يتضح مجدداً ان السياسة والاقتصاد متداخلان في بعضهما البعض، وليس فقط على نطاق العلاقات بين الدول، بل أيضاً بين الفرقاء المختلفين في دولة واحدة. ويظهر هذا الأمر بوضوح في تطورات المحادثات التجارية العالمية الأخيرة، إذ يلخص الوضع ما قاله الكاتب في صحيفة إنترناشونال هيرالد تريبيون دانيال ألتمان في مقال له الأسبوع الماضي بعنوان"الليبرالية الجديدة؟... غير موجودة". ومفاده ان"الدول الغنية هي غير جدّية في سعيها لتحرير الأسواق عبر الحدود القطرية، بقدر ما هي مهتمة بتحريرها وفقاً لمصالحها الخاصة". واستنتج ألتمان ان"العالم بعيد من تطبيق التجارة الحرّة، أكثر بكثير مما يحاول إقناعنا به بعض المناهضين اليساريين للعولمة وسياسة فتح الأسواق". العلاقات التجارية الأميركية مرر أمس مجلس النواب الأميركي"اتفاق التجارة الحرّة مع جمهورية الدومينيكان وأميركا الوسطى"كافتا، الذي يضم ست دول كاريبية، لكن بفارق بسيط 217 نائباً مع و215 ضد بعد ان كان معظم النواب الديمقراطيين يعارضونه بشدة كونه"لا يوفر الحماية للعمال والمعايير البيئية في هذه الدول الفقيرة". كما ان بعض الولايات الأميركية التي تنتج النسيج والسكر، تخوفت من انعكاس الاتفاق على إنتاجها وعلى اليد العاملة المحلية"، بحسب ما أشارت داو جونز. ومن ناحية أخرى رفض النواب الديموقراطيون التوقيع على قانون عقوبات تجارية جديد ضد الصين أيده النواب الجمهوريون، بحجة أنه"غطاء سياسي"استخدمه الجمهوريون لتمرير الموافقة على ال"كافتا"، كما أشارت صحيفة فاينانشال تايمز. ويذكر هنا ان اتفاق"كافتا"، بحسب معلومات متوافرة على موقع وزارة التجارة الأميركية،"يلغي 80 في المئة من التعرفة الجمركية على الصادرات المشتركة بين الولاياتالمتحدة والدول المعنية بالاتفاق، كما يرفع حصص صادرات السكر من هذه الدول إلى السوق الأميركية، علماً انه يلغي التعرفات كلها بعد مرور عشر سنوات على تطبيقه". وتشير أرقام مكتب الإحصاءات الأميركي الى ان التبادل التجاري الأميركي مع هذه الدول وصل إلى نحو 34 بليون دولار في 2004. وفي هذا السياق، اعتصم أمس آلاف المزارعين من 15 ولاية مكسيكية اعتراضاً على توجه الرئيس المكسيكي فينسنت فوكس إلى عدم المصادقة على قانون لحماية أسعار قصب السكر، التي يعتاش منها نحو 300 ألف مزارع، و3.5 مليون مكسيكي في شكل غير مباشر، كما ذكرت داو جونز التي أشارت ان"الأوروغواي تنوي رفع شكوى أمام منظمة التجارة العالمية، ضد سياسة الدعم الأميركية لمزارعي الأرز. وأشار رئيس جمعية مزارعي الأرز هوغو مانيني الى ان الجمعية"استشارت ثلاث شركات محاماة أميركية كبرى، أكدت ان الأوروغواي ستربح الدعوى". وأضاف ان"الدعم المقدم للمزارعين الأميركيين يخفض أسعار الأرز العالمية بشكل اصطناعي، ما يصعب شروط المنافسة على المزارعين في الأوروغواي. علماً ان صادرات الأرز تشكل 10 في المئة من الصادرات الإجمالية للأوروغواي وتوفر العمل لآلاف المزارعين وتدر نحو 200 مليون دولار سنوياً". وتشير أرقام منظمة"أوكسفام"غير الحكومية الى أن"الحكومة الأميركية منحت مساعدات بقيمة 1.3 بليون دولار لمزارعي الأرز المحليين كي ينتجوا محصولاً يكلف 1.8 بليون دولار، وبالتالي دعمت 72 في المئة من تكاليف الإنتاج". حائط مسدود أمام منظمة التجارة العالمية وذكرت رويترز أمس ان الممثل التجاري الأميركي روب بورتمان توجه إلى جنيف"سعياً إلى تنشيط المحادثات التجارية الدولية"قبل عطلة الصيف. وأشارت الوكالة الى ان"لو لم يمرر الكونغرس الأميركي اتفاق كافتا، لكان هذا الأمر سيعرقل المحادثات التجارية الدولية لأنه كان سيلقي الضوء على جدّية التزام الولاياتالمتحدة في الاتفاقات التجارية التي تبرمها". وكانت الوكالات أشارت إلى ان"المحادثات الدائرة في جنيف بين ممثلي الدول الپ148 الأعضاء في منظمة التجارة، تحضيراً لاجتماع وزراء تجارة هذه الدول في هونغ كونغ في كانون الأول ديسمبر المقبل، وصلت إلى حائط مسدود". ونقلت عن رئيس منظمة التجارة، سوباتشاي بانيتشباكدي، قوله ان"المحادثات وصلت إلى نقطة الخطر". إذ لم تتوافق الدول الغنية على خفض المساعدات الزراعية. وتعتبر المنظمات الإنسانية العالمية ان"الدول الغنية تتبع سياسات حمائية، وتعيق تقدم المفاوضات التجارية". إذ أشارت منظمة"أوكسفام"في بيان على موقعها الإلكتروني ان"قوانين التجارة العالمية تصب في مصلحة الدول الغنية والشركات الكبيرة، وان الدعم الزراعي الذي يقدر بنحو 250 بليون دولار سنوياً، الذي تقدمه الدول الغنية لمزارعيها يعزز الفقر في أفريقيا". وأضافت ان"قوانين التجارة غير العادلة تكلف الدول الفقيرة 100 بليون دولار سنوياً، وان الدول النامية، التي يعيش فيها نحو 98 في المئة من مزارعي العالم، تساهم فقط بثلث حجم التجارة الزراعية العالمية التي تقدر بنحو 674 بليون دولار سنوياً". وفي هذا السياق، أشارت الإحصاءات المتوافرة على موقع منظمة الأغذية والزراعة الفاو الإلكتروني الى ان"الصادرات الزراعية العالمية بلغت نحو 522 بليون دولار في 2003، شكلت صادرات الاتحاد الأوروبي 233 بليون دولار والولاياتالمتحدة 62 بليون دولار نحو 57 في المئة منها". وذكرت الأسوشييتد برس من جنيف ان محادثات منظمة التجارة العالمية تأخرت سنتين عن المهلة المحددة المنتهية في 2004 التي أطلقها مؤتمر الدوحة في 2001"بهدف وضع سياسة تجارية دولية جديدة في مصلحة الدول الفقيرة، من خلال الخفض التدريجي للدعم الحكومي والتعرفات الجمركية". وكان وزير الزراعة الأميركي مايك جوهانز حذر الأسبوع الماضي ممثلي 37 دولة أفريقية في داكار قائلاً ان"اتفاق فرص النمو الأفريقية الموقّع بينها وبين الولاياتالمتحدة لن يسري في حال لم تتوصل الدول كلها إلى اتفاق حول نظام المساعدات في اجتماع منظمة التجارة العالمية في كانون الأول ديسمبر المقبل"، كما نقلت رويترز. وفي هذا السياق، دعا الرئيس الفرنسي جاك شيراك وزراءه يوم الأربعاء الماضي إلى"التقدم باقتراحات جديدة بهدف تعزيز الحماية للشركات الفرنسية الكبرى"، كما ذكرت الأسوشييتد برس نقلاً عن متحدث باسم الحكومة الفرنسية. وكانت أطلقت هذه المواقف إشاعة مفادها ان شركة بيبسي الأميركية للمشروبات الغازية تقدمت بعرض لشراء مجموعة دانون الغذائية الفرنسية، فيما أشار شيراك الى ان هذه الإشاعة"ألقت الضوء على ضعف مواقع الشركات الفرنسية أمام طموحات الشركات الأجنبية، والخطر المحدق بالوظائف الوطنية وبالقطاع الصناعي الفرنسي". وأمام الدول جولة مباحثات ثانية في أيلول سبتمبر المقبل لتقريب وجهات النظر، قبل إجتماعات هونغ كونغ في كانون الأول المقبل. إذ كما أشار المفوض التجاري الأوروبي بيتر مندلسون"لا يمكن الاستمرار بالمواقف نفسها وتحقيق تقدم بالمفاوضات".