انتقلت مصر إلى مرحلة جديدة من تاريخها السياسي بعد الاستفتاء الشعبي العام امس على تعديل دستوري يجعل اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر بين أكثر من مرشح بدل نظام الاستفتاء على مرشح واحد، وهو النظام الذي كان متبعاً منذ اقامة النظام الجمهوري في الخمسينات من القرن الماضي. ويعلن وزير الداخلية السيد حبيب العادلي في مؤتمر صحافي اليوم نتائج الاستفتاء التي ستكون الموافقة على التعديل. ويبدو الحكم في مصر على أبواب مرحلة جديدة، بعدما تخطى معارضة التعديل الدستوري، والتي مثلها خصوصاً موقف اربعة أحزاب رئيسية قاطعت الاستفتاء، وهي"التجمع"و"الناصري"و"الوفد و"الغد"اضافة الى جماعة"الإخوان المسلمين"، و"الحركة المصرية من أجل التغيير"المعروفة باسم"كفاية". وينتظر أن يعلن الرئيس حسني مبارك ترشيح نفسه الى خوض الاستحقاق الرئاسي المقرر في أيلول سبتمبر المقبل، ما يضع على"الحزب الوطني"الحاكم والحكومة أعباءً جديدة تتمثل في مواجهة موقف متصاعد لقوى المعارضة التي رفضت التعديل الدستوري أصلاً وكذلك مواجهة ضغوط خارجية تتعلق بالإصلاح السياسي. ولوحظ خلال الاستفتاء، وباستثناء تظاهرات نظمتها"كفاية"، غياب أحزاب المعارضة الأربعة و"الإخوان المسلمين"عن مسرح الاحداث الذي فتح واسعاً ليملأه"الحزب الوطني"وأجهزة الحكم التي سعت إلى حشد الناخبين امام مقار الاقتراع على أساس أن الرهان كان على حجم المشاركة في الاستفتاء وليس الموافقة على التعديل الدستوري. ولوحظ أن"الوطني"اعتبر معركة الاستفتاء مقدمة للاستحقاق الرئاسي، إذ حفلت الحملة الدعائية للاستفتاء بالكثير من عبارات التأييد والمبايعة لمبارك ومناشدات له ليعلن ترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة. لم يكن سهلاً رصد نسبة المشاركة في الاستفتاء. ف"الوطني"حشد جموعاً من أعضائه ومناصريه وموظفي الحكومة في مرتكز اقتراع معينة. وظهرت مراكز أخرى شبه خالية، علماً أن نسبة المشاركين في كل الاستفتاءات السابقة لم تتعد ال20 في المئة، لكن وسائل الإعلام الرسمية ظلت تشدد على أن الإقبال على الاقتراع كان كبيراً ويفوق أي مرة سابقة. وأدلى الرئيس مبارك والسيدة قرينته ونجلاهما جمال وعلاء بأصواتهم في مدرسة مصر الجديدة النموذجية. وأشاد كبار المسؤولين بالاستفتاء الذي يشكل"نقلة لمرحلة جديدة لمصر"، كما قال رئيس الوزراء احمد نظيف. فيما وصف رئيس مجلس الشورى الامين العام للحزب الحاكم يوم الاستفتاء بأنه"يوم للفخار الوطني وعرس الديموقراطية الذي يفرض فيه الشعب المصري ارادته من أجل مستقبل مصر". ونظمت وزارة الإعلام مسيرة اعلامية تقدمها الوزير أنس الفقي بدأت من امام وزارتي الاعلام والخارجية حاملة أعلام مصر، وردد المشاركون فيها"نعم لتعديل المادة 76 للدستور"، ثم اتجهوا الى صناديق الاقتراع . ووصف الفقي الاستفتاء بأنه"لحظة حاسمة وفارقة في تاريخ مصر المعاصر، وان الشعب هو السيد وصاحب قراره وهو وحده الذي يستطيع الحفاظ على سلامة وأمن هذه البلاد". ورغم الصدامات التي وقعت بين مؤيدي"الحزب الوطني"الحاكم وأعضاء حركة"كفاية"إلا أن وزارة الداخلية ذكرت أن غرفة العمليات المركزية أكدت أن عملية الاقتراع التي جرت في مختلف المراكز الانتخابية والبالغ عددها 329 لجنة عامة و54 ألفاً و350 لجنة فرعية اتسمت بالهدوء و"سارت في جو ديموقراطي آمن حيث لم تسجل حتى الآن أية خروقات من شأنها تعكير صفو عملية الاستفتاء او الخروج عن الشرعية والقانون... ولم تسجل أية مظاهر من مظاهر الاحتجاجات او الخروج عن المألوف حيث تشهد العديد من اللجان الانتخابية على مستوى الجمهورية اقبالاً من قبل الناخبين يزداد بوتيرة مستمرة". ومن جهته أعلن محمود ابو الليل وزير العدل ان اللجان الانتخابية على مستوى مختلف محافظات مصر شهدت اشرافاً قضائياً بمشاركة 1225 عضواً من رجال القضاء والنيابة العامة من بينهم 703 سيدات من هيئتي قضايا الدولة والنيابة الادارية. وأشار الوزير الى أن الاشراف القضائي على العملية الانتخابية انتظم منذ الساعة الثامنة صباحاً واستمر طوال فترة الادلاء بالأصوات. وأكد أن عملية فرز أصوات الناخبين ستتم تحت اشراف قضائي كامل، مشيراً الى أنه على رغم ذلك فإن ما يقرب من ألفي رجل من رجال القضاء والنيابة العامة قاموا بتسيير عمل المحاكم والنيابات تيسيراً لمصالح المواطنين.