سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
البلدان النامية ستظل اقتصادياتها الزراعية مشلولة بسبب استمرار الدعم الذي يقدمه الشمال إلى مزارعيه قراءة في آخر مؤتمرات منظمة التجارة العالمية الوزارية:
لم يكن بامكان منظمة التجارة العالمية ان تذهب أبعد مما توصلت اليه خلال مؤتمرها الوزاري الاخير الذي انعقد في هونغ كونغ من الثالث عشر إلى الثامن عشر من الشهر الجاري، وإذا كانت أغلب الصحف العالمية قد اعتبرت حصيلة المؤتمر هزيلة جداً، وقال محللون كثيرون ان منظمة التجارة العالمية قد ولدت فأراً في هونغ كونغ فإن هناك اليوم شبه اجماع لديهم بأن البلدان النامية هي اول المتضررين على المدى القصير والمتوسط من الاتفاق الذي تم التوصل اليه بخصوص الملف الزراعي. ويمكن تقسيم هذه البلدان إلى قسمين اثنين هما: البلدان التي تعتمد اقتصادياتها اساساً على المنتجات الزراعية المصدرة كلياً أو جزئياً والبلدان الأقل نمواً. ويبدو من خلال نتائج مؤتمر هونغ كونغ أن هذه البلدان لم يستجب لمطالبها بشكل مرض ولا حتى بشكل يلبي الحدود الدنيا من الرضى. فقد كانت تنتظر قبل كل شيء أن يحدد موعد قريب جداً لالغاء المساعدات الزراعية التي تقدمها بلدان الشمال إلى منتجيها وان يسمح لها بترويج منتجاتها الزراعية بدون قيود جمركية في اسواق الشمال، ولكنها لم تحصل على هذا ولا ذاك. صحيح ان منظمة التجارة العالمية طلبت خلال مؤتمر هونغ كونغ من البلدان الاوروبية المنخرطة في الاتحاد الاوروبي التخلي نهائياً عن المساعدات المقدمة إلى منتجيها لدعم الصادرات الزراعية. وحددت بداية تنفيذ هذه التوصية بحلول عام ألفين وأربعة عشر. وفي اختيار هذا التوقيت حرص على حماية مصالح البلدان الاوروبية أكثر مما فيه أخذ مطالب الجنوب بعين الاعتبار، فالسياسة الاوروبية الزراعية المشتركة التي منحت مزارعي الاتحاد الاوروبي عام الفين وأربعة - على سبيل المثال - مساعدات لتصدير منتجاتهم قدرت بمليارين وثمانمائة مليون يورو ستظل سارية المفعول حتى عام الفين وثلاثة عشر. وثمة قناعة اليوم لدى النقابات الزراعية في دول الاتحاد الاوروبي مفادها ان المفوضية الاوروبية والدول المنخرطة في الاتحاد الاوروبي ستسعى في الفترة الممتدة من عام الفين وستة إلى الفين وثلاثة عشر إلى بلورة سياسة جديدة تهدف إلى المحافظة على مساعدات تقدم إلى مزارعيها تحت عناوين اخرى غير عنوان التصدير ومنها مثلا «الحفاظ على البيئة» و«الجودة» و«الغذاء السليم». وإذا كانت منظمة التجارة العالمية قد طلبت في هونغ كونغ من الولاياتالمتحدة وكندا واستراليا التخلي عن المساعدات غير المباشرة التي تقدمها إلى مزارعيها ومنها شراء كميات كبيرة من الحبوب والألبان لتقديمها إلى البلدان النامية في اطار «المساعدات الغذائية». إذا كانت قد طلبت ذلك فانها تعلم جيداً ان هذه الدول ودولا اخرى قادرة على استخدام طرق ملتوية وحيل كثيرة لمواصلة مثل هذه المساعدات غير المباشرة. ونجد داخل البلدان النامية التي تعتمد اقتصادياتها على الزراعة فئتين اثنتين: فئة البلدان التي لا تروج في أسواق الشمال منتجاتها بما فيه الكفاية بسبب الحواجز الجمركية التي ستظل قائمة طوال السنوات العشر القادمة وفئة البلدان التي كانت تستعيد حتى الآن بشكل غير مباشر من بعض المساعدات الاوروبية الزراعية. ومن هذه البلدان جزيرة موريس التي كان اقتصادها يعتمد إلى حد كبير على زراعة السكر. وكانت تستفيد إلى حد كبير من المساعدات التي يقدمها الاتحاد الاوروبي إلى منتجي السكر داخل دول الاتحاد والدول التي تقيم معها علاقات تجارية خاصة في اطار «اتفاقيات لومي» التي تستفيد منها دول كثيرة في القارة الافريقية ومنطقتي «الكارايبي والمحيط الهادئ». ولكن المفوضية الاوروبية ومنظمة التجارة العالمية اجبرتا الدول الاوروبية على القبول بتخفيض المساعدات المقدمة إلى المزارعين الاوروربيين والذين يستفيدون من غير الاوروبيين من هذه المساعدات بنسبة ستة وثلاثين بالمئة، ومن ثم فإن منتجي قصب السكر في جزيرة موريس يجدون انفسهم اليوم في مقدمة المتضررين من هذا الاجراء. ويقول وزير التجارة الموريسي الذي شارك في مؤتمر هونغ كونغ متحدثاً إلى مبعوث صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية إلى المؤتمر: «لقد قيل لنا أكثر من مرة في الماضي: لا تعتمدوا على زراعة واحدة مثل السكر بل عددوا انشطتكم الاقتصادية واستثمروا في مجالات اخرى فاستثمرنا في صناعة النسيج، وها نحن نجد اليوم انفسنا في فخ» في اشارة إلى سوق النسيج العالمية التي تتحكم فيها اليوم البلدان الآسيوية وأهمها الصين الشعبية. القطن والفقر والملاحظ في هذا السياق ان بلدان افريقيا الغربية كانت تعول كثيراً على مؤتمر هونغ كونغ للحصول على وعد قاطع من الولاياتالمتحدةالامريكية بالتخلي عن المساعدات الزراعية التي تقدمها إلى مزارعي القطن الامريكيين. وإذا كان عدد هؤلاء المزارعين لا يتجاوز 30 ألفا فإن هنالك في غرب افريقيا أكثر من ثلاثة ملايين شخص يعيشون على زراعة القطن ويختنقون يوماً بعد آخر بسبب تدني الاسعار في السوق العالمية والمساعدات الضخمة التي تقدم إلى المزارعين الامريكيين والتي تبلغ عدة مليارات من الدولارات. والواقع ان مؤتمر هونغ كونغ أقر مبدأ التخلي عن المساعدات المخصصة لتصدير القطن في البلدان المتقدمة وفي صدارتها الولاياتالمتحدةالامريكية، ولكن منظمة التجارة العالمية لم تتخذ أي اجراء بشأن المساعدات الداخلية في مجال زراعة القطن وهي تشكل في أمريكا ثمانين بالمئة من قيمة المساعدات التي يستفيد منها المزارعون الامريكيون. بقيت البلدان الاقل فقراً والتي سمحت لها المنظمة بترويج 97 بالمئة من منتجاتها بدون أي قيود جمركية، ولكن أغلب هذه البلدان تستورد عموماً منتجات زراعية وصناعية وخدمات، وحتى لو افترضنا أن لديها شيئاً تصدره فوزنها في ميزان التجارة العالمية هو وزن قطرة ماء في مياه المحيطات والبحار.