آلت مبادرة رجل الأعمال السويسري توماس ميندر، المضادة للعلاوات التي تُعطى سنوياً إلى مديري الشركات السويسرية، إلى استقطاب مئات الآلاف من أصوات السويسريين، الذين نجحوا في تحويل هذه المبادرة إلى مسودة قانون ستُطرح للتصويت في البرلمان السويسري قريباً. وهكذا تضع سويسرا، التي تُعتبر بين الدول التي يتمتع سكانها بالدخل السنوي الأعلى حول العالم، العراقيل أمام المعاشات الخيالية لموظفي شركاتها الكبار. ويُرصد تناقض فاضح بين المستوى المالي الميسور لدى السويسريين، والكره الشعبي الأعمى للعلاوات المقدّرة بملايين الفرنكات السويسرية، التي يتقاضاها المديرون. لكن، يمكن استيعاب هذه النقمة الشعبية تجاه الموظفين الكبار، من خلال مراجعة ما حدث في سويسرا في الأعوام العشرة الأخيرة. مطلع عام 2000، واجهت سويسرا إفلاس شركة الطيران الوطنية «سويسر آر»، ونجح موظفوها الكبار على رغم انهيارها في تقاضي علاوات سنوية ضخمة، وكأن شيئاً لم يحصل. وفي مصرف «يو بي اس» الذي واجه أيضاً أزمة قاسية بين عامي 2008 و2009، سُلّطت الأضواء عليه وعلى معاشات موظفيه الكبار، ومن ضمنهم المدير العام السابق مارسيل أوسبل. صحيح أن شركة «سويس آر» ولدت مجدداً وباتت تابعة لشركة «لوفتهانزا» الألمانية باسم «سويس»، وصحيح أيضاً، أن مصرف «يو بي اس» خرج من أزمته بعد إعادة هيكلته، لكن هذه المشاكل خلّفت وراءها شعوراً شعبياً سويسرياً يناهض العلاوات الذهبية التي أُهديت إلى الموظفي الكبار في الشركات المتعثرة. وسرعان ما تحول هذا الشعور إلى ربيع عمالي سويسري، يكره التمييز الحاصل بين المعاشات. ورأى مراقبون أن ما حصل أخيراً، أثار العمال السويسريون. إذ خرج المدير العام لشركة «نوفارتيس» الصيدلانية الكبرى دانييل فازيلا منها، الذي يُقال إنه ساعد الشركة على تحقيق عائدات كبيرة، ومعه علاوات بقيمة 72 مليون فرنك سويسري (نحو 60 مليون يورو). وسيبقى بموجب هذه العلاوة مستشاراً لدى «نوفارتيس» للأعوام الستة المقبلة، من دون أن يوافق على التعاون مع الشركات المنافسة ل «نوفارتيس» أو العمل لديها. لكن الاستفتاء الشعبي، الذي أجري في كانتونات سويسرية، تصدى للاتفاق بين فازيلا وشركة «نوفارتيس»، ما حض الأخيرة على التراجع عن اتفاقها مع فازيلا. وأشار الخبراء إلى أن سويسرا الغنية طالما كانت واعية ومنتبهة للشركات والأسواق الداخلية وحركات الأموال. لكن المنهج البروتستانتي الممزوج بروح الرأسمالية، خصوصاً في قطاع العمل والعلاوات، توغل داخل الكانتونات السويسرية الكاثوليكية. لذا، يُلاحظ ظهور موجة عداء عمالي يستهدف الموظفين الكبار، الذين يتقاضون ملايين الفرنكات السويسرية سنوياً حتى بعد خروجهم أو استقالتهم من الشركة. ويشهد البرلمان السويسري حالياً، انقساماً حول المبادرة الشعبية الهادفة إلى خفض العلاوات إلى سقف غير معروف بعد. ولا يستبعد المراقبون أن تشهد الشهور المقبلة، مواجهة قانونية بين البرلمان وتلك الشركات السويسرية، المدرجة أسهمها في بورصة زوريخ، التي تأبى أن يتدخل أحد في أعمالها وأسرارها.