الديوان الملكي: وفاة والدة صاحب السمو الأمير فهد بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    أمطار رعدية غزيرة وسيول على عدة مناطق    رواد المنتزهات وسكان أحياء نجران ل«عكاظ»: الكلاب الضالة تهدد حياة أطفالنا    5 بريطانيين يعيشون ارتحال البدو بقطع 500 كم على ظهور الإبل    لماذا تجاهلت الأوسكار أنجلينا وسيلينا من ترشيحات 2025 ؟    مربو المواشي ل«عكاظ»: البيع ب«الكيلو» يمنع التلاعب.. نحتاح «توضيحات»    آل الشيخ من تايلند يدعو العلماء إلى مواجهة الانحراف الفكري والعقدي    الدبلوماسية السعودية.. ودعم الملفات اللبنانية والسورية    وصول الطائرة الاغاثية ال 13 إلى دمشق    الوقوف في صدارة العالم.. صناعة سعودية بامتياز    توجيه بإجراء تحقيق مستقل في حادث انقطاع الكهرباء في المنطقة الجنوبية    «الكهرباء»: استعادة الخدمة الكهربائية في المناطق الجنوبية    دعوة أممية لتحقيق مستقل في جرائم الاحتلال في «جنين»    بمشاركة 15 دولة لتعزيز الجاهزية.. انطلاق تمرين» رماح النصر 2025»    جوجل تطلق «فحص الهوِية» لتعزيز أمان «أندرويد»    نيوم يتغلّب على الطائي بهدف ويعود لصدارة دوري يلو    هاتريك مبابي يقود ريال مدريد للفوز على بلد الوليد    في الجولة ال 17 من دوري روشن.. النصر والأهلي يستضيفان الفتح والرياض    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    شتانا ريفي    8 مناطق للتخييم في المناطق الربيعية    60 جهة حكومية وخاصة تشارك بمنتدى فرصتي    رئيسة وزراء إيطاليا تصل إلى جدة    أدب المهجر    10 سنوات من المجد والإنجازات    ضيوف" برنامج خادم الحرمين" يزورون مجمع طباعة المصحف    رئاسة الحرمين.. إطلاق هوية جديدة تواكب رؤية 2030    تدشن بوابة طلبات سفر الإفطار الرمضانية داخل المسجد الحرام    دراسة: تناول الكثير من اللحوم الحمراء قد يسبب الخرف وتدهور الصحة العقلية    4 أكواب قهوة يومياً تقي من السرطان    مريضة بتناول الطعام واقفة    تحت رعاية خادم الحرمين ونيابة عن ولي العهد.. أمير الرياض يحضر حفل كؤوس الملك عبدالعزيز والملك سلمان    تعليق الدراسة الحضورية في مدارس تعليم عسير اليوم    أمير الرياض يعزي في وفاة محمد المنديل    ترحيل 10948 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة الباحة جاهزيتها لمواجهة الحالة المطرية    المالكي يهنئ أمير منطقة الباحة بالتمديد له أميرًا للمنطقة    لماذا تمديد خدماتهم ؟!    ممشى النفود    «ليلة صادق الشاعر» تجمع عمالقة الفن في «موسم الرياض»    «هانز زيمر».. إبداع موسيقي وإبهار بصري مدهش    "افتتاح بينالي الفنون الإسلامية 2025 في جدة بعنوان "وما بينهما"    بطولة الأمير عبد العزيز بن سعد للبوميرنغ تنطلق من" التراث للعالمية"    فريق أوكي يتوّج بلقب الجولة الأولى لبطولة العالم للقوارب الكهربائية "E1" في جدة    تحديد موقف ميتروفيتش وسافيتش من لقاء القادسية    الاتحاد يقترب من أوناي هيرنانديز    تمكين المرأة: بين استثمار الأنوثة والمهنية ذات المحتوى    «البيئة» تدعو الطُلاب للالتزام بالممارسات السليمة    الأمم المتحدة: نحو 30% من اللاجئين السوريين يريدون العودة إلى ديارهم    ما يجري بالمنطقة الأكثر اضطراباً.. !    إنجازات تكنولوجية.. استعادة النطق والبصر    الهروب إلى الأمام والرفاهية العقلية    ضبط (3) مواطنين في ينبع لترويجهم الإمفيتامين والحشيش    انقطاع مفاجئ للكهرباء يعطل الحياة في الجنوب لأكثر من 6 ساعات    عبور 54 شاحنة إغاثية سعودية جديدة مقدمة للشعب السوري عبر الأردن    مدير تعليم جازان يرفع التهنئة للأمير محمد بن عبد العزيز بمناسبة تمديد خدمته نائبًا لأمير المنطقة    وصول الوفود المشاركة في مؤتمر آسيان الثالث "خير أمة" بمملكة تايلند    الربيعي تحصل على المركز الثاني في مسابقة بيبراس للمعلوماتيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"دملان" رواية حبيب سروري : عزلة كائن في مواجهة الوحدة اليمنية
نشر في الحياة يوم 31 - 05 - 2005

في رواية"دملان"صادرة عن مؤسسة العفيف الثقافية للروائي اليمني حبيب عبد الرب سروري، المقيم في فرنسا، نبدو أمام عالم يتغير ويتراجع عن قيمه، مفسحاً المجال لنمط جديد من القيم يكتسحه بقوة، هذا الاكتساح تؤكده الذات الراوية، وهي ذات واعية، تمر التفاصيل والأحداث عبرها فتتكشف أو تتفكك إلى عناصرها الأولى.
يكشف الروائي، عبر شخصية تعيش في عزلة صارمة بعيداً من الواقع الذي تعيش فيه، احتجاجاً وربما شعوراً بالقهر لانتهاك إنسانيته، يكشفعن ولع برسم صور تواجه وتعارض لمدن وأشخاص، صور تنضح بمحمولات أقرب إلى الكوميديا السوداء.
يعبر وجدان الشخصية الرئيسة في الرواية، عن كائن سلبي يصدمه الواقع في شكل عنيف، بتحولاته التي تتوالى دراماتيكياً، فمن الصراعات الدموية بين أعضاء الحزب الاشتراكي التي تنتهي بمجزرة 13 كانون الثاني يناير 1986، مروراً بالوحدة اليمنية في 1990، التي دشنت عهداً جديداً في ما كان يسمى بجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية. ويشعر السارد أنه ضحية، لكن ليس لأحد سوى نفسه، يعيش في تناقضات عميقة وقديمة، فهو متخصص في علوم الكومبيوتر، لكنه محكوم بثقافة الجن، تتنازعه ثقافتان:"ثقافة تربيتي القديمة وثقافة العالم المعاصر؟". علاقته بالكومبيوتر علاقة هروب من مأساته:"يكفي أن أحدق في شاشته لأغيب ساعات وساعات عن كل شيء... لذلك تحجرت حياتي وراوحت كما كانت في أيامها الأولى". ولئن جاءت الرواية مفعمة بالخيبات، فإنها قدمت مادة شديدة الخصوصية عن المجتمع اليمني، في تنوعه واختلافه، عبر مدينتيه الرئيستينصنعاء وعدن.
في"دملان"لسنا أمام حبكة روائية وشخصيات تنمو وتتعقد مصائرها لحظة تلو لحظة، كما في روايته الأولى"الملكة المغدورة"التي صدرت بالفرنسية، وترجمها إلى العربية الروائي والباحث اليمني علي محمد زيد، إنما تتكثف تفاصيل الرواية 445 صفحة في شكل يوميات من منظور أحادي، تقوم به شخصية وجدان التي تحكي تحولات الواقع من حولها، إضافة إلى غرائب ومواقف مشحونة بروح الفكاهة، في لغة جميلة ورشيقة. ومع أن السارد يؤكد أنه لا يقوم بسرد يومياته، إلا أن كمّ المواقف والتفاصيل، التي هو بطلها الرئيس، لا تدع مجالاً للاقتناع.
وينشغل السارد بمحاولة كشف الأسباب التي أدت إلى عزلته للقارئ، هذا الكشف الذي ظل يؤجله حتى آخر لحظة، فيكرر طوال الرواية في حديث مباشر إلى القارئ:"سأبوح لكم بسلسلة الأحداث... سأرصف أمامكم بالتزام وانتقاء ذلك الخط المستقيم من اللعنات والانكسارات والخرائب، الذي قاد حياتي حتى"علبة السردين".
ينقسم العمل إلى ثلاثة أجزاء، محورها كلها وجدان. الأول:"شارع دغبوس"، ويتناول فترة المراهقة وما يكتنفها من تفاصيل صغيرة، تترافق مع مراقبة شديدة لما يحدث، على الأقل ظاهرياً على الصعيد السياسي، من صراعات و تطبيق لمبادئ تبدو نافرة عن طبيعة المجتمع، لا يكفي ترديد الشعارات الثورية لترسيخها، يتخلل هذا الجزء دخول السارد في مغامرة عاطفية تنتهي بالفشل، لينتهي الجزء الأول باستعداد وجدان للسفر إلى فرنسا في العام 1978 للدراسة.
في ما تستغرق فترة الدراسة والحياة في فرنسا الجزء الثاني بكامله، يروي هذا الجزء وعنوانه"سانت مالو"مشاهدات السارد التي تصطدم في وعيه مع ما تختزنه ذاكرته عن اليمن.
هذا الجزء بدا مفصولاً عن الرواية، وهو أقرب إلى أدب الرحلات منه إلى جزء في رواية، فالسارد يحدثنا عن رحلاته في المكان على تنوعه واختلافه، عن أصدقاء الدراسة، عن المواقف التي يتعرض لها نتيجة جهله بتلك البلاد. ينتهي هذا الجزء بانقطاع المنحة الدراسية، من دون أن نعرف لماذا، وبعودته خائباً ومحبطاً بعد 15 سنة، لكن ليس إلى عدن إنما إلى صنعاء، حيث سيبحث عن محبوبة متخيلة. في الجزء الثالث"علبة السردين"يأتي البحث عن المحبوبة، مجرد ذريعة فقط لاكتشاف عاصمة الوحدة، إذ يعود وجدان بعد تحقق الوحدة اليمنية في 22 أيار مايو 1990، كما يشهد هذا الجزء دخوله في عزله طويلة، إذ يعيش نحو 8 سنوات في منزله، من دون أن يحاول الخروج. يتغذى السرد في الجزء على أفكار جاهزة ومستهلكة عن مدينة صنعاء، أفكار طالما طرحها المثقفون اليمنيون في جلسات المقاهي في عدن، ولا يعدو فعل السارد هنا سوى استدعاء تلك الأفكار والمقولات المسبقة...
ومع ذلك فالرواية تتعرض على نحو غير مسبوق، إلى تجربة الوحدة اليمنية وانعكاساتها على الواقع، إذ يختار السارد جملة شواهد لا يجيء اختيارها عفوياً أو بريئاً من شبهة الإيديولوجي، فمن خلال هذه الشواهد، يروح في تصوير تلك الانعكاسات على مقدار من السوء والجهل والدمار، ليس أقلها الصورة التي تطرحها الرواية عن صنعاء، إذ تأتي في مظهر المدينة:"المحنطة بالسواد، مدينة مسكونة بكل أنواع الجن"، تثير الاشمئزاز، وتتحول فيها الشخصيات المشهورة بنقائها الإيديولوجي، المقبلة من عدن، إلى مطبلين للنظام الحاكم في عاصمة الوحدة. وفي المقابل، تحضر عدن، تحت ظل اليمن الموحد، كمدينة مسكينة يخيم عليها شبح الجوع والفقر والمستقبل الأسود،"شيطان الجهل"يبترع"منتصراً على آخر معاقل المدينة المنهزمة".
تحاول الرواية، ضمن ما تحاوله،انتقاد النظام السياسي في شطري اليمن، قبل الوحدة وبعدها... لكن السارد يبدي تحيزاً واضحاً لحقبة ما قبل الوحدة، فعلى رغم الصراعات والقتال بين العناصر الاشتراكية نفسها، يزعم الراوي أنها كانت أجمل من العهد الذي توحد فيه شطرا اليمن:"كانت فترة صعبة لكنها كانت تعج بالآمال والطموحات...".
وضمن ثنائية عدن/ صنعاء، حقبة الوحدة وما قبلها، يمكن استيعاب الرحلة الخرافية، التي يقوم بها وجدان، إلى بلاد دملان، التي تأخذ الرواية اسمها، ولعلها تسمية مجازية للشمال، فالرحلة التي نعرف في الختام أنها ليست غير حلم طويل، على رغم واقعية تفاصيله، تكشف عن شبه كبير، من خلال الدمار والعزلة ووفيات الأطفال والطقوس الأسطورية وتفشي الفساد، بما يسوقه السارد من تفاصيل عن الواقع اليمني في الشمال. وعدا المشهدية وجمال اللغة الوصفية، قد لا يجد القارئ أن استخدام تقنية الحلم هنا أفاد الرواية وأسهم في ثرائها فنياً ورؤيوياً، فما يريد أن يكشفه السارد عبر الحلم، يكون قام به في شكل أكثر وضوحاً خارجه وعلى نطاق واسع، وبالتالي كأن الرواية تقع في التكرار، الذي لا طائل منه.
من جانب آخر، تحضر شخصية جعفر الدملاني، الذي قدم إلى عدن وهو شاب في السادسة عشرة، لتعبر عن القيم التي تسود في ذلك الشمال. فلسفته في الحياة، كسب كاف في مقابل مجهود ضئيل، كسول ولا يحب المعرفة والتعليم، حلمه أن يصير شيخاً كبيراً غنياً جداً، وأن يتزوج أربع صبايا، وأن يمتلك قصراً كبيراً مملوءاً بالخدم والحشم... واللافت في هذه الشخصية أنها تشهد تحولات مفصلية، فأحلامه تتحقق من دون أن يمنحنا حبيب عبد الرب سروري إمكان استيعاب كيف حدث ذلك، ففجأة نجده في فرنسا مع الراوي في منحة عسكرية، ثم يختفي ليظهر في عاصمة الوحدة صنعاء، وقد صار نافذاً، وسيعود إلى مدينة عدن، يمارس فيها سلطته الأسطورية. يمضي جعفر حياته انطلاقاً من وصايا عشر، يرى أنها مفتاح كل شيء في اليمن، نجاحه الخرافي وهو محدود القدرات، يأتي في مقابل فشل وإخفاقات وجدان، الذي أجاد اللغة الفرنسية وعلوم الكومبيوتر بإتقان.
تجربة الكترونية
في الجزء الثاني"سانت مالو"، نقرأ:"أريد رواية جديدة تنضح خيالاً و دهشة، أريد أحداثاً مثيرة، نصاً مختلفاً يربكني... أريد رواية حقيقية لا أعرفها مسبقا، أريد أن أفاج". يحاول السارد من خلال برنامج إلكتروني يدعى"شهرزاد"أن يكتب رواية في تلك المواصفات، فينصحه صديقه ح ع س مصمم البرنامج:"عليك أن تملأها بمواد خام من الأحداث والقصص، أن تشحنها بالأحلام والاستيهامات، أن تغدقها بنماذج بشرية وأمكنة كثيرة...". على أن نصيحة ح ع س وهذه هي الحروف الأولى من اسم المؤلف يمكن تلمسها في شكل جلي في رواية"دملان"، إذ جاءت مشحونة ببشر وأمكنة عدة، ولهجات وكلمات موغلة في شعبيتها، ولغة كومبيوتر ومشاهدات وأحلام... لكن هل صنع منها كل ذلك رواية تدهش الكاتب وتربكه قبل القارئ؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.