على أن المنظمة غير الحكومية أوكسفام تحذر من أن الدول الغنية الشمالية ستلجأ لتعويض مزارعيها عن أي خفض لدعمها للصادرات بمساعدات تقدمها ضمن الأسواق الداخلية. وبذلك لا تستفيد أفريقيا من رفع الدعم على الصادرات. تريفور مانويل، وزير مال جنوب أفريقيا أصدر تحذيراً في لندن قبيل بدء جلسات القمة من مغبة الاستمرار في سياسة الدعم الزراعي. ودعا زعماء الدول الصناعية الكبرى الثماني إلى إصدار توجيهاتهم لوزراء التجارة بوضع جدول زمني للتخلص من نظام الدعم المجحف بحق الدول الفقيرة. وقال مانويل:"الغرب يدعم مزارعيه الفاشلين ويحرم المزارعين الأفريقيين من دخول أسواقه"واستبعد مانويل، الذي كان يلقي كلمة أمام هيئة مجلس أعمال أفريقيا والكومنولث في لندن، أن تتمكن أفريقيا من منافسة الصناعة الصينية الزاحفة مهما بذلت من جهود في المرحلة الراهنة. وأن الرهان الحقيقي يبقى في تعزيز دور القطاع الزراعي الذي ينافس مساعدات وحماية أوروبية وأميركية ويابانية تصل إلى 053 مليون دولار في السنة. وهو أكثر من مجموع مساعدات الدول الغنية لأفريقيا ب 61 مرة. الفرنسيون طرحوا فكرة فرض رسم بقيمة 5 يورو على كل بطاقة سفر جوي من الدرجة السياحية و02 يورو على كل بطاقة من درجة رجال الأعمال والدرجة الأولى. وهذا يحقق 01 بلايين يورو سنوياً، وهو يعادل سدس جميع المساعدات الحكومية المخصصة للتنمية. وفيما منحت فرنسا مباركتها التامة لبرنامج القمة، أعربت ألمانيا عن تحفظها عليه كونه لا يولي الاقتصاد العالمي ما يكفي من اهتمام على رغم جهودها المضنية في هذا الاتجاه.