قبل أعوام قليلة، كان آلاف الأكراد يتوافدون من مختلف مناطق سكناهم في سورية الى منطقة الجزيرة القامشلي وما حولها. وقد يبدو للقارئ أن الجزيرة باعتبارها منطقة كردية كانت وجهة لسياحة داخلية كردية، ربما لجمالها وكثرة مدنها وبلداتها وقصباتها. صحيح أن الجزيرة تمتلك مقومات الجمال الطبيعية والأثرية ولكنها غير مستثمرة، وكبرى مدنها هي القامشلي، وهناك مدينة عامودا الخالدة في الذاكرة الكردية الحديثة التي اشتهرت بحريق دار السينما الوحيدة فيها إبَّان الثورة الجزائرية وقد أتت ألسنة اللهب على مئات الأطفال، الذين جُلبوا لحضور فيلم وليذهب الريع دعماً للثورة الجزائرية، فكانوا قافلة الشهداء الكردية للثورة الجزائرية. وهناك مدينة سري كانيه رأس العين حالياً المعروفة بينابيعها الكبريتية الشافية للكثير من الأمراض. إلا أن غاية ذلك التوافد وتلك الزيارات لم تكن كل ما سبق، بل رغبة جامحة في مشاهدة ألوان العلم الكردي الأحمر والأصفر والأخضر وسماع الأغاني والأهازيج الكردية خصوصاً تحسين طه، مريم خان وأياز يوسف ومشاهدة مياه كردستان وجبالها من خلال المحطات التلفزيونية الكردية الأرضية التي كانت تبث برامجها من كردستان العراق. والشيء نفسه كان في كردستان - تركيا، فكثيرون قاسوا مشقة السفر إلى جنوب شرقي البلاد عند الحدود مع العراق لرؤية تلك المحطات. ومشاهدة صورة البارزاني الأب وهو جالس حاملاً خنجره الكردي. أمّا الآن فاختلف الوضع كثيراً مع ثورة الاتصالات والرقميات، وأصبح في إمكان كل كردي وهو جالس في بيته متابعة برامج المحطات الفضائية الكردية : ROJ TV, KURDSAT, KURDISTAN TV وتمكنه مشاهدة تطورات الأوضاع في المناطق الكردية وأخبار زعمائهم وأحزابهم السياسية ورؤية الأفلام الكردية المتواضعة مثل"ملحمة مم وزين"وپ"صفر كلم"وفيلم"yol"الطريق بالتركية لغوناي كونيه الحائز السعفة الذهب في مهرجان"كان"السينمائي، وكذلك فيلم"زمن الخيول الجامحة"وسواها من البرامج المنوعة والسياسية وباللغات الكردية والعربية والتركية والفارسية والسريانية والكلدوآشورية وحتى الانكليزية. وكان أمراً جديداً للكردي أن يتابع مباشرة وباللغة الكردية تنصيب أول رئيس كردي جلال طالباني من خلال فضائية KURDsat، وتنصيب الرئيس مسعود بارزاني رئيساً لإقليم كردستان من خلال فضائية KURDISTAN TV، ومتابعة تطورات محاكمة عبدالله أوجلان من خلال شاشة ROJ TV. لقد أصبحت هذه الفضائيات تجاري العصر من خلال التقنيات والتطوير الدائم، ففضائية KURDISTAN tv مثلاً باتت تتوجه إلى المشاهد العربي أيضاً من خلال الكثير من البرامج وكذلك شبكة مراسليها في كل العراق وبعض الدول العربية مثل مكتبها الاقليمي في بيروت والعالم. ويمكن القول إن التقنيات الحديثة كان لها الأثر الايجابي الكبير على الأكراد الذين يبلغ عددهم اليوم 40 مليون نسمة وهم محرومون من أبسط أدوات المعرفة والتنوير للحفاظ على هويتهم القومية والثقافية في ظل العولمة التي لا تستثني أحداً، فما بالك بشعب مشتت من دون أي كيان قومي؟