سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مصري يسأل عما اذا كانت تسهل الحصول على فيزا ولبناني "يحلم" بأن يعمل فيها ومواقع الكترونية سعودية تعتبر مقاطعتها "واجباً شرعياً". فضائية "الحرة" تحريض مدروس ام مؤشر إلى إحساس اميركا بفداحة اخطائها ؟
بدأت قناة "الحرة" التلفزيونية الناطقة بالعربية والممولة من الكونغرس الاميركي السبت الماضي بثها الذي يغطي 22 دولة في الشرق الاوسط. ويأتي اطلاق القناة الجديدة في اطار الجهود الاميركية لتحسين صورة الولاياتالمتحدة في العالم العربي والحد من نفوذ القنوات الاخبارية العربية في هذه المنطقة، خصوصاً قناتي "الجزيرة" و"العربية" اللتين تتمتعان بنسبة عالية من المشاهدين، واللتين لم تخف واشنطن منذ حربها على العراق العام الماضي انزعاجها مما اعتبرته "انحيازاً" في تغطيتهما للأحداث. ورصد للقناة الاميركية موازنة بقيمة 30 مليون دولار لسنة 2004 ويتوقع ان يعمل في مقرها 150 شخصاً، ويتحدر معظم صحافييها من دول الشرق الاوسط. وهي بدأت ببث 14 ساعة يومياً من البرامج يتم تمديدها الى 24 ساعة خلال اسابيع. ويقول المسؤولون عنها ان من بين اهم اهدافها ان تكون شبكة اخبارية "متكاملة ومتوازنة ومثالاً على الصحافة الحرة على الطريقة الاميركية، تقدم افاقاً جديدة للمشاهدين في الشرق الاوسط وتخلق درجة اكبر من الفهم الحضاري والاحترام ... في سوق اعلامية تهيمن عليها الاثارة والتشويه". ويدير المكتب الاميركي للبث الاذاعي بي بي جي، الوكالة الفدرالية المكلفة الاشراف على هذه القناة التلفزيونية الجديدة، فضلاً عن "الحرة"، "راديو سوا" الذي يبث بالعربية، و"صوت اميركا" و"راديو فري يوروب/ راديو ليبرتي" و"راديو فري آجيا" و"تي في مارتي" الموجه الى كوبا. المشاهد العربي الذي ظل لسنوات سجين وسائل الاعلام الرسمية التابعة للدول وبدأت تتوافر له بفضل المنافسة الاعلامية الدولية والاقليمية حرية اوسع لاختيار ما يروق له، كيف يرى الى القناة الجديدة؟ وهل تتمكن "الحرة" من اكتساب صدقية لديه وتنال ثقته، أم تبقى في نظره شاشة أميركية بلسان عربي تروّج لمشاريع "مشبوهة" وتجسد "غزواً" اعلامياً أميركياً طال الحديث عنه؟ وعلى رغم انه لا يزال مبكراً رصد الأثر الذي أحدثته هذه المحطة في العالم العربي، يحاول التحقيق الآتي من القاهرةوالرياضوعمانودمشقوبيروت رصد الاستقبال الأولي للمحطة الجديدة. كثيرون في مصر يشاهدون "الحرة" من احد منطلقين: "حب الاستطلاع" او "اعرف عدوك". نيهال محمد 32 عاماً تعمل محامية وتهوى السياسة عن بعد. تقول: "شاهدت تقريراً اخبارياً في محطة اجنبية قبل اطلاق "الحرة" يشير الى أن القناة الجديدة تهدف الى الحد من نفوذ قناتي "الجزيرة" و"العربية" الاخباريتين، وتحسين صورة الولاياتالمتحدة في العالم العربي، ما حفزني لترقب "الحرة" ومتابعتها بدقة". وعن نتيجة المتابعة تقول: "اكتشفت انها نسخة منقحة لكتاب مادة الاخلاق المقررة حديثاً على ابني التلميذ في الصف الثالث الابتدائي. كلام محشور عن التسامح والحرية والسلام والتعايش والحقوق في شكل مباشر وكأننا تلاميذ". "اعرف عدوك" وإذا كان حب الاستطلاع دفع المحامية الى متابعة "الحرة" فإن حسنة 40 عاماً تشاهد مقتطفات من "الحرة" في محاولة لفهم "عقلية العدو" أو بالاحرى "ما يريدنا العدو أن نعرف عنه". وتقول حسنة التي توزع وقتها بين حضور الدروس الدينية في مساجد عدة، وتحفيظ القرآن لمجموعات الاطفال في بيتها: "الانتصار على العدو يبدأ بالتعرف الى طريقة تفكيره ولما كانت لغتي الانكليزية لا تسمح لي بمتابعة محطات مثل "سي إن إن" وجدت في الحرة فرصة جيدة للتغلغل في عقل الشيطان الاميركي". وماذا وجدت؟ ترد: "مؤامرة محاكة بدقة متناهية لغسل دماغ امة المسلمين من طريق العقل، حوارات واخبار وبرامج منوعات تغرس الفكر الاميركي الاعوج في عقول العرب بعدما غرسوا الفجور في قلوب شبابنا بموسيقاهم ونسائهم وثقافتهم". عادل منسي مصرفي مصري، 42 عاماً يصف نفسه بأنه متابع جيد للفضائيات وهاو للسياسة. يقول: "كنت اتابع الفضائية العراقية بشغف في الاسابيع التي سبقت الغزو الاميركي للعراق واثناءه، وحين بدأ بث القناة ينقطع إثر تعرض مبنى التلفزيون العراقي للقصف ادمنت مشاهدتها. لم أكن اتابع برامج الفضائية العراقية قبل الازمة إذ كانت خالية تماماً من اي عوامل جذب، لكن الازمة حولتها اشبه بالجندي المجهول". ويشير منسي الى أنه فوجئ قبل اسابيع بالاعلان عن قناة "الحرة" الجديدة على التردد نفسه الذي كانت الفضائية العراقية تبث عبره، "فأسقط في يدي، وشعرت كأن اميركا ترقص على جثة العراق". وتتدخل زوجته لتقول انه تعامل مع القناة الجديدة من منطلق عاطفي بحت وصل حد المبالغة، إذ ألغاها تماماً من جهاز فك الشفرة محذراً كل من في البيت من مجرد محاولة اعادتها الى جهاز التلفزيون. وأمام جهاز التلفزيون يرابط محمد 19 عاماً الطالب في كلية العلوم السياسية كل مساء، مسلحاً بقلم وأوراق يسجل عليها "القضايا التي تطرحها البرامج الحوارية، وترتيب اختيار الاخبار في النشرات الاخبارية، والعبارات المستخدمة في الاشارة الى الفلسطينيين، واسرائيل، والانظمة العربية، وكل ما له صلة بالمجريات السياسية والثقافية في الشرق الاوسط هذه الايام"، وهو يعلل انشغاله بكتابة تلك النقاط بأنها "رغبة في الحكم على القناة الجديدة بعيداً من الاحكام المسبقة". لكن الاحكام المسبقة ذاتها هي التي دفعت منى حسين 23 عاماً التي تعمل في تصميم الازياء والاكسسوارات والتي تنفي عن نفسها باصرار "تهمة" الاهتمام بالسياسة الى متابعة "الحرة" بعض الوقت، اذ "كنت اسمع بعض زبائننا يتحدث عن قناة اميركية جديدة تهدف الى غسل الادمغة". وعلى رغم ضحالة ثقافتها السياسية باعترافها، تقول: "هالني الاعلان الذي تبثه القناة للترويج لنفسها ويقول فيه شاب عربي انه مل الاعلام العربي المتكرر لذا اتجه الى "الحرة". في الحقيقة لم يعجبني ما قال على رغم انني اتفق معه في رأيه حول الاعلام العربي، لكنني لا احترم مبدأ نشر الغسيل القذر أمام الاغراب خصوصاً الأميركان". لكن ل"الاميركان" رأياً مخالفاً، اذ يتحدث استاذ الاعلام في الجامعة الاميركية في القاهرة ومدير مكتب محطة تلفزيون NBC العاصمة المصرية سابقاً عبدالله شلايفر وهو اميركي مسلم عن فكرة محطة اميركية موجهة الى العرب، "فالولاياتالمتحدة هي القوة الاكبر في العالم، وعلينا ان نتأقلم معها ونستمر في حياتنا". وعلى رغم مقته الشديد للثقافة الشعبية الاميركية من موسيقى وبرامج "تلفزيون الواقع"، يشيد شلايفر بالاسلوب الاميركي في الاعلام، مستشهداً، مثلاً، بصحيفتي "هيرالد تريبون" و"نيويورك تايمز" "اللتين "تخصصان صفحات للرأي بخلاف صفحات التغطيات الاخبارية". ويضيف: "اعتاد العالم العربي على أنه لو رأت القيادة السياسية ان الطقس في النشرة الجوية يجب أن يكون مشمساً فسيكون كذلك حتى لو كان ممطراً"! ويعتبر أن المشكلة الوحيدة في "الحرة" هي في ان جهة تمويلها معلنة، على عكس قنوات اخرى كثيرة، "وفي ظل الشعور المعادي للولايات المتحدة في المنطقة يكون ذلك عقبة". ويتساءل شلايفر مجدداً عن حجم ونوعية المعلومات التي يقدمها الاعلام العربي، ويقول: "اجمع عدداً من طلابي من الخريجين على انهم يداومون على قراءة جريدة "الاهرام" اليومية ومشاهدة قناة "الجزيرة" الفضائية، لكن حين سألتهم عن الخلفيات السياسية والدينية لأي من اعضاء مجلس الحكم الانتقالي في العراق لم يرد احد منهم، فماذا يعكس ذلك؟". وعلى طرف النقيض، يقف الباحث والكاتب في المنظمة العربية لحقوق الانسان علاء شلبي الذي يقول ان "الولاياتالمتحدة لو كانت تسعى الى ازالة سوء الفهم بينها وبين العرب، فعليها تغيير سياستها وليس افتتاح قناة تلفزيونية، لأن سياساتها في المنطقة هي السبب في العداء المتنامي لها". ويتساءل: "كيف تحدثنا الدولة الاكبر المسؤولة عن انتهاك حقوق الانسان عن ضرورة احترام حقوق الانسان؟ ولا اظن ان المواطن العربي يستجيب لخطاب الوعظ التبشيري كما أن تحسين صورة اميركا لن يتم من خلال دعم نظم استفزازية في المنطقة". وينتقد شلبي اعلان "الحرة" عن "الحياد الاعلامي متسائلاً: "عن أي حياد يتحدثون حين ينتقدون قناة عربية لصوغ خبر ضرب الطيران الاسرائيلي لمدنيين فلسطينيين باستخدام طائرات اميركية الصنع، بحجة ان المعلومة الاخيرة لا علاقة لها بالخبر؟". ويشيد استاذ الاعلام الدكتور حسين امين "بالجودة التقنية الرفيعة جداً" ل"الحرة" ويقول: "الصوت والصورة والتقنيات الرقمية المستخدمة أكثر من ممتازة، ويعكس اختيار المقدمين والمحاورين مهنية عالية. فاضافة الى كفاءاتهم الواضحة يمثلون اصولاً مختلفة وهناك توزيع عادل في النوع Gender وعليهم المضي قدماً وفي تقديم تقارير خاصة بهم لضمان استمرارية النجاح". حواجز نفسية البداية اذاً مشجعة كما تشير كلمات امين، لكنه يعترف بوجود حواجز نفسية لدى المشاهد العربي، الذي نشطت لديه ميكانيزمات الدفاع ما أن اُعلن عن جهة تمويل "الحرة". ويقول: "نحن لا نعرف من يمتلك اياً من القنوات العربية، إذ لا توجد موازنات معلنة، ومعرفة الملكية الكاملة لأي منها شبه مستحيلة". ويعتبر أن الحكم على "الحرة" حالياً "صعب جداً، اذ بدأت بثها قبل ايام، وتقويم عمل محطة تلفزيونية موضوعياً لا يمكن ان يتم قبل مضي ثلاث سنوات على الاقل"، مشيراً الى ان لدى "الحرة" مقومات النجاح، "اذ يمكنهم طرح القضايا العربية بتميز وانفراد على أن يكونوا على درجة من الذكاء ليتعايشوا مع من يخاطبونهم، اضف الى ذلك قدرتهم على الاستفادة من الآلة الرهيبة من المعلومات في داخل الولاياتالمتحدة وتلك المتوافرة لدى الاجهزة العاملة مع الحكومة وغيرها". لكن الاختصاصي الاعلامي الدكتور سعيد صادق لا يرى في "الحرة" سوى "زيطة وسط زيطة" ويقول: "الساحة الفضائية متخمة بالخيارات، وأجد ان رد الفعل العربي للحرة مشابه للفضائية الاسرائيلية عند بدايتها، إذ شحن الرأي العام بشدة ضدها، ثم تبيّن ان لا وزن لها وأنها مملة". طارق الشامي الذي يعمل مراسلاً ل"الحرة" في القاهرة، يؤكد أنه قبِل الاختيار من دون تردد، ويقول: "لا توجد موضوعية مئة في المئة، فهذا ضد طبيعة البشر، فأي جهة لديها توجهات وسياسات تحريرية يلتزمها من يعمل فيها، ومن الطبيعي ان تكون هناك قنوات موجهة في العالم، لكن "الحرة" تتمتع بقدر كبير من الموضوعية والصدقية، والحقيقة هي الاهم سواء اعجبت المشاهدين أم لم تعجبهم". ويتعجب كثيراً من "الهواجس" التي تسيطر على البعض تجاه "الحرة" ويؤكد انه منذ بدء نشاط القناة لم يواجه اي مشاكل او امتناع عن التعامل معه. حسين شديد 22 عاماً حاصل على شهادة من معهد متوسط خاص منذ ثلاث سنوات وما زال يبحث عن فرصة عمل مستقرة لم يسمع عن "الحرة" من قبل، لكنه سأل: "هل تقدم القناة فرصاً للهجرة أو حتى الحصول على غرين كارد؟". "حرب الانترنت" في السعودية، استبقت منتديات الانترنت انطلاق القناة بالتنديد والدعوة الى مقاطعتها حتى قبل ان تباشر المحطة الأميركية بثها. موقع "الإسلام اليوم" التابع للداعية السعودي سلمان العودة أجرى استفتاء حول مدى تقبّل الشعوب العربية ل"الحرة"، فصوّت 45 في المئة من أصل 800 شخص ضد القناة فيما ذهب 25 في المئة الى أنها لن تؤثر في نظرة المواطن العربي إلى الولاياتالمتحدة، فيما تقبّل 30 في المئة رسالة القناة. لكن اللافت ما اتخذه منتدى "راصد" الذي يشرف عليه سعيد صالح الغامدي والذي دشن موقعاً خاصاً سماه "الأصلية" كرّسه لمواجهة "الحرة" وشن فيه هجوماً عنيفاً على القناة قبل أسبوع من بثها، صدّره ب"فتوى" مفادها أن "مقاطعة الحرة واجب شرعي وموقف حضاري وفرض استراتيجي". وحشد الموقع مقالات مناهضة للمحطة حذّر أحدها "صحافيي الوطن العربي من الانضمام إلى القناة المشبوهة"، معتبراً ذلك "نوعاً من التعاون مع الحرب ضد المسلمين". لكن عدداً من المهتمين بالإعلام امتنعوا عن تقويم القناة حتى مرور زمن على إطلاقها ليمكن انتقادها أو الإشادة بها "عن علم وليس رجماً بالغيب". إلا أن آخرين، حتى من الليبراليين، لم يترددوا في التعبير عن قلقهم واستبعدوا أن تخرج "الحرة" عن سياق السلوك الأميركي نحو الشرق الأوسط، خصوصاً أن القناة "اختارت توقيتاً مريباً تستهدف فيه عدداً من وسائل الإعلام الأميركية السعودية في شكل خاص، وتتخذ منها هدفاً لتشويه سمعتها، فضلاً عن احتلال العراق والموقف من الصراع العربي - الاسرائيلي". واستبعد الدكتور عبدالله اللحيدان أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود في الرياض نجاح القناة الأميركية "في تحقيق الأغراض التي كانت الدافع الأساسي لتأسيسها لأن المشكلة في السياسات والممارسات المضادة للمثل الإنسانية والثقافية التي تسوقها الإدارة الأميركية، وما لم تتراجع الولاياتالمتحدة عن سياسات الهيمنة والعنجهية وتبدأ في التعاون مع المجتمع الدولي وتتفهم قضايا الأمم وتسعى إلى حلها وفي مقدمها القضية الفلسطينية، فإن الريبة ستطارد أي مشروع ينطلق من الولاياتالمتحدة على مستوى العالم أجمع، وليس فقط على مستوى الشرق الأوسط والعالم الإسلامي". ورأى اللحيدان أن تأثير القناة سيكون محدوداً في ظل السيل الهائل من القنوات العربية المضادة ما يجعلها تجد صعوبة في إيجاد موقع لها على الساحة الإعلامية العربية. "محاولة للتذاكي" بين من يعتبرها "محاولة مكشوفة للتذاكي" على وعي جمهور لم تجلب له الولاياتالمتحدة سوى الموت واحتلال الأرض وتشريد اصحابها، وبين من يدعو "الى الانتظار وعدم استباق الأمور"، استقبل الأردنيون الذين يتحدر اكثر من نصفهم من اصول فلسطينية قناة "الحرة" التي حرصت على ان تلتقطها اجهزة الاستقبال العادية الزهيدة الثمن المنتشرة على نحو واسع في المناطق الفقيرة ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين، حيث لا يتاح لذوي الدخول المتدنية والمعدومة امتلاك اللواقط الرقمية المتطورة. "الحرة" التي سبقتها حملة عداء واسعة في اوساط المعارضة الإسلامية والنقابية بلغت حد تخوين من يقبل العمل فيها من الإعلاميين الأردنيين لا تواجه اختبار الصدقية في مضامينها الإخبارية والبرامجية لدى الجمهور الأردني الذي ظل عقوداً مواظباً على استقبال وسائل الإعلام الإسرائيلية، ليتعرف على المسكوت عنه في احوال الأردن والعالم العربي في الإعلام الرسمي، مع إدراكه العميق لأهدافها الدعائية. فلسان حال الكثيرين ان الصدقية لا مكان لها سلفاً في وسيلة إعلام مثل "الحرة" تسعى الى "تجميل صورة اميركا الأكثر قبحاً في العالم العربي والإسلامي، وتتورط في التحريض من حيث هي تقدم نفسها بديلاً للفضائيات العربية التي تستقطب عواطف الشارع العربي وتغذي عداءه المتزايد للولايات المتحدة". "على الناس ان يصدقوا اولاً ان اميركا محايدة على الساحة الفلسطينية، وأنها قتلت الآلاف في افغانستان من اجل مكافحة الإرهاب، وأنها ايضاً احتلت العراق لإحلال الديموقراطية وحقوق الإنسان فيه، وبعد ذلك سيسهل عليهم تصديق القناة الأميركية الجديدة". هذا ما يقوله ل"الحياة" الصحافي الأردني جمال اشتيوي الذي يسكن في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين قرب عمان، مشيراً الى انه "لم تساوره الأوهام حيال المعايير المهنية التي تتعاطى المحطة بموجبها مع العالم العربي وجمهوره المستهدف اساساً، اذ اتضحت للمشاهد الذكي مع الساعات الأولى لبث المحطة ان مساحة المحذوف من الخبرالفلسطينيوالعراقي كبيرة جداً وأن عبارة "عندما تنظر لا بد إلا ان ترى الحرة لأفق جديد" التي تظهر ترويجياً على شاشة القناة "ليست سوى الترويج لأفق اميركي خاص، وعلى أعيننا ان ترى صورته كما يشاء الأميركيون الذين رأينا بوضوح تام مهنية جنودهم في العراق". ويرى إعلاميون اردنيون ان "الحرة" أخفقت على نحو ذريع في الترويج لخطابها، ويشيرون الى انها وقعت في "المباشرة والتسطيح، إذ لم تجد وسيلة لتقول فيها للمشاهد انها منبر للاختلاف والحداثة سوى بثها تكراراً صور شبان ونساء وكهول يفتحون النوافذ والشبابيك ليتسنى للشمس تبديد عتمة مفترضة"، كما ان الولاياتالمتحدة التي انفقت الملايين عليها لم يسعها إلا ان "تقتبس نموذج إعلام الدول الشمولية عبر قناة اميركية رسمية يشعر اصحابها بعدم صدقيتها، ولذلك اطلقوا عليها اسم الحرة" على حد تعبير الكاتب والإعلامي سميح المعايطة الذي لاحظ ان "بعض الحوارات التي بثتها القناة تحاول القول ان اميركا تدعم حق الشعوب العربية في الديموقراطية، وتستضيف من يتحدثون عن معاناة هذه الشعوب من انظمتها، وهذا الحديث يفقد صدقيته لمجرد صدوره من الإدارة الأميركية وتلفزيونها الرسمي، فالاحتلال اعلى مراتب القمع والديكتاتورية ولا يجوز لدولة تمارس الاحتلال في العراق وتدعم احتلالاً لشعوب عربية اخرى في فلسطين وسورية ان تحاول اقناعنا بأن قلبها يتفطر على الشعوب العربية من قمع انظمتها"، كما ان "هذه المحطة ليست وسيلة اعلام بريئة او محايدة، بل هي جزء من آلة الحرب الأميركية على الشعوب المستضعفة، وهي معنية بتبرير الاحتلال والقتل، ومعها ماكينة متطرفة تضم جيوشاً وأجهزة استخبارات وهيمنة سياسية واقتصادية". ومع ذلك كله، ثمة من يرى ان القناة الجديدة "مؤشر صارخ على احساس الولاياتالمتحدة بفداحة اخطائها الاستراتيجية في العالمين العربي والإسلامي"، وهي تبعاً لذلك "تسعى بقوة لتسويق جانب آخر من ثقافتها وحداثتها لشعوب تجرعت طويلاً مرارات سياستها". وفي هذا الصدد يرى المحلل السياسي جمال طاهات ان من "المهم الآن ان تسارع "الحرة" الى الإطلالة على المجتمع الأميركي وتكويناته الثقافية والمعرفية، وأن تنقذ المشاهد العربي من التطرف والمغالاة وسائر اساليب التحشيد والتحريض التي تتسابق إليها وسائل الإعلام العربية" كما ان على "المتلقي العربي ان يتريث في محاكمتها قليلاً، لئلا يقع في ورطة الأحكام المسبقة التي تقودها اذهان تفتش عن المؤامرة وراء الأشياء". سورية: انتقادات مهنية وتريث رسمي وفي سورية، استبق عدد من كتاب الاعمدة في الصحف الرسمية اطلاق "الحرة" بنزع مبدأي الحرية والموضوعية عن عملها المهني، لكن الحكومة فضلت التريث قبل "اطلاق الحكم النهائي عليها الى حين متابعة تغطيتها القضايا العربية". وكانت السفيرة الاميركية في دمشق مارغريت سكوبي اجتمعت مع وزير الاعلام احمد الحسن الخميس الماضي. ولم يعرف ما اذا كان اللقاء الذي تركز على "التمسك بالحوار البناء" تضمن طلب سكوبي الموافقة على عمل "الحرة" في سورية. وقالت مصادر اعلامية ل"الحياة": "لم نتلق الى الآن طلباً رسمياً لاعتماد مراسل لهذه المحطة. وعندما يصلنا طلب كهذا يدرس كبقية المؤسسات الاعلامية الاخرى العاملة في سورية وفق القوانين الناظمة للعمل الصحافي في البلاد". وأشار خبراء اعلاميون الى وجود اتجاه نحو "التريث قبل اطلاق حكم نهائي، لأنه لا يمكن الحكم على المحطة الا بعد مرور فترة معينة لنرى كيفية تغطيتها حدثاً كبيراً يتعلق بالقضايا العربية". لكن الكاتب نصر الدين البحرة استبق اطلاق "الحرة" بتوجيه انتقادات الى المشروع والقيمين عليه. وكتب في "تشرين" ان "المشرف العربي" على المشروع التلفزيوني قال ان الفضائيات العربية "تصف الطائرات الاسرائيلية المغيرة على الفلسطينيين بأنها اميركية الصنع، وهو ما لن نفعله"، ما دفع البحرة الى الاعتقاد بأن "الحرة لن تكون حرة" وأن هدفها هو "التدليس وتضليل الرأي العام العربي. الا ان كتاباً يحملون صفات رسمية فضلوا تناولها بطريقة هادئة سياسياً واعلامياً. اذ كتب السفير السوري في عمان رياض نعسان آغا ان مهمة المحطة "اختراق منظومة القيم والمفاهيم والتقاليد العربية الاسلامية ونشر اسلوب حياة وعيش ونظم اجتماعية على الطريقة الغربية، الامر الذي يفسر الاهتمام بالموسيقى والغناء" فيها، وصولاً الى القول ان "الادارة الاميركية غير قادرة على اغضاب اسرائيل، فلجأت الى الاعلام لتحسين صورتها وحمّلت الاعلام ما يعجز عن تحقيقه إن لم يرافقه عمل على الارض وموقف سياسي عادل ومنصف ومقنع". وفيما كتبت صحيفة "الثورة" في صدر صفحتها الاسبوع الماضي "ان الاعلام العربي اعتبر المحطة جزءاً من الغزو الاميركي" للشرق الاوسط وان "العالم العربي استقبلها بتشكيك لا بل بازدراء"، حاول الزميل احمد صوان مستشار وزير الاعلام "الوقوف على الجانب المهني والاعلامي فيها" بدلاً من النظر الى البعدين السياسي والدعائي. وبعدما كتب "ان الحرة ليست حرة، وكيف يجوز ان نستنكر على الولاياتالمتحدة محطة تلفزيونية في الفضاء العربي وهي التي تهيمن وتسيطر قبل ذلك على المنافذ العربية براً وبحراً بالدبابات والبوارج والجنود والطائرات المقاتلة. اذاً، نحن مع تجييش الاعلام برؤى ووجهات نظر اميركية"، لاحظ ان انطلاقة المحطة "كانت ضعيفة" وانها لم تملك "ادوات التعبير عن المشروع الاعلامي والسياسي الاميركي او تجسيده في مقدماته، وهو ما ظهر في اخطاء مهنية وفنية متكررة في الحرة حتى في المسائل السياسية المباشرة من مقابلات واختيار للاحداث وتسليط الضوء على بعضها وتجاهل كل ما يعوق او يتناقض مع المشروع المحدد مسبقاً والمرسوم" لها، لافتاً الى ان المذيعين خضعوا ل"النمطية بسبب الاسئلة المعدّة مسبقاً"، ما ادى الى "عدم اغناء الحوار العميق"، وخلص الى ان "الاداء للمحطة لا يجعل منها منافساً قوياً للفضائيات العربية سيما وأنها مكبلة بمواقف اميركية معلبة لا تتماشى" مع اعلان المسؤولين عليها بتمسكهم ب"الاستقلالية" التي تتمتع بها التلفزيونات العربية غير الرسمية "خصوصاً جرأة فضح السياسة الاميركية التي تحتاج الى مراجعة وإعادة النظر وليس الى تجميل وتزيين...لان ليس ما كل يلمع ذهباً، وليس في مقدور الاعلام ان يكون بديلاً عن السياسة". "مقاطعة" في 14 الشهر الجاري، تابع جزء من اللبنانيين برامج "الحرة" لأسباب مختلفة، فيما آثر جزء آخر منهم التمسك بخيار "المقاطعة". في كافيتيريا كلية الإعلام والتوثيق في بيروت كان المشهد شبه مألوف. مجموعة من الطلاب يناقشون قضية تختلف باختلاف الحدث. والآراء المتضاربة عنصر لا يغيب عن اللقاءات اليومية. والنقاش اليوم، يتناول المحطة الأميركية. ترمي أمل 22 سنة حقيبتها على الطاولة. "قاطعوا البضائع الأميركية"، شعار لم تنزعه منذ الحرب الأميركية على أفغانستان. تعدل حجابها معلنة احتدام النقاش: "الحمد لله على أن مؤجر خدمات الصحن اللاقط في الضاحية الجنوبية من بيروت، يرفض تزويد زبائنه بخدمات محطة العدو". تثير العبارة زميلها احمد 23 سنة الذي يعتبر أن الجمهور العربي يحكم على المحطة انطلاقاً من قناعات مسبقة. يسخر من الذين يرفضون مشاهدتها، لئلا يكونوا من مموليها. يفاخر بمتابعته الكثير من نشرات أخبار "سي أن أن" الأميركية، فهي بالنسبة اليه المنقذ الوحيد من الكلام "الفارغ من المحتوى" الذي تبثه الفضائيات العربية. يحلم بأن يصبح يوماً من العاملين في المحطة. يتجاوز حلمه رحابة صدر أصدقائه، فيخرج الحوار عن هدوئه. "العاملون فيها تابعون للاستخبارات الأميركية، وكل الشعوب العربية تعرف خلفياتهم"، يكون تعليق علي 23 سنة. علي هو الوحيد بين الطلاب الذي شاهد برامج المحطة، لكنه لا يعلق على مضمونها لأن ساعات البث لا تتجاوز ال"14 ساعة، ثلاثة أرباعها مخصص للتعريف بالبرامج". ويتوقع فشل المحطة في تحقيق أهدافها، لأن "العالم العربي ليس أرضاً خصبة للأفكار التي ستطرحها، كما انه ليس سهلاً خرق الرأي العام العربي بعد الذي حصل في فلسطينوالعراق". ولكن "يجب ان نشاهدها ثم نحكم". يكون قرار كثيرين. ما إن يرد ذكر "قناة الحرة" حتى يتخذ كلام عقاب 30 سنة - صحافي منحى تصعيدياً. ينتقد رافضيها وخطابهم "الضعيف"، فبالنسبة اليه انتقاد "الحرة" عجز في الخطاب العربي نلقيه على الآخرين. "الدماغ المملوء بالوعي لا يقبل الغسيل، أما الدماغ الفارغ فيحتاج إلى من يغسله"، عبارة يكررها كثيراً. يعدد مزايا القناة الجديدة التي تفتح أمام العرب العاملون فيها جميعهم من العرب مساحة إعلامية عليهم الاستفادة منها، لأن "من يملأ هذه المساحة هو الذي يستغلها للتعبير عن رأيه في المستقبل". ولا يغفل الإشارة إلى التحديات التي ستواجه المدير والهيكل الإداري الذين "إذا تمكنوا من استغلال ما هو متوافر ستصبح المحطة بعد فترة الرقم واحد عربياً". ويسخر من منتقدي برنامج "ماغازين" وتجربة "بذور السلام" الذي يفتح الحوار بين طلاب عرب ويهود، مستشهداً بواقع معظم الأنظمة العربية التي "تجلس يومياً مع إسرائيليين"، مدعماً وجهة نظره ب"إذا كنا مؤمنين بقضيتنا فلنجلس مع الإسرائيليين ونناقشهم، أما اذا كنا نتفادى النقاش، فهذا يعني أننا إما خائفون من المطالبة بحقنا أو خجلون منه". ولا يرى عقاب، الذي يتابع برامج المحطة في أوقات فراغه، سبباً لفشل "الحرة" التي تملك كل مقومات التفوق: "هامش حرية، كفاية، مادة، مراسلون في قلب الحدث، تقنية عالية، مكاتب محصنة لن تقوى على إقفالها الأنظمة العربية على عكس ما يحصل للفضائيات العربية". ويتوقع أن تنال ثقة المشاهد العربي لأنها ستعمد بعد فترة إلى نقل "الحكي الثقيل" الذي لا تجرؤ الفضائيات العربية على بثه، ما يسبب للمحطة أزمة مع السلطات العربية. ولكن المتضرر الأول، من وجهة نظره، هو التيار القومي الذي سيكون أمام خيارين: "إما أن يستغل هذه المساحة الإعلامية المتوافرة للتعبير عن رأيه أو أن يستمر في البكاء على الأطلال". و"إذا كانوا مستائين فليطلقوا فضائية مضادة لا تتحدث عن زيارات الرؤساء العرب ولا تتكلم على انتصارات صلاح الدين". لا يبدو الدكتور اياد عبيد، الأستاذ في كلية الاعلام، في موقع المحايد ما إن تسأله عن المحطة. "ماذا تريد من قناة عبّرت عن انطلاقتها بمقابلة مع بوش؟". ويستشهد عبيد بنظرية القصف الإعلامي لوزير الدعاية الألماني غوبلز ليشير الى أن الولاياتالمتحدة تستخدم كل شيء في سبيل التسويق لسياستها. ولا يجد في استضافة زياد نجيم في برنامج "ساعة حرة" الصحافي في جريدة "السفير" اليسارية إبراهيم الأمين ما يشير إلى نية المحطة بأن تكون حيادية. "فأن تخصص 96 في المئة من برامجك لليمينيين وأربعة في المئة لليساريين لا يجعل منك يسارياً".