اطلعت على المقال المنشور في جريدتكم الغراء للشاعر العربي الأستاذ محمد بنيس تحت عنوان "امكنة مختلفة - في احتضار اللغة العربية"، وذلك في العدد الصادر بتاريخ 6/5/2005. وتعليقاً على ما ورد في المقال أود ان أسجل ملاحظة استرعت الانتباه وهي ان الكاتب الكبير استخدم في مقاله كلمة "احتضار" ثماني عشرة مرة... الأمر الذي يعكس حال التشاؤم العام والإحباط الشديد التي يشعر بها كاتبنا وأشعر بها معه، إلا ان تشاؤمه تجاه اللغة العربية التي يتوقع لها ان تندثر، وتجاه العروبة التي يرى ان لا وجود لها في الواقع ربما جاوزت حدود التوقع المنطقي، وخصوصاً حيث قال إنه لن يكون هناك وجود لعالم عربي، وأن الجامعة العربية لا تعنى بعد هذا شيئاً، فهي مؤسسة ذات وضع سياسي رمزي، تفتقد القدرة على تسمية العالم العربي وأنها ليست المقررة في مصير فكرة العروبة... الخ. وأن لغات عدة تندثر اليوم بسرعة، منها لغات اوروبية، وأن التلفزيون وحده يقوم يومياً بمهمة القضاء على تلك اللغات، وأن الأمر لم يعد يتطلب حملات تطهيرية فالتلفزة تقوم بالمهمة التي كانت الجيوش الإيديولوجية تتقن تنفيذها. وكم كنت اود ألا يصل كاتب وشاعر كبير مثل محمد بنيس الى هذه الخلاصة السلبية في حق اللغة العربية، او ان يقول بسهولة خلع رداء العروبة التي واجهت وستواجه - مثل غيرها - الكثير من الصعوبات والتحديات، وأقول انه بفضل العلماء والأدباء والكتّاب من ابنائها - مثل الأستاذ بنيس نفسه - ستظل اللغة العربية لغة يتحدث بها مئات الملايين، وبها ينتجون ويتواصلون ويعبرون عن تاريخهم ويعيشون حاضرهم ويبنون مستقبلهم. وكم اتمنى عليه بل وأطالبه بأن يقود حملة بين ابناء هذا الجيل، المستنيرين منهم على رأسهم، لمواجهة ما اشار إليه من احتمالات احتضار اللغة العربية، وأن يشدوا من أزر مبدعينا ومثقفينا بعيداً من روحية الاستسلام. ولعلي في هذا السياق أذكر كاتبنا الأديب بما تناقلته بعض وسائل الإعلام العربية من بث روح اليأس والقنوط تجاه المشاركة العربية الجماعية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب للعام 2004، واختيار العالم العربي ليكون ضيف الشرف والمحور الرئيس في هذه التظاهرة الثقافية المهمة. وجاءت النتائج الإيجابية التي حققتها المشاركة العربية في هذا المعرض على عكس هذه التوقعات المتشائمة، وتحقق الكثير مما كنا نأمله منها حيث زار الجناح العربي عشرات الألوف واطلعوا على حضارتنا وثقافتنا العربية بانبهار وإعجاب شديدين، وصدرت خلال المعرض تعليقات صحافية عالمية حول الأدب والفكر العربيين زادت على ستة آلاف تعليق وخبر وصورة، وأدى هذا الحدث دوره في مواجهة الهجمة الشرسة على الحضارة والثقافة العربيتين التي اشاد بهما وبدورهما في إثراء الحضارة الغربية المستشار الألماني غيرهارد شرودر في كلمته القيمة في حفل افتتاح معرض فرانكفورت الدولي للكتاب يوم 5/10/2004، والتي تجاوزت مضمونها الثقافي الى مغزاها السياسي. إن هذه التظاهرة الثقافية ما كانت تتم لولا اصرار قلة من رجال الأدب والسياسة على رفض كل اسباب اليأس والقنوط، وتلك هي عبقرية الأمة التي تواجه المحن والتحديات بصبر وعزيمة وإصرار، وأذكر هنا بما تم في القمة العربية التي عقدت في تونس في ايار مايو عام 2004، من اصدار وثيقة للتطوير والتحديث نابعة من حاجات الإنسان العربي نفسه، نسهر الآن على متابعة تنفيذها، هذا إضافة الى الدور الذي قامت وتقوم به الجامعة العربية من اجل ترسيخ مسيرة الإصلاح والتحديث في الوطن العربي. وأود ان اؤكد لكاتبنا المميز الذي طالما سعدنا بكتاباته وإبداعاته، ونتمنى له ان يتجاوز الحال التي كتب فيها مقاله، ان اللغة العربية لن تحتضر، وأن العروبة لن تندثر... فالعربية هي لغة القرآن الكريم وستظل محفوظة بوعد الله في قوله الحق"إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون"، فمنذ نزوله استقام اللسان العربي لفظاً وسهل بياناً وترقرق لغة، وبفضل هذا الإعجاز لن تحتضر اللغة العربية، ولن تندثر طالما تمسكنا بها جميعاً وأثرينا اركانها بالجديد في عالم المعلومات والتقنية ومختلف ارجاء منظومة المعرفة العالمية. ان اللغة العربية - على رغم كل محاولات النيل من ثوابتها وقواعدها - قادرة على مواجهة تحديات العولمة الراهنة بالتواصل مع الحضارات والثقافات المختلفة والتفاعل معها، وعلى أدبائنا ومبدعينا، والسيد بينيس واحد منهم، ان يدعموا لغتنا بإسهاماتهم وعصارة افكارهم، وعلينا ان ندعمهم بحركة ترجمة نشطة، من اللغة العربية وإليها، تتناول مختلف نواحي العلم والفن والأدب العالمي المعاصر. ذهب الكاتب المقتدر في مقاله الى ان العروبة مضت بسرعة مثلما اتت بسرعة، وأن العربية في حال احتضار وأنا وإن كنت، كما قلت، اشارك الكاتب حال الإحباط العام بل والغضب لحال"العروبة"وكذلك لحال الإسلام والمسلمين، إلا انني اعقد الأمل على اهل العلم وأصحاب الفكر وأولي العزم من اعضاء المجتمعات العربية كي يتصدوا لمحاولات اضعاف العروبة وهزيمتها. والتاريخ كما يعلم اخي محمد بنيس ممتد امتداد الدهر نفسه، ولست ارجو ان يكون من انصار نظرية نهاية التاريخ، فالكلمة النهائية لم تقل بعد، هذا إذا كان هناك نهاية كلف البعض نفسه بأن يقول بها دون وجه حق او منطق. وختاماً، اود ان انتهز هذه الفرصة للإشادة بالجهد المميز الذي تبذلونه وزملاؤكم في اصدار جريدة"الحياة"وفي اختيار موضوعاتها الممتعة متمنياً لكم التوفيق، هذا وأرجو التفضل بنشر هذا التعليق بالطريقة التي ترون. الأمين العام لجامعة الدول العربية