لم يكن رئيس"كتلة المستقبل"سعد الحريري مرتاحاً للأجواء السياسية العامة في البلد، عندما توجه فجر امس الى المملكة العربية السعودية في زيارة خاصة، على رغم شعوره بأنه قام بأكثر مما يتوجب عليه لتوفير المناخ الذي يسمح بتوسيع المشاركة في الحكومة اللبنانية الجديدة لتأخذ على عاتقها انقاذ البلد بتحقيق الاصلاح والتصدي للمشكلات العاتية على الصعيدين الاقتصادي والمالي. وحرص الحريري بعد ان أخفق في اقناع زعيم"التيار الوطني الحر"النائب العماد ميشال عون بالاشتراك في الحكومة، على ان يحتفظ لنفسه بكلمة السر، رافضاً الدخول في التفاصيل سواء تلك المتعلقة بالمفاوضات التي تولاها شخصياً معه، ام بالمشاورات التي اجراها مع الاطراف الآخرين وتحديداً"اللقاء النيابي الديموقراطي"وپ"حزب الله"وحركة"أمل"وقوى فاعلة في المعارضة. ولم يخفِ اصراره على عدم الخوض في التفاصيل تذمره من الجو السياسي العام في ضوء الطريقة التي تعاطى فيها معظم الاطراف مع صراحته المتناهية في رفضه سياسة التواطؤ في تشكيل الحكومة وانفتاحه من دون شروط على الآخرين مفسحاً المجال امام حوار مستفيض يتجاوز التركيبة الوزارية الى تحديد المهمات الاساسية للحكومة العتيدة. فالحريري كان مقتنعاً بأهمية الحوار مع عون، الذي لم يوفره من انتقاداته وحملاته السياسية التي استمرت بعد الانتخابات النيابية، وبادر الى زيارته وكأن شيئاً لم يكن، انطلاقاً من شعوره بأن الربح الكبير في المقاعد النيابية في البرلمان يرتب عليه اعباء جمة. وساعدت زيارة الحريري الاولى للعماد عون في كسر الحلقة المفرغة وأدت بعد نصف ساعة من اللقاء الى تكريس تفاهم بالمطلق على البرنامج الاصلاحي خصوصاً بعدما بادره الى القول:"يا جنرال اعطني الورقة الاصلاحية التي اعدها التيار الوطني، وأنا أتعهد لك بضمها من دون أي تعديل الى البيان الوزاري". ونجح الحريري في التأسيس لثقة متبادلة بينه وبين"التيار الوطني"، لينتقل الحوار مع عون الى البحث في اشراك الاخير في الحكومة، فاقترح عون ان تكون حصة التكتل النيابي الذي يتزعمه اربعة حقائب وزارية، وكان جواب رئيس"كتلة المستقبل"ان طرحه خاضع للنقاش على قاعدة التسليم لپ"التيار الوطني"بحقيبتين في مقابل التوافق معاً على اختيار الوزير الارمني ووزير آخر يمثل منطقة زحلة نظراً الى اعتراضه على توزير النائب ايلي سكاف. ولدى البحث في توزيع الحقائب طالب عون باسناد وزارة العدل الى"التيار الوطني"، وكان يمرر طلبه عندما زاره الرئيس المكلف فؤاد السنيورة في زيارة بروتوكولية باعتباره من الرؤساء السابقين للحكومة. الا ان الاخير نصحه باستبدال العدل بوزارة اخرى اساسية. وكان جواب عون بحسب ما ابلغه الى الحريري بأنه سيسمي السنيورة لرئاسة الحكومة،"على ان نعاود البحث لاحقاً في توزيع الحقائب وفي حال تم الاتفاق سنسمي الوزراء الذين يمثلوننا في الوزارة". ولم يتردد عون وأعضاء التكتل والقوى الحليفة له في تسمية السنيورة، خصوصاً انه تفاهم مع الحريري على البرنامج على ان تمهد اللقاءات اللاحقة للتوافق على تمثيل"التيار الوطني". وشكا"الجنرال"من مشكلة مع رئيس"اللقاء الديموقراطي"وليد جنبلاط، فأكد له الحريري استعداده للقيام بدور فاعل لتقريب وجهات النظر، اضافة الى انه شكا من بعض اعضاء"لقاء قرنة شهوان"الذين يواصلون استهدافه في مواقفهم السياسية. وبدا للحريري انه قادر على لعب دور وفاقي ظناً منه ان المشكلات القائمة ناجمة عن الاختلاف في الانتخابات النيابية المنتهية لا سيما ان الاول كان عبر عن وجود مشكلة بينه وبين الوزير السابق سليمان فرنجية. وأبدى عون استعداده للتوسط بين فرنجية والحريري لكن الاخير قال ان فرنجية افتعل المشكلة وهو كان يردد امام زواره في السابق ان لا خلاف لديه مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن لن يتوانى عن اتخاذ أي موقف اذا طلب منه ذلك الرئيس السوري بشار الاسد. وانتهى اللقاء الاول الى قيام علاقة جيدة بين الحريري وعون على رغم ان قوى في المعارضة كانت اظهرت عدم تفاؤلها في التوصل الى تفاهم معه تمهيداً لاشتراك كتلتة في الحكومة. ومع ان الحريري كان يستمع الى ملاحظات حلفائه في المعارضة لكنه لم يبدل وجهة نظره الداعية الى مواصلة الحوار معه، باعتبار ان له مصلحة في اقتحام كل المواقع، وخصوصاً الذين كانوا على اختلاف معه في الانتخابات النيابية ولأن التفاهم مع"التيار الوطني"يسرّع في لملمة الوضع لمصلحة المجيء بحكومة قادرة على العمل من اجل لبنان وبالتالي يؤدي الى تطويق من سيحاول وضع العصي في دواليب الوزارة الجديدة او يستفيد من التناقضات لشلها من الداخل لا سيما ان مشاركة عون تعني ان هناك قدرة على ضبط اداء الشارع لاعطاء الحكومة الفرصة لتوفير الحلول للمشكلات المستعصية. ولم يأخذ الحريري بأقوال بعض القوى في المعارضة بأن عون لن يشارك في الحكومة وانه يناور من اجل كسب الوقت من ناحية ولضرب الاجماع الذي حظي به السنيورة من خلال تسميته رئيساً للحكومة بأكثرية 126 من اصل 128 نائباً. وترك الحريري لعون وللآخرين حرية القرار والتصرف في الموقف من الحكومة، مؤكداً امام زواره انه قام بكل واجباته ولم يقصّر ازاء احد، وهو ليس من الصنف الذي يحاكم الاشخاص على نياتهم. اضافة الى انه لم يتوقف امام ما دار في الخلوة التي جمعت رئيس الجمهورية اميل لحود وعون على هامش اشتراك الاخير على رأس كتلته في الاستشارات النيابية على رغم ان قوى في المعارضة بادرت الى وضع علامة استفهام حول المواضيع التي اثيرت خلالها. وهو لم يتطرق الى هذا الموضوع مع عون الذي بادر الى التأكيد امامه انه بقي مستمعاً طوال الخلوة وان لحود برأ نفسه من التدابير والاجراءات التي كانت اتخذت بحق"الجنرال"في خلال فترة اقامته في منفاه الباريسي وانه حمّل المسؤولية للآخرين. وأدى رهان الحريري على مشاركة عون في الحكومة خلافاً لتقديرات بعض الحلفاء الى استمرار التواصل بينه وبين الحريري من خلال النائب السابق الدكتور غطاس خوري والنائب في كتلة"التيار الوطني"الدكتور نبيل نقولا والأخير كان يزور الحريري من حين الى آخر في حضور خوري، في محاولة للتغلب على عقدة وزارة العدل في ضوء تأكيد الاخير ان التمسك بها ليس انتقاصاً من الشخص الذي يسميه"التيار الوطني"لها بمقدار ما يتعلق بظروف التحقيق الدولي الجاري في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي تستدعي الاحتفاظ بهذه الوزارة الى جانب الداخلية لمصلحة"كتلة المستقبل". واقترح الحريري ان يتسلم"التيار الوطني"وزارة التربية بدلاً من العدل، وان يختار وزارة من بين الزراعة والاصلاح الاداري والبيئة، لكن جواب الاعتذار عن عدم الاشتراك في الحكومة ابلغه عون شخصياً الى الحريري بذريعة"لأن الظرف السياسي قد لا يكون مناسباً للاشتراك في الحكومة وان هناك من يدرج بنوداً اساسية في البيان الوزاري للحكومة قبل ان تتألف في اشارة الى التباين الحاصل في موقفه من القرار 1559 مع القوى التي ستتشكل منها الوزارة". كما ان عون عاد وفتح امام الحريري المشكلة التي كان اثارها سابقاً والمتعلقة باستمرار الحملات عليه من جنبلاط وپ"لقاء قرنة شهوان"، معتبراً انهم يسعون الى تطويقه في الحكومة في حال مشاركته او يعملون لتطفيشه منها. وقلّل الحريري مجدداً من الذرائع التي عددها عون لتبرير عدم مشاركته، مؤكداً امامه ان اهمية المشاركة في حكومة انقاذ لا تتأثر بانتقاد من هنا او هناك، خصوصاً انه، أي الحريري، باقٍ على موقفه بمد اليد اليه. لكن"الجنرال"حمّل النائبين غازي العريضي ووائل أبو فاعور من"اللقاء الديموقراطي" مسؤولية الهجوم عليه مع ان نواباً من"التيار الوطني"لم يقصروا على هذا الصعيد. لذلك، قد لا تكون عقدة حقيبة العدل وراء عزوف عون عن الاشتراك في الحكومة في ضوء اشارته الى الاختلاف مع الآخرين حول القرار الرقم 1559 على رغم توافقه والحريري على التواصل انطلاقاً من وجود قواسم مشتركة، اضافة الى ارتياحه للقاءات التي عقدت بينهما. الا ان عزوف عون لا يعني بالضرورة ان الطريق اصبحت سالكة امام السنيورة، ما لم تتوضح للعلن الورقة المخفية التي يحتفظ بها لحود لنفسه، وتبادر القوى الحليفة لپ"كتلة المستقبل"الى استغلال خروج"الجنرال"لتحاول ان ترفع حصتها في الوزارة بدلاً من ان تقدم"التنازلات"التي تتيح المجيء بحكومة متماسكة ومتضامنة وتؤمن اوسع مشاركة سياسية لا سيما ان قوى اساسية في المعارضة تعتبر ان تسمية الرئيس المكلف بپ126 نائباً لا تعني ان مهمته ستكون سهلة بمقدار ما انها تحتّم على المعنيين اعادة فرز مؤيدي التكليف خوفاً من ان يكون بينهم من يتطلع الى تفخيخ مهمة من يطمح الى تحقيق شعار السنيورة بدولة آمنة بدلاً من دولة امنية.