مع إشراق خيوط الفجر الأولى، دخلت سفينة"كوستا فورتونا"الايطالية الى ميناء حلق الوادي شمال العاصمة التونسية وعلى متنها مئات السياح الأوروبيين الذين غادروا غرفهم ليلقوا نظرة من ظهر السفينة الضخمة على المدينة التي غزاها الضوء فبدأت تستيقظ متثاقلة لتستقبل يوماً جديداً. وليست"كوستا فورتونا"السفينة الوحيدة التي حملت سياحاً يفضلون ركوب البحر على امتطاء الطائرات، ففي كل يوم تقريباً ترسو سفينة في حلق الوادي لينتشر راكبوها في أسواق تونس القديمة أو في المواقع الأثرية في مدينة قرطاج أو في ضاحية سيدي بوسعيد المعلقة بين الجبل والبحر. وبعدما كانت الجولات البحرية التي تنظمها مكاتب سفريات أوروبية تقتصر على البلدان المطلة على الساحل الشمالي للمتوسط خصوصا ايطاليا واسبانيا والجزر اليونانية، أدمجت تونس في شبكة الموانئ التي تشملها تلك الرحلات، ولوحظ أن سفناً اسبانية وايطالية وفرنسية باتت تتردد عليها حاملة آلاف السياح. وهكذا استطاعت تونس أن تحصل على حصة متزايدة من السياح الأوروبيين والأميركيين الذين يزورون موانئ البحر المتوسط والذين يرتفع عددهم بنسبة 20 في المئة سنوياً، خصوصاً بعد انضمام مالطا للاتحاد الأوروبي اذ يقول خبراء تونسيون ان تلك الخطوة خففت من المنافسة الشديدة التي كانت تشكلها الموانئ المالطية على ميناء تونس. ويعتبر"سياح السفن"من أفضل الزبائن لدى التونسيين كونهم ينتمون الى شرائح موسرة أو متوسطة معروفة بانفاقها. ويسلك هؤلاء السياح بعد نزولهم من البواخر مساراً سياحياً يشمل أسواق المدينة التجارية التي تشبه سوق الحميدية في الشام أو الشورجة في بغداد ويقبلون على شراء المشغولات التقليدية، وصار كثيرون منهم يحذقون في مساومة التجار على الأسعار لاقتناء هدايا لأفراد أسرهم بعد العودة الى بلدانهم. ويقدر حجم الانفاق بمئة دولار في المتوسط للسائح الواحد خلال ساعات قليلة. وأظهرت احصاءات ديوان السياحة التونسي أن أعداد السياح الذين وصلوا البلد بواسطة السفن في اطار الجولات البحرية العام الماضي اجتازت حاجز الأربع مئة ألف سائح اذ بلغت 415 ألف سائح. ويتوقع أن يرتفع العدد في السنة الجارية الى 600 ألف سائح سيحلون في ميناء حلق الوادي وحده بالاضافة الى90 ألف سائح يرجح أن يحلوا في الموانئ الأخرى. وأشارت تقديرات ديوان السياحة الى أن العدد سيرتفع الى مليون سائح في مطلع العقد المقبل. وبالنظر الى نجاح هذا النمط من السياحة، ركّز التونسيون على تطوير الموانئ المتخصصة باستقبال السفن السياحية وباشروا أخيراً انشاء ميناء جديد في حلق الوادي مخصص لرسوَ هذا النوع من السفن، فيما انطلقت الدراسات الفنية لاقامة ميناءين مماثلين في كل من بنزرت شمال وسوسة وسط. ويجري التخطيط لانشاء ميناء ثالث في واحة قابس جنوب وهي من الواحات البحرية القليلة على ضفاف المتوسط. كذلك باشر التونسيون التنسيق مع ميناءي مرسيليا الفرنسي وبرشلونة الاسباني لاستقطاب السياح في اطار جولات تشمل الموانئ الثلاثة، وذكر أن هذا التنسيق يتم من خلال"المنظمة المتوسطية للسياحة البحرية". كذلك توصلوا الى اتفاقات في المعنى نفسه مع سلطات ميناء جنوة الايطالي لتسيير رحلات سياحية تشمل الميناءين.