بعد أعوام من الخلافات والمناورات الحزبية والانشغال بقضايا أيلول سبتمبر 2001، دخل مجلسا الشيوخ والنواب في الكونغرس الأميركي المرحلة النهائية من مسار اشتراعي ينتظر أن يقود قريباً الى منح الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني واحدة من أهم انجازات ولايتهما وذلك عبر اقرار استراتيجية وطنية للطاقة. وتبرر الاستراتيجية المقترحة رسمياً"سياسة الطاقة الوطنية،"أهمية تبنيها، بحاجة أميركا الى خفض اعتمادها على مصادر النفط الأجنبي لكنها تعترف بمحدودية السبل المتاحة لتحقيق هذا الهدف الشديد الطموح وان كانت تعول، والى حد مدهش، على قدرة صناعة النفط الأميركية على"تصنيع"النفط الخام. وكانت ادارة بوش، التي ضمت عناصرها الرئيسة عدداً لافتاً من رجال صناعة النفط السابقين، وضعت مسألة تبني سياسة للطاقة في قمة أولوياتها. اذ أن شهراً قليلة فقط كانت قد مرت على دخول بوش البيت الأبيض قبل أن ينتهي تشيني، ولجنة من كبار أعضاء الادارة، من انجاز تقرير من 170 صفحة و105 توصيات. ورفع بوش مشروع سياسته المقترح الى الكونغرس في أيار مايو 2001، الا أن شكوكاً قوية، خصوصاً لجهة احتمال محاباة صناعة النفط الأميركية، إضافة الى المنافسة الحزبية والانشغال بأزمة أسواق المال والركود الاقتصادي، ومن ثم وقوع هجمات أيلول وغزو أفغانستان والعراق، حالت جميعها دون اجراء الكونغرس نقاشاً جاداً قبل بداية العام الجاري. وافتتح مجلس النواب المسار الاشتراعي عندما تبنى في نهاية نيسان أبريل الماضي مشروع"قانون سياسة الطاقة لسنة 2005"بغالبية 249 صوتاً في مقابل 183. وطبقاً لرئيس لجنة الطاقة والتجارة في المجلس جو بارتن، من شأن القانون الجديد، الذي تم اقراره بعد 210 ساعات من المفاوضات و16 جلسة نقاش و80 جلسة استماع للشهود و72 ساعة من الاجتماعات المشتركة للجان مجلسي الكونغرس،"خفض أسعار الطاقة للمستهلكين وتحفيز اقتصادنا وتوفير مئات الآلاف من فرص العمل، واتخاذ خطوات غير مسبوقة للاقتصاد في استهلاك الطاقة وتقليل اعتماد أميركا الخطير على النفط الأجنبي بتشجيع أعمال التنقيب والتطوير في الأراضي الحكومية." الا أن مشروع مجلس النواب الذي تطلب النظر في ادخال 400 تعديل على مشروع سياسة الطاقة المقترح من ادارة بوش، وتبنى منها في نهاية المطاف 49 تعديلاً، لم يجد موافقة كاملة في مجلس الشيوخ الذي أقرت لجنته المعنية بشؤون الطاقة والمصادر الطبيعية في نهاية الشهر الماضي وبغالبية 21 صوتاً في مقابل صوت واحد، مشروع قانون منفصل وقررت رفعه الى المجلس. ولفت رئيس اللجنة بيت دومنيتشي الى أن مشروع قانون مجلس الشيوخ يختلف في نواح رئيسة عن مقترحات مشروع مجلس النواب. لكنه شدد على ما وصفه اصرار لجنتي المجلسين على التوصل الى مشروع قانون موحد قوي لارساله الى بوش للتوقيع. ولم يحدد أي من مجلسي الكونغرس موعداً للتوصل الى مشروع قانون موحد لكنه يبدو من شبه المؤكد أن بوش سيحقق رغبته في أن يتم ذلك قبل انتهاء فترة الانعقاد الحالية الدورة الپ109 للكونغرس في آب أغسطس المقبل، أقله بسبب الضغوط الناجمة عن سلسلة التطورات المهمة التي حدثت منذ أعلن البيت الأبيض مشروعه قبل ما يزيد على أربعة أعوام، خصوصاً ارتفاع كلفة واردات أميركا من النفط الخام، بحسب ادارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأميركية بنسبة مقدارها 78 في المئة واجماع المحللين والاقتصاديين الأميركيين على أن الارتفاع الكبير الذي سجلته أسعار الطاقة منذ بداية الألفية الثالثة، ليس ظاهرة موقته. ولخص رئيس لجنة الطاقة والمصادر الطبيعية في مجلس الشيوخ المخاوف التي دفعت الكونغرس للتحرك باتجاه اقرار سياسة وطنية للطاقة. اذ أشار الى أن استهلاك أميركا من النفط سيرتفع من 20 مليون برميل يومياً في 2004 الى 27.9 مليون برميل يومياً في 2025. وستزيد نسبة اعتمادها على الواردات في الفترة نفسها من 56 الى 68 في المئة. لكنه لاحظ بأن أميركا التي تستهلك نحو 25 في المئة من انتاج العالم ستساهم في ارتفاع الطلب العالمي من 82 مليون برميل يومياً في 2004 الى 121 مليوناً في 2030 وتساءل:"من اين ستأتي هذه الزيادة وكيف ستؤثر في علاقات أميركا مع آسيا وروسيا والشرق الأوسط وروسيا وكندا وأميركا الجنوبية وغيرها؟". وشدد على أن أميركا تواجه كذلك كثيراً من التحديات في تلبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي، مشيراً الى أن الاستهلاك المحلي في تزايد مستمر لتشغيل محطات توليد الكهرباء وتزويد المصانع بالطاقة. الا أن الانتاج المحلي يواجه"انحباسات"من شأنها أن تضطر السوق الأميركية لزيادة وارداتها من 0.7 تريليون قدم مكعبة في 2004 الى 6.4 تريليون قدم في 2025 بينما تعاني ليس فقط من نقص في الطاقات الاستيعابية لاستقبال الغاز المسال، انما أيضاً من تراجع اعتمادها على استيراد الغاز الطبيعي من كندا التي تسير باتجاه ازدياد استهلاكها المحلي وتعاني حقولها من تسارع وتيرة النضوب. وأعلن دومنيتشي، السيناتور الجمهوري المخضرم المنتخب للمرة الخامسة ممثلاً لولاية نيوميكسيكو، في بيان نشره مجلس الشيوخ، بأن مشروع قانون سياسة الطاقة المتوقع أن يتبناه الكونغرس باتفاق المجلسين سيمكن الولاياتالمتحدة من خفض استهلاكها المتوقع من النفط الخام بما يصل الى مليون برميل يومياً بحلول 2015 علاوة على خفض كل من استهلاك الغاز الطبيعي بنحو 1.1 تريليون قدم مكعبة، ما يعادل الاستهلاك السنوي الحالي لولاية نيويورك، واستهلاك الكهرباء أوقات الذروة بما يعادل انتاج 170 محطة، طاقة كل منها 300 ميغاواط/سا بحلول 2020.. الا أن مشروع قانون سياسة الطاقة، الذي ستتناول"الحياة"أهم بنوده في سلسلة من المقالات، احتوى على عدد من الاجراءات المثيرة للجدل جنباً الى جنب مع مفاجأة كبرى تضمنها اقتراح عملي يدعم صناعة النفط الأميركية في تطوير تقنيات دخلت للتو مرحلتها النهائية التي ستجعلها قادرة على"تصنيع"تريليون برميل من النفط الخام الخفيف، ما يعادل الاحتياط العالمي المؤكد من النفط"التقليدي،"في الولاياتالمتحدة وربما المساهمة في تمكين عدد من الدول العربية وخصوصاً الأردن والمغرب، من تحقيق اكتفاء ذاتي في مصادر الطاقة.