عندما كتبت الأسبوع الماضي منتقداً موقف الأحزاب الكردية السورية من الثورة قامت بعض المواقع بنقله لقرائها. حظي المقال بتفاعل كردي كبير أتاح لي فرصة فريدة لسماع أصوات الأكراد التي تحمل الكثير من المرارة وهي تتحدث عن معاناتهم التاريخية التي أفضت لعدم ثقتهم بالمجلس الوطني السوري. أكراد سوريا يرون، على الأقل وفق تلك التعليقات، بأن المجلس الوطني السوري ينفذ أجندة تركية لا تريد للأكراد أن يتمتعوا بحقوق تعزز من هويتهم الثقافية وتحافظ على فرادتهم. وهم يرون أن الثورة على النظام لن تعزز من وضعهم، على صعيد الحقوق، كأقلية عرقية إذ لا فرق بين الأسد وبين مجلس يخضع لتأثير أنقرة. قد يكون الأكراد على حق في توجسهم من تركيا، فتركيا كانت الأسوأ في التعامل مع أكرادها. إلا ان ما يفوت الأكراد هو ان سلبيتهم ستحقق تماماً أسوأ ظنونهم. فالعزوف عن المشاركة في الثورة من شأنه، فعلاً، أن يساهم في أن تتجاوز الأحداث حقوق الأكراد ليتم البحث، عقب سقوط النظام، في القضايا التي تهم من ضحوا بدمائهم وأموالهم. الأحزاب الكردية تغامر في لعبة قد تؤدي بالأكراد إلى الإقصاء تماماً من تشكيل سوريا المستقبل. فالسقف الذي يقومون بتسويقه للمواطن الكردي هو من العلو بحيث سترفضه، قطعاً، جميع مكونات الشعب السوري. فهذه الأحزاب تقوم بدغدغة مشاعر الأكراد ممنية إياهم بوضع شبيه بالوضع الكردي في العراق. واللوم لا يقع على الأحزاب الكردية وحدها بل اللوم الأساسي يقع على رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود برزاني الذي يرغب في الظهور كزعيم لأكراد العالم ويأمل أن تكون اربيل عاصمتهم. البرزاني أوهم الأحزاب الكردية، في المؤتمر الذي عقده قبل عدة أشهر لبحث أوضاع أكراد سوريا، بإمكانية حصولهم على إقليم يتمتع بحكم ذاتي في خطوة على درب حق تقرير المصير. لا شك لديّ بأن البرزاني يعرف ان هناك اختلافات هائلة بين أكراد العراق وأشقائهم السوريين. فبالإضافة إلى الوزن الديموغرافي في البلدين فإن أكراد العراق شاركوا في القتال ضد أنظمة الحكم المتعاقبة بالعراق وكان لديهم زعماء وتنظيم سياسي تدعمه قوات البشمركة في نضال بدأ منذ أربعينات القرن الماضي، فيما لا يملك أكراد سوريا أياً من هذه العناصر، بل وحتى تحرك القامشلي عام 2004 كان تحركاً عفويًا أشعلت شرارته مباراة في كرة القدم ولم يكن تمرداً منظماً أو ثورة ضد النظام. ليس لدى أكراد سوريا الكثير من الوقت لركوب قطار الثورة، فالقطار يوشك أن يصل إلى محطته الأخيرة. عليهم، وهم في لجة ترددهم، أن يضعوا في أذهانهم بان الدستور، كالتاريخ، يكتبه المنتصرون.