عوامل كثيرة ادت الى حسم عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الأولى بعد الانتخابات النيابية، على رغم ان خروجها الى النور كان موضع شك كبير في الوسط السياسي اللبناني نتيجة التعقيدات الكثيرة التي سبقت اعلانها ورافقت مداولات الرئيس فؤاد السنيورة مع الأفرقاء المعنيين في شأنها، معطوفة على تأزم على الحدود اللبنانية ? السورية، لا يختلف أي من رموز الوسط السياسي اللبنانية على ان خلفيته سياسية. وفيما كان العديد من القادة السياسيين يرون ان تأخر تشكيل الحكومة متعمد للإبقاء على الفراغ والحؤول دون تولي الأكثرية المعارضة مقاليد الأمور، فإن اوساطاً متعددة واكبت عملية التأليف ابلغت"الحياة"ان من الطبيعي ان يكون الضغط الدولي من اجل الإسراع في التأليف من العوامل التي ساهمت في اخراج هذه الحكومة الى النور. وتضيف هذه الأوساط ان من خلال حركة سفراء الدول الكبرى، لا سيما الأميركي وبعض السفراء الأوروبيين واجتماعاتهم العلنية مع افرقاء مختلفين واتصالات موفد الأممالمتحدة الخاص الى لبنان وسورية تيري رود لارسن مع رئيس الجمهورية اميل لحود خلال الأسبوع الماضي ومطلع هذا الأسبوع والتي قدم فيها نصائح الى لحود وقوى اخرى بوجوب تسريع التأليف لا شك في ان هناك ضغطاً دولياً كبيراً لعب دوراً في حسم المسألة. ومن بين الحجج التي استخدمها لارسن ان المجتمع الدولي يتجه الى اعتبار التأخير عرقلة تهدف الى منع الأكثرية التي افرزتها الانتخابات التي جاءت في موعدها بإصرار دولي حاسم، من ان تحكم. وعكس موقف لارسن هذا تصريحات سفراء اوروبيين ابرزهم السفير الإسباني في بيروت الذي استغرب ألا تتمكن الأكثرية من ان تؤلف الحكومة. والقاسم المشترك بين السفراء الغربيين كان:"يجب ألا يبقى البلد مفتوحاً على المجهول...". وفي المقابل تدعو مصادر واكبت الحكومة الى عدم التقليل من اهمية العوامل الداخلية التي التقت في النهاية مع الضغط الخارجي للإسراع في التأليف. وتشير هذه المصادر التي تشدد على اهمية العوامل السياسية المحلية، الى ان المداولات التي أُجريت بين ما يسمى"التحالف الرباعي"الذي يضم"تيار المستقبل"بزعامة سعد الحريري واللقاء النيابي الديموقراطي بزعامة وليد جنبلاط وحركة"امل"و"حزب الله"كانت حاسمة في توليد اجواء ضاغطة على لحود كي يقلع عن الإصرار على مشاركة كتلة العماد ميشال عون وتلبية مطالبه للموافقة على تشكيل الحكومة. وأبلغ مصدر وزاري"الحياة"ان التحالف الرباعي ناقش الاحتمالات كلها وتوصل الى قناعات كالآتي: - مسألة اشتراك العماد عون: قبل التشديد على ان تمثيل عون بأربعة وزراء كما طلب، متعذر، وأن اقصى ما تقبل به الأكثرية هو اسناد وزارتين له. وهو ما يرفضه، ناقش التحالف الرباعي الموقف السياسي لزعيم"التيار الوطني الحر"انطلاقاً من نقطتي اختلاف: القرار 1559 الذي يميل الى دعم تنفيذه وإعلانه تأييده صدور عفو عن المتعاملين مع اسرائيل اللاجئين إليها. وهذا قد يقود الى خلاف معه في صوغ البيان الوزاري، ثم في داخل مجلس الوزراء من بعدها على مواضيع عدة قد يطرحها خصوصاً ان تقويم ادائه يشير الى نيته المشاكسة لأسباب تتعلق بالزعامة المسيحية بغض النظر عن امكانات التوافق او التباعد في المسائل التي ينوي طرحها، وهو لهذا السبب قد يذهب الى الاستقالة لاحقاً من الحكومة. واستخدم المشاركون في هذا النقاش حججاً كان طرحها عدد من نواب"لقاء قرنة شهوان"حول سلبيات الأخذ بمطالب عون على حساب الحلفاء المسيحيين، فضلاً عن ان احتمال مغادرته الحكومة بعد تأليفها سيحوله من"بطل"، وهو ما يسعى إليه على الصعيد المسيحي، الى"ضحية"لاستدراج المزيد من العطف عليه،"فلماذا افساح المجال امامه ما دام هو الذي اعلن انه تقصد شق المعارضة". ورأى بعض اعضاء التحالف الرباعي ان ثمة اموراً يمكن الاتفاق عليها مع عون حتى لو بقي في المعارضة. وإذا كان يمهد منذ الآن للنزول الى الشارع فلا مانع وعلى الأكثرية الجديدة ان تسمح بالتظاهر خلافاً لنهج الحكم السابق. وانتهى اركان التحالف الرباعي نتيجة عرض مسألة عون الى التوافق على الاشتراك في الحكومة من دونه. - استمرار الفراغ الحكومي: ناقش التحالف الرباعي احتمالات استمرار عرقلة تشكيل الحكومة انطلاقاً من قناعة"تيار المستقبل"و"اللقاء الديموقراطي"بأن لحود مصدر هذه العرقلة وأن ازمة الحدود مع سورية قد تؤشر الى تنسيق بينه وبين دمشق تحت عنوان اجهاض نتائج الانتخابات، وبحجة ان حق لحود الدستوري ألا يوقع مراسيم الحكومة التي يقترحها السنيورة، بحجج منها عدم اشراك عون. وهذا وضع اذا طال سيؤدي الى تحميل وزر الفراغ للأكثرية في ظل تأزم اقتصادي على الحدود ووضع امني غير ممسوك وسط مخاوف من الاغتيالات. وعرض"المستقبل"و"اللقاء الديموقراطي"الاحتمالات التي يريانها في هذه الحال كالآتي: ان يعتذر السنيورة - الطلب الى الوزراء خالد قباني، حسن السبع وعادل حمية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة التوقف عن الحضور الى مكاتبهم لتصريف الأعمال والإقلاع عن ذلك وتحميل رئيس الجمهورية مسؤولية الوضع المتردي الذي يشكو منه المواطنون - الاتجاه الى امتناع الأكثرية عن تسمية رئيس جديد للحكومة عندما يجري لحود استشارات جديدة بعد اعتذار السنيورة - تولي الكتل الباقية 56 نائباً هم اقل من الأكثرية المطلقة التي هي 64 تسمية رئيس جديد للحكومة فإذا شكلها تمتنع الأكثرية معارضة البريستول المؤلفة من 72 عن منح الثقة مما يعني عدم حصول الحكومة على الثقة مما يعني العودة الى فراغ يتحمل مسؤوليته عدم حصول الحكومة على الثقة وما يعني العودة الى فراغ يتحمل مسؤوليته لحود والكتل التي قد تتعاون معه. وعند درس انعكاسات احتمال اعتماد هذا المسار تبين الآتي: سيؤدي الفراغ الى المزيد من الفوضى والهريان والانهيار الاقتصادي والسياسي، على رغم ان المعارضة ? الأكثرية تكون رمت الأزمة في وجه الآخرين. وسيتسبب ذلك بإضعاف الوضع اللبناني ويفتح الساحة على المزيد من التدخلات الخارجية والضغوط على لبنان وسورية لتنفيذ القرار 1559 في ما يخص سلاح المخيمات والمقاومة. وفي المقابل سيصبح الوضع اللبناني الداخلي في شكل نهائي رهينة في يد رئيس الجمهورية في شكل يكرس معادلة داخلية تعطي الرئاسة حق تعطيل البلاد مما يؤدي الى نسف اتفاق الطائف وجوهره. وقادت مناقشة هذا السيناريو الى مخاوف لدى"امل"و"حزب الله"من نتائجه ورفضهما ان تصل الأمور الى هذا الحد. - الموقف من لحود: عند مناقشة سيناريو آخر هو اعادة تسمية السنيورة من جانب الأكثرية بعد اعتذاره في حال استمر رفض لحود اصدار المراسيم من دون اشتراك عون. واتفق ان يشترك"حزب الله"و"أمل"في هذه التسمية، على ان يتقدم السنيورة بالتشكيلة نفسها من دون عون، الى لحود. وإزاء احتمال ان يرفضها لحود مجدداً نوقش الأمر من الزوايا الآتية: لماذا يطرح لحود التوازن في الحكومة خصوصاً على الصعيد المسيحي فيما جاءت كل الحكومات في عهده خالية من التمثيل المسيحي الفعلي وتحديداً من الأفرقاء الذين يسعى السنيورة الى تمثيلهم الآن قرنة شهوان والقوات ومن المسيحيين المتحالفين مع المعارضة؟- ان الحكومات السابقة التي كانت تضم معظم كتل البرلمان او كلها، كانت تتم بالرعاية السورية لعمل هذه الحكومات وللمتناقضات، اما الآن فسورية غير موجودة لترعى الصراعات داخل مجلس الوزراء، فماذا يمنع ان يبقى عون خارج الحكومة؟ ولماذا يصر على إشراك المؤيد للقرار 1559، في وقت هو يقول انه مع احتفاظ المقاومة بسلاحها؟ وعليه، فإذا رفض لحود تشكيلة السنيورة مجدداً يفترض اتخاذ موقف من طريقة ادارته للأمور وخصوصاً من جانب"امل"و"حزب الله"لدفعه الى وقف عرقلة التأليف وإبلاغه انه لا يستطيع مواصلة سياسته السابقة، غير آخذ في الاعتبار تشكل اكثرية برلمانية واضحة فيستمر في الاستئثار بالقرار. وأكدت"امل"و"حزب الله"استعدادهما لإبلاغ لحود انهما جزء من تشكيلة السنيورة ومن دون عون وأن عليه تسهيل الأمر وعدم عرقلة التأليف. وتدارس الأفرقاء الأربعة الاحتمالات في حال لم يتجاوب لحود وأبقوا البت في الموقف الى حينه. وفي هذا السياق، طمأن مسؤولو"امل"و"حزب الله"سعد الحريري الى ان ممثليهما في الحكومة لن يكونوا في عداد الثلث المعطل الى جانب ممثلي لحود وأن التحالف مع"تيار المستقبل"و"اللقاء الديموقراطي"ضمانته هي الاتفاق السياسي مع الطرفين والرغبة في مواجهة المرحلة بتنسيق كامل على جميع الصعد.