مع ان الحكومة السورية سمحت بإنشاء صحف وإذاعات خاصة ورفعت هيمنتها عن القطاع الإعلامي المقروء المسموع التي استمرت لعقود طويلة، إلا ان هذه الهيمنة ما زالت تفعل فعلها بالتلفزيون السوري وتحتكر الإعلام المرئي بأكمله عبر القنوات الثلاث الأولى والثانية والفضائية. وبقدر ما تزداد الحاجة الى القنوات الخاصة تشتد هيمنة الحكومة على هذا الإعلام وتسد الأبواب امام الجمهور لمشاهدة قنواته المحلية الخاصة. قبل هذا الانتشار الكبير للمحطات الفضائية وهذه الخيارات المتعددة والمتنوعة في آن واحد كان الجمهور أسير التلفزيون المحلي وبرامجه التقليدية المتكررة ومجبراً على ان يدير التلفزيون في أي وقت من الأوقات ويرى الوجوه والبرامج ذاتها وما زال بعضها يحافظ على الشكل والإخراج نفسيهما منذ عشرين سنة من دون أي تغيير او تبديل، وكأن القائمين والعاملين في التلفزيون لا يرون المحطات الأخرى والدول المجاورة التي تجاوزتنا بأشواط طويلة حتى اصبحنا من الماضي في نظره. ومع السيطرة الكاملة للحكومة على التلفزيون منذ تأسيسه عام 1960 وحتى الآن لم نشهد أي تغيير جذري على صعيد المضمون والتطورات في المجالين الفني والمهني ما خلا بعض التغيرات في هيكلية الإدارة وتعيين مدير عوضاً عن آخر، وطبعاً من دون ان يترك آثاراً ايجابية في العمل وفي المقابل لم نلحظ أي انتاج لبرامج حديثة ونوعية ترافقت مع ازدياد عدد الموظفين في التلفزيون. واللافت ان القائمين على التلفزيون يدركون مدى حجم التقدم الذي حصل في وسائل الإعلام وخصوصاً الفضائي خلال السنوات الأخيرة، ولكن يبدو ان رياح التغيير لم تصل بعد الى اروقة تلفزيوننا السوري. فالطابع الرسمي الذي يسيطر عليه اثر كثيراً في مشاهدته وصدقيته بين الناس. فما يعرضه من برامج ومواد إعلامية لا يخرج عن سياسات الحكومة وتوجهاتها، فمعظمها يعبر عن وجهة نظره حتى في برامج المنوعات والترفيه"إن وجدت اصلاً". امام هذا الواقع أخفق التلفزيون في جذب الجمهور وفي منافسة القنوات العربية وحتى المجاورة التي تغزو بيوتنا من دون لاقط كالقنوات اللبنانية والأردنية فبدلاً من ان يمضي لكسر حال القطيعة بينه وبين المتلقي وكسب ودهم اخذ يكرر نفسه يوماً بعد يوم ويقدم عروضه بالقالب والوتيرة نفسيهما وإن اختلفت الوجوه في بعض الأحيان، وقد بات الجمهور على بينة من هذا الأمر. وهذا الواقع حديث الشارع فكيف يرضى القائمون بهذا الوضع، اذا كان الجمهور ادرك المعادلة ويريد الجديد؟ لهذا فإن انشاء قنوات خاصة غدا امراً واقعاً وضرورة حتمية تفرضهما حاجات الجمهور الإعلامية والنفسية. وسواء سمحت الحكومة او لم تسمح فإن المتلقي لم يعد اسيراً للإعلام المحلي بل اصبح يمسك جهاز الكونترول ويجول في اجواء هذا الفضاء الواسع ويختار برنامجه المفضل بلا رقيب او حسيب.