يتدارس سفراء الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة الاميركية في بيروت السبل الآيلة لمساعدة لبنان الذي يستعد للانتقال الى مرحلة سياسية جديدة في ضوء نتائج الانتخابات النيابية التي اعطت المعارضة غالبية المقاعد في البرلمان، خصوصاً انه في حاجة ماسة اليها، لتمكينه من مواجهة المشكلات التي يواجهها على الصعد كلها. وأكد مصدر اوروبي رفيع لپ"الحياة"ان السفراء يتباحثون حالياً في مجموعة من الافكار التي تتيح للبنان التغلب على ازماته السياسية والمالية والاجتماعية وذلك من خلال احتمال الدعوة الى عقد مؤتمر دولي في هذا الخصوص برعاية الاممالمتحدة، او الاستعاضة عنه بعقد ورشة عمل دولية تخصص لتقديم المقترحات بالتعاون مع الحكومة الجديدة. وكشف المصدر ان الولاياتالمتحدة تساند فكرة عقد مؤتمر دولي لمساعدة لبنان شرط ان يبقى محصوراً بالشأن الاقتصادي والتحضير له من خلال مبادرة الحكومة الجديدة الى وضع خطة عملية لمكافحة الهدر والفساد وتحقيق الاصلاح الاداري والمالي وخفض اعباء القطاع العام الذي اصبح في حاجة الى اعادة نظر في معالجة الفائض في عدد الموظفين. لكنه لفت الى ان للمجموعة الاوروبية نظرة خاصة تتعلق بالتحضير للمؤتمر وتقوم على ضرورة تقديم مقترحات اقتصادية - سياسية للحكومة الجديدة انطلاقاً من شعورها بأن هناك صعوبة في الفصل بين المسألتين لما بينهما من ارتباط وثيق بهدف توفير الحماية للاقتصاد. وأضاف المصدر ان فرنسا تطلب ادخال تعديل على الفكرة التي تطرحها الولاياتالمتحدة انطلاقاً من تقويمها للتجربة الاصلاحية الماضية التي خاضها رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري بعد عقد مؤتمري باريس الاول والثاني اللذين خصصا لمساعدة الحكومة من اجل التغلب على الاعباء المالية الناجمة عن خدمة الدين العام وخفض العجز في الموازنة العامة للدولة. ونقل المصدر عن سفير اوروبي بارز قوله ان حكومة الحريري تقدمت بمشروع اقتصادي - سياسي متكامل لكنها اصطدمت في نهاية المطاف بعقبات سياسية كان مصدرها مجلس الوزراء وتحديداً رئيس الجمهورية اميل لحود على رغم ان الحريري قدم تنازلات في التعيينات وفي امور اخرى لمصلحة تحصين ورقة العمل اللبنانية الى"باريس -2"لكنه اكتشف ان القرار السياسي ليس عنده ولم يكن معه. واعتبر ان لبنان فوّت على نفسه فرصة مهمة امنها له"باريس -2"الذي لم يكن ليعقد لولا الدور البارز للحريري الذي احسن توظيف علاقاته العربية والدولية لمصلحة دعم الخطة الهادفة للنهوض بالبلد، مشيراً الى ان لبنان كان في مقدوره ان يحتفظ بهذه الفرصة لو بقي الحريري على قيد الحياة. اما وان الحريري قد استشهد - كما يقول السفير - فإن الذين يقفون وراء الجريمة اضاعوا على لبنان فرصة قد لا تتكرر وبالتالي لا بد من البحث عن الاطار العام لمساعدته، خصوصاً ان امامه فرصة جديدة تمثلت في مسيرة الرابع عشر من آذار مارس التي كان يمكن ان تؤدي الى تغيير النظام اللبناني برمته لولا اصطدام هذه المناسبة بالواقع الطائفي وبالعوائق السياسية. فرصة لا تعوض ورأى السفير ايضاً ان الفرصة الراهنة للبنان قد لا تعوض في المستقبل اذا لم تحسن الحكومة الجديدة استخدامها وتوظيفها في المكان الصحيح لا سيما ان البلد في ضوء نتائج الانتخابات النيابية لا يزال طري العود وفي حاجة الى عملية انقاذية لقطع الطريق على اغتيال هذه الفرصة وحتى لا يتأثر بالتداعيات الامنية لاستمرار الاغتيالات. ورداً على سؤال اكد ان لبنان يجب ان يتغير ولا يجوز بعد كل الذي حصل العودة الى الماضي، خصوصاً بعد نجاح المعارضة في الانتخابات النيابية مما يتيح لها ان تحكم كفريق عمل متجانس بالتعاون مع القوى الاخرى التي يمكن ان تتوافق واياها على برنامج عمل سياسي ? اقتصادي. ولفت الى ان اتفاق الطائف وان كان اسهم في انهاء الحرب في لبنان، فإنه في المقابل لم يؤمن الاستقرار السياسي فيه، وعزا السبب الى وجود التباس في بعض بنوده دفعت البعض الى الاجتهاد في تفسيرها بشكل اوجد حكماً بثلاثة رؤوس. وأضاف:"ان عدم تطبيق الطائف كما يجب ادى ايضاً الى التداخل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والى مد اليد الى القضاء مما ادى الى ضرب استقلاليته، اضافة الى انه اوجد شراكة بين البرلمان والحكومة خلافاً للأصول". وأشار السفير ايضاً الى ان الطائف اخذ بعض الصلاحيات من رئيس الجمهورية ووضعها في مجلس الوزراء مجتمعاً لكن الاخير بقي مشلولاً بسبب التجاذبات التي عصفت بالسلطة التنفيذية والمواقف السياسية المسبقة لرئيس الجمهورية من رئيس الحكومة. وتوقف امام ما كان يقال في وسائل الاعلام من ان الامن والسياسة من صلاحية رئيس الجمهورية والاقتصاد في عهدة رئيس الحكومة. ورأى ان تقسيم الصلاحيات اطاح بمجلس الوزراء وبالتالي اعاق تطبيق أي خطة اصلاحية، مستغرباً العودة الى استحضار مثل هذا التصنيف مع بدء الاتصالات لتشكيل الحكومة الجديدة. واذ استبعد لجوء لحود الى عرقلة مهمة تأليف الحكومة الجديدة، قال السفير الاوروبي كما ينقل عنه المصدر ان الغالبية النيابية يجب ان تحكم وانه لا يرى تفسيراً لما يتناقله البعض من ان الاول يريد الاحتفاظ بالثلث المعطل في داخل مجلس الوزراء. وأضاف ان نظام المحاصصة في الوظائف والوزارات كان وراء شلل الدولة واخفاقها في التصدي للمشكلات العاتية، مشيراً الى ان الحكومة مسؤولة امام البرلمان الذي وحده يحق له محاسبتها ومراقبتها على اعمالها. وحذر من مغبة الوقوع سلفاً في محظور المحاصصة، او في تحويل مجلس الوزراء الى برلمان مصغر يفتقد الى الانسجام من جهة والى برنامج العمل. وقال ان أي تصرف في داخل الحكومة يظهرها بمثابة جزر امنية سياسية سيرتد سلباً على البلد. لحود والتجارب السابقة واستبعد ان يكون في ذهن لحود العودة الى التجارب السابقة مع الحكومات السالفة. وقال ان النصوص الدستورية وان كانت واضحة، فهذا لا يعني انه يحق له ممارسة حق الفيتو ازاء تأليف الحكومة بل يستطيع ان يمارس دوره من خلال مجلس الوزراء. وعزا السبب الى ان الاوضاع السياسية تغيرت وان الدور السوري المباشر في الحياة السياسية لم يعد موجوداً بعد ان تراجع النفوذ الامني لدمشق اضافة الى ان الاخيرة باتت الآن في غنى عن تكرار تدخلاتها التي اساءت الى دورها في لبنان ناهيك أن رئيس الجمهورية لم يعد على تناغم مع كتل نيابية كبيرة كما كان في الماضي وأصبح مضطراً للدخول مباشرة على خط الاختلاف وهذا لن يكون لمصلحته اذا اراد ان يضع نفسه في مواجهة مع المعارضة او المجتمع الدولي. واستبعد السفير الاوروبي امكان تحريك مسألة استقالة لحود وقال انه باقٍ حتى اشعار آخر، لكنه بات يتوجب عليه ايجاد خطة للتعايش مع الحكومة الجديدة بدلاً من ان يضع نفسه في مواجهة مع الاكثرية النيابية التي قد لا تقتصر على الغالبية المتمثلة حالياً بقوى المعارضة. كما دعا السفير الى تعايش المعارضة مع تيار العماد ميشال عون الذي وصل الى البرلمان بكتلة نيابية جراء شعور فريق كبير من المسيحيين بأنه في حاجة الى زعيم مسيحي اسوة بالطوائف الاخرى، وبصرف النظر عن مواقفه او الشعارات التي يطرحها. وفي هذا السياق قال السفير انه لا يجد تفسيراً للحال الشعبية التي يتمتع بها عون في الشارع المسيحي، خصوصاً انه كان بنى رصيده على اساس خطابه المناوئ لسورية، بينما اليوم لم يتبدل هذا الرصيد على رغم انه تحالف في الانتخابات مع ابرز حلفاء سورية. وأوضح ايضاً انه يفضل عدم الدخول في الخطابات الانتخابية التي اطل بها هذا الفريق او ذاك على جمهوره لكنه رأى ان هناك خللاً كبيراً في قانون الانتخاب وان من الافضل للبنان اتباع القانون القائم على الدوائر الكبرى مع النسبية بذريعة انه وحده يخفف من الشحن الطائفي. وكشف ان لدى المجتمع الدولي مجموعة من الافكار السياسية سيبادر الى طرحها في الوقت المناسب وتحديداً في ورشة العمل الدولية او المؤتمر الدولي. وقال:"اننا لا نريد استبدال الوصاية السورية على لبنان بوصاية دولية بمقدار ما اننا نتطلع الى دور هذه الافكار في انارة الطريق امام اللبنانيين وهم يتناقشون في العناوين الرئيسية لقانون انتخاب جديد يعزز انتماء الشباب الى الوطن بدلاً من الطائفة". تنفيذ ال 1559 ولاحظ السفير ايضاً ان معظم الدول الاوروبية ينصح الولاياتالمتحدة الاميركية بعدم الضغط على الحكومة الجديدة لدفعها الى ادراج استكمال تطبيق القرار الرقم 1559 على بساط البحث لا سيما لجهة نزع سلاح المقاومة. وقال:"ان مجرد طرحه يعني تفخيخ الوضع السياسي في لبنان"، مشيراً الى ان المقاومة كانت تتمتع بغطاء سياسي شيعي، اما اليوم فهي تحظى بتأييد واسع على خلفية ان مصير سلاحها شأن داخلي، مؤكداً ان"حزب الله"سيسعى جاهداً الى التكيف مع هذا الاجماع وعدم التفريط فيه، اضافة الى انه يقرأ جيداً التطورات الراهنة في المنطقة وسيحاول عدم توريط لبنان في مشكلات امنية اذا حاول العودة الى استخدام سلاحه ضد اسرائيل. وأوضح ان احتفاظ الحزب بسلاحه لن يكون عائقاً امام بسط الدولة سلطتها بالكامل، شرط ان يراعي المتغيرات في المنطقة، مؤكداً ان عودة المحافظين في ايران الى سدة رئاسة الجمهورية لن يبدّل من تعهدات طهران امام المجتمع الدولي، ومعتبراً ان ما حصل لم يكن ابعد من المنافسة على السلطة فيها، ومستبعداً أي انقلاب في الموقف الايراني من المسائل الاقليمية والدولية. وبالنسبة الى التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، قال ان من الافضل ترك هذه القضية للجهة المعنية دولياً وعدم الخوض في تفاصيلها حرصاً على سلامة التحقيق وسريته، لافتاً الى انه ليس مع اتهام لحود للأصوليين او للاسرائيليين بأنهم وراء ارتكاب الاغتيالات. وعزا السبب الى ان لحود هو الآن رئيس الجمهورية اللبنانية وبالتالي يفترض ان تكون لديه معطيات كانت وراء توجيهه الاتهامات تستدعي منه وضعها في تصرف لجنة التحقيق الدولية، مؤكداً ان كلامه في هذا الخصوص ليس دفاعاً عن هذه الجهة او تلك. لكن من غير الجائز للحود اللجوء الى التحليل السياسي في تحديد الجهة الفاعلة، اسوة بما يقوم به في العادة الصحافيون او المحللون السياسيون. وفضل السفير عدم المجيء برئيس حيادي للحكومة، وقال:"ان الانتصار الكبير الذي حصده سعد الدين الحريري في الانتخابات بات يرتب عليه اعباء سياسية كبرى تضعه امام مسؤولياته على هذا الصعيد سواء ارتأى ان يكون رئيساً للحكومة او ترشيح من ينوب عنه في تمثيل"كتلة المستقبل"ومن خلالها المعارضة التي يجب ان تشارك بكل ثقلها في الوزارة الجديدة". وأكد ان لرئيس الجمهورية الحق في ان يشارك وان يكون له رأي في كل شاردة وواردة لكن على قاعدة احترام الاكثرية والاخذ برأيها. اما على صعيد العلاقات السورية - اللبنانية، فأكد السفير ان سورية بلد كبير له اهميته في المنطقة وتربطه بلبنان علاقات تاريخية وان الحديث عن الاخوة والعلاقات المميزة هو أمر بديهي لكن لا بد من الاقرار بالخصوصية السياسية التي يتمتع بها لبنان شرط ان تكون من خلال النظرة المستقبلية لهذا البلد الذي يجب ألا يظهر وكأنه تابع لسورية او ان شؤونه تدار من دمشق.