قال مرجع حكومي لبناني انه تلقى معطيات تفيد بأن المعارضة تفهمت اخيراً وجهة نظر الولاياتالمتحدة الأميركية والمجموعة الأوروبية القائلة بالتركيز حالياً على تشكيل حكومة جديدة تتولى الإشراف على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها او بتأخر اسابيع عدة من اجل اقرار قانون الانتخاب والتحضير لها تقنياً ولوجستياً. ونقل زوار المرجع عنه قوله ان رئيس الحكومة المكلف عمر كرامي تلقى معلومات بأن مساعد نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد كان نصح قادة المعارضة عندما زار بيروت اخيراً قبل ان يعود ثانية اليها ليخلف السفير الأميركي جيفري فيلتمان لفترة موقتة بضرورة سحب طلب استقالة رئيس الجمهورية اميل لحود من التداول، لكن رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط ومعه عدد من الشخصيات المعارضة اصروا على اعطاء الأولوية لانتخاب رئيس جديد للبنان. ولفت الى ان وزير الاقتصاد المستقيل عدنان القصار الذي كان زار المختارة والتقى جنبلاط موفداً من رئيس الحكومة المكلف عمر كرامي، عاد بانطباع بأن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي لم يبدل موقفه وأنه يصر على استقالة لحود شرطاً للبحث في القضايا الأخرى المترتبة على جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن المرجع لاحظ ان جنبلاط بدأ يعيد النظر في موقفه بعد استقباله في المختارة عدداً من السفراء الأجانب وكان آخرهم اول من امس السفير الأميركي في بيروت فيلتمان. وأفادت اوساط كرامي بأن السفراء نصحوا بإعطاء الأولوية لتشكيل حكومة جديدة تشرف على الانتخابات النيابية، مشيرة الى ان جنبلاط اقتنع بالفكرة وأعلن موافقته عليها بعد اجتماعه في القاهرة مع الرئيس المصري حسني مبارك. وأكد المرجع الحكومي ان كرامي تبلغ بعيداً من الأضواء من فيلتمان ان جنبلاط بات اقرب الى وجهة النظر القائلة بتأجيل البحث في قضية لحود الى ما بعد اجراء الانتخابات. وأشار المرجع الى ان كرامي سيحسم موقفه من تشكيل الحكومة الجديدة في الأيام المقبلة بعد الوقوف على وجهة نظر البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير العائد من الولاياتالمتحدة الأميركية والتي سينقلها إليه وزير الدولة المستقيل ألبير منصور. وقد يتزامن ذلك مع الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق دولية في جريمة اغتيال الحريري بقرار يتخذه مجلس الأمن الدولي في ضوء التقرير الذي اعده رئيس الفريق الدولي للتقصي عن الحقائق الجنرال الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد، واعتبر انه سيكون للتوجه الذي سيرسمه مجلس الأمن الدولي في خصوص الجريمة دور في بلورة الموقف الذي سيتخذه كرامي. وبالنسبة الى موقف المجموعة الأوروبية والولاياتالمتحدة من اعطاء الأولوية لمسألتي الحكومة الجديدة وإجراء الانتخابات، اكدت مصادر بارزة في المعارضة ان هناك صعوبة الآن في طرح استقالة لحود على بساط البحث وكأولوية يتوقف عليها مصير الأزمة السياسية. وعزت السبب الى ان الدول المعنية بالوضع اللبناني تخشى من ان يؤدي التركيز على استقالة لحود الى احداث فراغ دستوري يمكن ان يمدد عمر الأزمة ويدخل البلد في اجواء عدم الاستقرار التي تفسح المجال امام عودة دورة العنف. ورأت المصادر ان لا شيء في الدستور اللبناني ينص على استقالة رئيس الجمهورية. وبالتالي فإن تعديل الدستور في شكل يسمح بالخوض فيها يحتاج الى موافقة ثلثي اعضاء المجلس النيابي وهذا غير متوافر في الوقت الحاضر. وأكدت ان تعذر ضمان موافقة ثلثي اعضاء المجلس النيابي يعود الى امر اساس هو ان دمشق ليست في وارد تسليم رأس رئيس الجمهورية للمعارضة في ظل اشتداد الحملات الإعلامية والسياسية ضدها، اضافة الى ان تسوية في هذا الشأن تتطلب الدخول في صفقة سورية - دولية تتجاوز قدرة الأطراف المحلية على التأثير في مجرياتها. وتابعت ان البعض يحاول ان يتصرف وكأن الخروج العسكري السوري من لبنان يشكل نهاية المطاف لدور دمشق في الساحة المحلية، بينما ما زالت الأخيرة قادرة على لعب دور ولن تفرط بورقة الرئاسة الأولى وبالتالي انتزاع موافقتها على التضحية بلحود الحليف الأساس لها، مشيرة الى ان شخصيات تربطها علاقة بدمشق وبجنبلاط بدأت تتحرك على خط المختارة - دمشق في محاولة لاستكشاف سبل تبريد الأجواء. وأضافت المصادر ان هناك عوائق اخرى في وجه طرح استقالة لحود في مقدمها الموقف المشترك لحركة"امل"و"حزب الله"، اذ ان الأخير يشترط قيام حوار غير مشروط يتناول كل القضايا بما فيها تلك التي ما زالت عالقة، وإلا فهو ليس مستعداً لحصر البحث في مسألة سلاح المقاومة ودورها. وعن مدى استعداد المعارضة للتوافق على الحكومة الجديدة والانتخابات قالت المصادر ان زيارة البطريرك صفير لواشنطن كانت مقررة قبل حصول جريمة اغتيال الرئيس الشهيد وأن الأخير اطلق جملة من المواقف اقل ما يقال فيها انها اوجدت نقزة لدى"حزب الله"جراء دعوته الى جمع سلاح المقاومة بذريعة ان اهداف وجوده قد تحققت اضافة الى انه لا يحبذ ابداً استقالة لحود ويفضل ان يترك البحث في هذا الخصوص الى ما بعد اجراء الانتخابات. وإذ ذكرت بأن المعارضة كلها اشترطت في مقابل اشتراكها في الحكومة تحقيق الانسحاب العسكري السوري الشامل وتشكيل لجنة تحقيق دولية في اغتيال الحريري، وإقالة قادة الأجهزة الأمنية والمدعي العام التمييزي وزير العدل المستقيل عدنان عضوم، وقد تحقق حتى الآن طلب الانسحاب. وأكدت ان لجنة التحقيق الدولية ستشكل قريباً وأن لا دور للقوى المحلية على هذا الصعيد لأن الفضل في ذلك يعود الى مجلس الأمن الدولي، مشيرة الى ان مجرد تشكيلها سيدفع باتجاه منح قادة الأجهزة اجازة إدارية الى حين الانتهاء من التحقيق الدولي. وأشارت - بحسب اوساط دولية - الى ان تحقيق ثلاثة مطالب تعتبر اساسية للمعارضة من شأنه ان يوفر الغطاء السياسي لها للاشتراك في حكومة اتحاد وطني تشرف على اجراء الانتخابات, موضحة ان الإدارة الأميركية نصحت بتأليفها وهذا ما يفسر ميل لحود الى تبنيها وإن كان يفضل ان تتمثل بثلث اعضاء الحكومة. وأكدت الأوساط انه لن تكون هناك قدرة على التوفيق بين لحود والمعارضة، وأنه في حال تعذرت الجهود في الوصول الى تسوية فلا مانع من تشكيل حكومة حيادية او انتقالية، معتبرة ان التعاطف الشعبي مع المعارضة يجب ان يدفعها باتجاه الإصرار على اجراء الانتخابات اليوم قبل الغد وأن تأجيلها لمدة سنة قد يحول دون توظيف المد الشعبي في الانتخابات وذلك نظراً لما سيترتب على لبنان من تطورات قد تأخذ البلد الى مكان آخر سياسياً. ورأت الأوساط ذاتها ان لدى المعارضة في الوقت الحاضر القدرة على الفوز بمقاعد نيابية يمكن ان تسهم في قلب ميزان القوى رأساً على عقب، او انها في اسوأ الأحوال ستكون قادرة على السيطرة في البرلمان خصوصاً ان اعتماد أي قانون لن يمنعها من الاستئثار بالعدد الأكبر من المقاعد في الشمال اضافة الى سيطرتها على غالبية المقاعد في بيروت والجبل ما عدا الاختراقات الأساسية التي ستسجلها في البقاع الغربي. واعتبرت ان القدرة المتاحة للمعارضة في السيطرة على البرلمان الجديد مشروطة بتوافقها على خوض الانتخابات في لوائح موحدة وعدم الوقوع في خلاف على توزيع الحصص وخصوصاً في جبل لبنان.