تكاد لا تخلو صحيفة، أو مجلة، أو ندوة اقتصادية، أو نقاش إذاعي أو تلفزيوني، داخل سويسرا من حديث عن ضخامة أجور مديري الشركات الكبيرة. ويكاد أيضاً لا يُختم أي نقاش من دون التعبير عن الغضب من ضخامة هذه الأجور. ها نحن في الربيع حيث تتقاطر في هذه الفترة من كل عام آذار/ مارس وأيار/ مايو التقارير المالية السنوية لموازنات الشركات التجارية، حيث تظهر رواتب مديري وأعضاء المجالس التنفيذية، التي تخضع للمجهر أكثر من الموازنات نفسها. ومع هذه التقارير ترتفع وتيرة النقاشات، ومعها الغضب خصوصاً عند الشباب. وكانت سبقتها في فرنسا فضيحة اخرى لرواتب رؤساء الشركات الكبرى، بدأت في شكل كبير مع الإعلان عن رواتب وتقاعد شركة كارفور المُقال اخيراً. يقول الخبير الاقتصادي ديريك شولتز، ل"الحياة": "حتى عام 2000 كانت الحدود القصوى لراتب رئيس المجلس التنفيذي لمؤسسة سويسرية ما، يصل الى اثنين أو ثلاثة ملايين فرنك بين 1.7 و2.5 مليون دولار. أما اليوم فإنه يتجاوز بسهولة 20 مليون فرنك". ويضيف: "ربما يعود هذا التضخم في الرواتب لاستيراد كبار المديرين السويسريين النظام الأميركي للأجور، وهو نظام يتعرض للانتقاد داخل الولاياتالمتحدة نفسها مجلة فورتشن الاقتصادية تصف هذه الرواتب ب"سرقة ضخمة"، ويسمح بإغناء مدير الشركة من دون أن تكون هناك بالضرورة زيادة متناسبة في أسعار الأسهم أو الأرباح". إذا أردنا أن نضع رأي شولتز في مجال التطبيق العملي، نقرأ في التقرير المالي السنوي لمصرف "يو بي اس"، أكبر المصارف السويسرية، أن رئيس المصرف مارسيل أوبسيل تقاضى 21.3 مليون فرنك 19.74 مليون دولار خلال 2004، بزيادة قدرها 3.56 مليون فرنك عما تقاضاه خلال 2003. وفي 2003 ارتفع راتبه إلى 17.2 مليون فرنك من 11.3 مليون عام 2002، بزيادة بلغت 52.2 في المئة. اما بالنسبة إلى مؤسسة سويسرية صغيرة مثل "ايبونيم" تنشط في مجال الأنظمة الرقمية، فإن رئيس مجلس إدارتها أندريه كودولسكي حصل على 4.133 مليون فرنك خلال 2004، بزيادة قدرها 43 في المئة عن 2003. وفي 2003 كان راتبه ارتفع أصلاً بنسبة 47 في المئة عن 2002. وفي التدقيق بمدى صحة كلام فورتشن نقرأ في تقرير "يو بي اس" أن راتب أوبسل لعام 2004 قد استقر على القاعدة الآتية: مليونا فرنك راتب سنوي، و9.5 مليون فرنك مكافأة على شكل نقد سائل، و9.5 مليون فرنك حوافز تشجيعية على شكل أسهم، و270000 فرنك يُسددها المصرف من حصّته إلى صندوق التقاعد، إضافة إلى حُزمة أخرى من المزايا لم تظهر هذا العام في الباب الخاص براتب رئيس المصرف. ويظهر أيضاً من موازنة المصرف، أن عائد الشخص الواحد لثلاثة أعضاء فقط يعملون بوقت كامل في مجلس المديرين وفي رئاسة المجلس التنفيذي، قد ارتفع بمعدل 26.4 في المئة بالمقارنة مع 2003. ويتقاسم الثلاثة مبلغاً يصل إلى 19.6 مليون فرنك سنوياً، في حين تقاضى الأعضاء السبعة الذين يعملون بوقت جزئي 5.7 مليون. لكن ليست المسألة محصورة بمصرف "يو بي اس". ففي الموازنة السنوية لمؤسسة ايبونيم 2004، نقرأ أن مجموع الرواتب والمكافآت التي مُنحت بصورة مباشرة أو غير مباشرة لمجلس الإدارة وأعضاء المجلس التنفيذي، قد ارتفعت بنسبة 20 في المئة مقارنة ب2003، لتصل إلى 7.439 مليون فرنك. من هذا المبلغ نلاحظ ان 6.972 مليون فرنك ذهبت للمديرين العامين والأعضاء التنفيذيين لمجلس الإدارة، أما الأعضاء غير التنفيذيين للمجلس فقد تقاسموا 467000 فرنك. وقد منحت الشركة 85.837 سهماً لرئيس الشركة كودولسكي ولبقية المديرين. وفي الموازنة السنوية لمصرف كانتون فو، وعاصمته لوزان، نقرأ الأرقام الآتية: تلقى الأعضاء الأربعة عشر في إدارة المصرف رواتب ومكافآت بلغت 7.21 مليون فرنك في 2004، من ضمنها مكافأة نهاية العام الجاري، بالمقارنة مع 2003 6.29 مليون، وكانت الزيادة بمقدار 14.6في المئة. وفي التفاصيل: 5.49 مليون للأعضاء السبعة لمجلس المديرين التنفيذيين، و1.71 مليون للأعضاء السبعة لمجلس الإدارة. وتُظهر المعلومات أنه حتى في أوروبا، باستثناء ألمانيا، لا توجد إلا استثناءات قليلة على تقاضي رئيس مؤسسة راتباً يفوق 5 ملايين يورو 7.5 مليون فرنك. وفي جدول نشرته صحيفة "بليك" السويسرية الناطقة بالألمانية نقرأ الرواتب الآتية: مدير مصرف كريدي سويس 23.8 مليون فرنك، مدير نوفارتيس للصناعات الدوائية والكيماوية 20.8، مدير شركة روش للصناعات الدوائية 16.5، مدير شركة نستله 16.4، مدير شركة زيورخ للتأمين 11.0، عضو مجلس إدارة نوفارتيس 8.6، مدير شركة سينكينتا للأطراف الاصطناعية 7.6، مدير مؤسسة ليندت للشوكولاته 7.2 مدير شركة سيرونو للتقنية البيولوجية 6.7، مدير شركة "ا بي بي" للصناعات الهندسية 6.5، عضو مجلس إدارة نوفارتيس 5.7، مدير شركة مصاعد شندلر 4.6، مدير شركة سويس ريه للتأمين 3.3. وطبقاً للجدول، فإن أعلى راتب أوروبي هو 20.8 مليون فرنك، ويتقاضاه مدير شركة فودافون البريطانية، ثم مدير مصرف دويتشة بانك، جوزيف أكيرمان وهو سويسري، 17.2، ومدير "بي بي" النفطية البريطانية 15.7، ومدير نوكيا الفنلندية 10.2 ومدير لوريال الفرنسية لمستحضرات التجميل 10.2، ومدير تيلكوم إيتاليا 9.1، ومدير سيمنس 7.2، ومدير مصرف أليانز الألماني للاستثمار والتأمين 6.5، ومدير باير للصناعات الدوائية 2.7، ومدير لوفتهانزا 2.0. أما رواتب كبار الموظفين في الحكومة السويسرية وحكومات الكانتونات، فهي لا تُقارن، برواتب رؤساء الشركات التي تفوقها في شكل كبير. لكن على رغم ذلك أعلنت، هيئة سويسرية غير حكومية معنية بمراقبة رواتب كبار الموظفين في الدولة أن الوزراء المحليين في كانتون زيورخ، يحصلون على الكثير من الأموال، وعليه فقد أطلقت مبادرة للتصويت الشعبي تهدف إلى تقليص الراتب السنوي للوزير في الكانتون من 340000 إلى 280000 فرنك من 304000 إلى 237000 دولار. وطبقاً لرئيس الهيئة ألفرد هر، وهو عضو في برلمان مقاطعة زيورخ، فإن على المقاطعة القيام بعملية تقشف لأنه يعتبر ان كل المقاطعات السويسرية باستثناء زيورخ لا تقدم لوزرائها أكثر من 300000 فرنك كراتب سنوي. واستشهد برواتب وزراء الحكومتين الألمانية والفرنسية قائلاً إنها لا تصل إلى مستوى ثلثي راتب وزير كانتون في سويسرا. وأمام الهيئة الآن فترة ستة اشهر لجمع عشرة آلاف توقيع يؤيد المبادرة. يمكن عندها طرحها للتصويت الشعبي، وفي حال موافقة 51 في المئة من المقترعين على المبادرة يصبح ملزماً أمام برلمان الكانتون، إصدار تشريع يخفض راتب الوزير المحلي إلى 23.300 فرنك في الشهر. وقال عضو مجلس إدارة نوفارتيس يتقاضى 5.7 مليون فرنك سنوياً في إحدى الندوات التلفزيونية أنه لا يعترض على إثارة النقاش حول الرواتب أمام الرأي العام، لكنه تساءل: "ألا يجب توسيع النقاش ليشمل لاعبي كرة القدم، ونجوم السينما؟". وهنا ردّ عليه شاب قائلاً: "لا يمكن في هذا المجال مقارنة المديرين بالرياضيين، لأن على الأخيرين أن يحققوا الفوز لفريقهم في كل مباراة، والفوز ليس مضموناً. أما الشركات الكبرى فلديها نظام تمضي فيه منذ قرن، أو نصف قرن. النظام نفسه هو الذي يحقق الربح. في الشركة النظام هو البطل. اما في الملعب فاللاعب هو البطل".